أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

4211 - ما الحكمة من ابتلاء سيدنا أيوب عليه السلام؟

29-08-2011 40189 مشاهدة
 السؤال :
ما هي الحكمة من ابتلاء الله تعالى لسيدنا أيوب عليه الصلاة والسلام؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 4211
 2011-08-29

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: يجب علينا أن لا ننسى قول الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}، وقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون}، وقوله تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون}.

ثانياً: يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عندما سئل: (أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

ثالثاً: قد يكون الابتلاء تكفيراً للسيئات، وذلك من خلال قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير}، وقد يكون رفعاً للدرجات، وذلك من خلال قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ، حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ) رواه الإمام أحمد.

رابعاً: لقد أُخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في أول يوم من النبوة بأنه سيُبتلى، كما قال له ورقة بن نوفل: (يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا) رواه البخاري.

وبناء على ذلك:

فالابتلاء ـ وخاصة في حقِّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ـ هو رفع في درجاتهم عند الله عز وجل، وليتسلى بهم من بعدهم إذا أصابهم الله تعالى بالابتلاءات، وليزداد سخط الله تعالى على الكافرين والظالمين، فيسحقهم بسبب بغيهم، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

وبالابتلاء يظهر إيمان العبد بربه عز وجل الفعال لما يريد، فلا يزيده البلاء إلا رضاً ويقيناً بأن الابتلاء لصالحه، كما جاء في الحديث الشريف: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم.

وأخيراً ما كان ابتلاء الله تعالى لسيدنا أيوب عليه السلام بسبب ذنب ارتكبه، وقد ورد في السنة المطهَّرة ما يدل على ذلك، أخرج ابن حبان وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (إن أيوب نبي الله صلى الله عليه وسلم لبث في بلائه ثمان عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخصِّ إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به، فلما راح إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقول، غير أن الله يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق، قال: وكان يخرج إلى حاجته، فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده، فلما كان ذات يوم، أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} فاستبطأته فبلغته، فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء فهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ والله على ذلك ما رأيت أحداً كان أشبه به منك إذ كان صحيحاً، قال: فإني أنا هو، وكان له أندران: أندر القمح، وأندر الشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح، أفرغت فيه الذهب حتى فاضت، وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاضت). هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
40189 مشاهدة