370ـ خطبة الجمعة: السعادة سعادتان

370ـ خطبة الجمعة: السعادة سعادتان

 

 370ـ خطبة الجمعة: السعادة سعادتان

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله، السَّعَادَةُ سَعَادَتَانِ، سَعَادَةٌ دُنيَوِيَّةٌ، وسَعَادَةٌ أُخرَوِيَّةٌ، فأمَّا السَّعَادَةُ الدُّنيَوِيَّةُ فَهِيَ سَعَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ لِعُمُرٍ قَصيرٍ مَحدودٍ، وهيَ مَمزوجَةٌ بالمُنَغِصَّاتِ.

وأمَّا السَّعَادَةُ الأُخرَوِيَّةُ فَهِيَ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ لا تَنقَطِعُ، ولا مُنَغِّصَ فيها، وأعظَمُ نَعيمٍ فيها هوَ النَّظَرُ إلى وَجْهِ الله تعالى الكَريمِ.

والإنسانُ إذا قَصَرَ نَظَرَهُ إلى سَعَادَةِ الدُّنيا فَقَط دونَ سَعَادَةِ الآخِرَةِ عاشَ في وَهْمٍ كَبيرٍ، وظَنَّ أنَّهُ سَعيدٌ، ولكنَّهُ في الحَقيقَةِ إذا انقَلَبَ إلى الآخِرَةِ فَسَيَنغَمِسُ ذلكَ في غَمسَةٍ واحِدَةٍ يُغمَسُها في نارِ جَهَنَّمَ.

وأمَّا إذا رَبَطَ سَعَادَةَ الدُّنيا بِسَعَادَةِ الآخِرَةِ، وطَلَبَ سَعَادَةَ الآخِرَةِ من خِلالِ التِزامِهِ بِدِينِ الله تعالى، فَسَوفَ يَنسى الألَمَ والمَصائِبَ والشَّدَائِدَ والمُنَغِّصاتِ التي مَرَّت عَلَيهِ في حَياتِهِ الدُّنيا عِندَما يُغمَسُ غَمسَةً واحِدَةً في نَعيمِ الجَنَّةِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِن الْكُفَّارِ فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ فِي النَّارِ غَمْسَةً، فَيُغْمَسُ فِيهَا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: أَيْ فُلَانُ، هَلْ أَصَابَكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟

فَيَقُولُ: لَا، مَا أَصَابَنِي نَعِيمٌ قَطُّ.

وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ الْمُؤْمِنِينَ ضُرَّاً وَبَلَاءً فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ غَمْسَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً، فَيُقَالُ لَهُ: أَيْ فُلَانُ، هَلْ أَصَابَكَ ضُرٌّ قَطُّ أَوْ بَلَاءٌ؟

فَيَقُولُ: مَا أَصَابَنِي قَطُّ ضُرٌّ وَلَا بَلَاءٌ».

المُؤمِنُ يَجمَعُ بَينَ السَّعَادَتَينِ:

يا عباد الله، الإنسانُ المُؤمِنُ هوَ الذي يَنشُدُ سَعَادَةَ الدُّنيا وسَعَادَةَ الآخِرَةِ، ولا يَقصُرُ نَظَرَهُ على سَعَادَةِ الدُّنيا فَقَط، وذلكَ من خِلالِ إيمانِهِ والتِزامِهِ العَمَلَ الصَّالِحَ، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾. هذهِ هيَ سَعَادَةُ الدُّنيا ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون﴾. وهذهِ هيَ سَعَادَةُ الآخِرَةِ.

سَعَادَةُ نِسائِنا بالحِجابِ لابالسُّفورِ:

يا عباد الله، سَعَادَةُ نِسائِنا وبَناتِنا بالحِجابِ لابالسُّفورِ، وقد ظَنَّ الكَثيرُ من نِساءِ المُسلِمينَ بأنَّ سَعادَتَها في الدُّنيا بِتِلكَ الثِّيابِ الفَاضِحَةِ، تِلكَ الثِّيابِ الضَّيِّقَةِ، فَعَاشَت في حَياةِ شَقاءٍ وضَنْكٍ، ونَسِيَت أو تَنَاسَت حَديثَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

يا عباد الله، اُنظُروا إلى الجَامِعاتِ والحَافِلاتِ، وإلى شَوارِعِ المُسلِمينَ، وأسواقِ المُسلِمينَ، ودَوائِرِ المُسلِمينَ، فإنَّكُم تَجِدونَ المَرأَةَ قد لَبِسَتِ الثِّيابَ الفَاضِحَةَ الضَّيِّقَةَ، وظَنَّتِ المَرأَةُ أنَّها إذا خَرَجَت إلى الشَّارِعِ هكذا، وقد سَتَرَت شَعرَها، وكَشَفَت عن وَجهِهَا، بأنَّها مُتَحَجِّبَةٌ مُلتَزِمَةٌ قَولَ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾.

وبِكُلِّ أَسَفٍ ظَنَّ الرَّجُلُ كذلكَ، بأنَّهُ إذا خَرَجَت زَوجَتُهُ وابنَتُهُ هكذا فَهِيَ مُتَحَجِّبَةٌ ومُتَسَتِّرَةٌ، ونَسِيَ هوَ وبَناتُهُ وزَوجَتُهُ قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا». رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَرِيحُهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ) رواه مالك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

ونَسِيَ الكَثيرُ من الآباءِ والأزواجِ بأنَّ المَرأَةَ كُلَّها عَورَةٌ من فَرْقِها إلى قَدَمِها، وذلكَ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَت اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ.

﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه﴾:

يا عباد الله، كُلُّنا رَاعٍ، وكُلُّنا مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، كُلُّ وَاحِدٍ منَّا سَوفَ يُسأَلُ عن زَوجَتِهِ وبَناتِهِ يَومَ القِيامَةِ، لذلكَ يَجِبُ أن نَعلَمَ ونُعَلِّمَ بَناتِنا ونِساءَنا بأنَّ سَعادَةَ المَرأَةِ تَكونُ بِحِجَابِها لا بِسُفورِها، سَعادَتُها بالحِجَابِ السَّميكِ الوَاسِعِ، لا بالضَّيِّقِ ولا بالذي يَشِفُّ، هذا هوَ حِجَابُها الشَّرعِيُّ، والكُلُّ سَوفَ يُسأَلُ عن حِجَابِ عِرضِهِ يَومَ القِيامَةِ.

يا عباد الله، تَذَكَّروا قَولَ الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه * وَأُمِّهِ وَأَبِيه * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيه * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه﴾. والمَقصودُ بالصَّاحِبَةِ الزَّوجَةُ، سَوفَ تَقولُ الزَّوجَةُ وهيَ آخِذَةٌ بِتَلاليبِ زَوجِها: يا ربِّ، سَلْهُ لِمَ لَم يأمُرْني بالحِجَابِ؟ وسَوفَ تَقولُ البِنتُ وهيَ آخِذَةٌ بِتَلاليبِ أبيها: يا ربِّ، سَلْهُ لِمَ لَم يأمُرْني بالحِجَابِ؟

يا عباد الله، لقد فُتِنَ شَبابُ المُسلِمينَ إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى بالنِّساءِ، فلا تَكونوا سَبَباً في فِتنَتِهِم، وذلكَ بِتَقصيرِكُم نَحوَ تَوجيهِ نِسائِكُم وبَناتِكُم إلى الحِجَابِ الشَّرعِيِّ.

السُّفورُ لَيسَ مُبَرِّراً للنَّظَرِ:

يا شَبابَ هذهِ الأُمَّةِ، ويا رِجالَ هذهِ الأُمَّةِ، اِعلَموا بأنَّ الدُّنيا لَيسَت للطَّائِعينَ فَقَط، فهيَ للطَّائِعينَ وللعَاصينَ، فإذا رَأَيتُم مَعصِيَةَ العَاصينَ فاعلَموا بأنَّ ذلكَ لن يَكونَ مُبَرِّراً لَكُم بأن تَعصوا اللهَ تعالى.

إذا رَأَيتُمُ النِّساءَ خَرَجْنَ كاسِياتٍ عارِياتٍ بِثِيابٍ فَاضِحَةٍ، لا يَعني ذلكَ بأنَّكَم مَعذُورُونَ في النَّظَرِ إلَيهِنَّ، وكَيفَ يَظُنُّ المُؤمِنُ هذا وهوَ يَذْكُرُ قَولَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ»؟ رواه الإمام أحمد عن عَبْدَ الله بْنَ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عنهُما.

﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾:

يا عباد الله، أُذَكِّرُ نَفسي وإيَّاكُم بِقَولِ الله تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون﴾.

اِعلَموا يا عباد الله بأنَّ البَصَرَ هوَ البابُ الأكبَرُ إلى القَلبِ، وأكثَرُ السُّقوطِ من جِهَتِهِ، فإذا أطلَقَ الرَّجُلُ نَظَرَهُ إلى ما حَرَّمَ اللهُ تعالى النَّظَرَ إلَيهِ تَأَذَّى قَلبُهُ، وإذا تَأَذَّى القَلبُ فَسَدَتِ الجَوارِحُ، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» رواه الشيخان عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

يا عباد الله، لقد دَعانا اللهُ عزَّ وجلَّ إلى غَضِّ البَصَرِ قَبلَ حِفْظِ الفَرْجِ، فمن غَضَّ بَصَرَهُ حَفِظَ فَرْجَهُ، ومن أطلَقَ بَصَرَهُ لم يَحفَظْ فَرْجَهُ، ومن وَقَعَ في هذهِ المُخالَفَةِ ظَنَّاً منهُ أنَّهُ قد حَقَّقَ لِنَفسِهِ سَعَادَةً فإنَّهُ مَوهومٌ ورَبِّ الكَعبَةِ.

يا عباد الله، سَمِعتُ كما سَمِعتُم، الكَثيرُ من الشَّبابِ اليَومَ الذينَ أطلَقوا أبصارَهُم، ولم يَلتَفِتوا إلى قَولِ الله تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾. لقد تَمَزَّقَت قُلوبُهُم، وتَشَتَّتَت أفكارُهُم، وضَيَّعوا أعمارَهُم وأموالَهُم، وتَخَبَّطوا في الظُّلُماتِ، ورَحِمَ اللهُ تعالى من قال:

كُلُّ الْحَـوَادِثِ مَـبْدَاهَا مِـنْ النَّظَرِ  ***   وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ

كَمْ نَظْرَةٍ فَتَكَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا   ***   فَـتْـكَ الـسِّهَامِ بِلَا قَوْسٍ وَلَا وَتَرِ

وَالْـعَـبْدُ مَـا دَامَ ذَا عَـيْنٍ يُـقَـلِّبُهَا   ***   فِي أَعْيُنِ الْغِيدِ مَوْقُوفٌ عَلَى خَـطَرِ

يَـسُـرُّ مُـقـلَتَهُ مَـا ضَـرَّ مُـهـجَتَهُ   ***   لَا مَـرْحَـباً بِـسُرُورٍ عَـادَ بِـالضَّرَرِ

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون﴾:

يا عباد الله، لقد تَوَهَّمَ الكَثيرُ من الشَّبابِ بأنَّ إطلاقَ البَصَرِ يُحَقِّقُ لَهُم سَعَادَةَ الدُّنيا، ونَسِيَ أنَّ من وَراءِ هذهِ السَّعَادَةِ المَوهومَةِ سَوفَ يَحصُدُ الحَسْرَةَ والنَّدَامَةَ عاجِلاً أم آجِلاً.

لقد نَسِيَ الكَثيرُ من الشَّبابِ قَولَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنُ تَزْنِي، وَالْقَلْبُ يَزْنِي، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا الْقَلْبِ التَّمَنِّي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ مَا هُنَالِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وقَولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يا عَلِي، لَا تُتْبِع النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ» رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عَن ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما.

لقد نَسِيَ الكَثيرُ من الشَّبابِ اليَومَ بأنَّ النَّظَرَ إلى ما حَرَّمَ اللهُ تعالى سَهْمٌ من سِهامِ إبليسَ يُوصِلُ العَبدَ إلى ارتِكابِ المُخالَفاتِ الشَّرعِيَّةِ التي تُوصِلُهُ إلى شَقاءِ الآخِرَةِ والعِياذُ بالله تعالى.

النَّظَرُ إلى النِّساءِ يُوصِلُ إلى التَّعَدِّي لِحُدودِ الله عزَّ وجلَّ، وذلكَ بارتِكابِ العَادَةِ السِّرِّيَّةِ التي وَقَعَ فيها الكَثيرُ من الشَّبابِ، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُون﴾. وقَضاءُ الشَّهوَةِ باليَدِ من التَّعَدِّي على حُدودِ الله تعالى.

النَّظَرُ إلى النِّساءِ قد يُوصِلُ إلى ارتِكابِ الفَاحِشَةِ والعِياذُ بالله تعالى، وقد كَثُرَتِ الفَاحِشَةُ اليَومَ، ونَسِيَ هؤلاءِ الرِّجالُ الذينَ ظَنُّوا أنَّهُم حَقَّقُوا لأنفُسِهِم سَعَادَةً بارتِكابِ الفَاحِشَةِ قَولَ الله تعالى: ﴿وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾.

يا عباد الله، من المَسؤولُ عن التَّعَدِّي لِحُدودِ الله تعالى من قِبَلِ الشَّبابِ؟ ومن المَسؤولُ عن ارتِكابِ الفَواحِشِ؟ المَسؤولُ هوَ من كانَ سَبَباً في وُقوعِ الشَّبابِ والرِّجالِ في ذلكَ، وذلكَ عِندَما يَرى زَوجَتَهُ وبَناتِهِ سَافِراتٍ، كَاسِياتٍ عَارِياتٍ، فلا يَأمُرُهُم بالمَعروفِ ولا يَنهاهُم عن المُنكَرِ.

اِحفَظِ اللهَ في جَارِحَةِ البَصَرِ:

يا شَبابَ هذهِ الأُمَّةِ، ويا رِجالَها، السَّعيدُ من ألزَمَ نَفسَهُ غَضَّ البَصَرِ، السَّعيدُ من استَحضَرَ دائِماً وأبَداً قَولَ الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور﴾.

إذا أرَدْنا حِفْظَ الله تعالى لنا فَلْنَحْفَظِ اللهَ تعالى في جَارِحَةِ البَصَرِ، وإذا أرَدْنا أن يُكرِمَنا اللهُ تعالى بِسَعَادَةِ الدُّنيا ورَاحَةِ البَالِ فيها فَلْنَحْفَظِ اللهَ تعالى في جَارِحَةِ البَصَرِ، وإذا أرَدْنا أن نَندَرِجَ تَحتَ قَولِهِ تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة﴾ فَلْنَحْفَظِ اللهَ تعالى في جَارِحَةِ البَصَرِ.

كما تَدينُ تُدانُ:

يا عباد الله، الجَزاءُ من جِنسِ العَمَلِ، وكما تَدينُ تُدانُ، فمن أطلَقَ بَصَرَهُ ولم يَعبَأْ بِتَوجيهِ الله تعالى لهُ، ولا بِتَوجيهِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فلا يَلومَنَّ إلا نَفسَهُ إذا وَقَعَ في شَقاءٍ دُنيَوِيٍّ وأُخرَوِيٍّ.

من يَرضَى أن يَنظُرَ الرِّجالُ إلى مَحارِمِهِ نَظرَةَ شَهوَةٍ، نَظرَةَ خِيانَةٍ؟ من يَرضَى أن تُرتَكَبَ الفَاحِشَةُ في مَحارِمِهِ؟ رَحِمَ اللهُ تعالى الإمامَ الشَّافِعِيَّ القائِلَ:

عِفُّوا تَعِفَّ نِساؤُكُم في المَحـرَمِ   ***   وَتَجَنَّبُوا مـا لا يَـلـيـقُ بِـمُسلِمِ

إنَّ الـزِّنـا دَيـنٌ فإن أَقـرَضْـتَهُ   ***   كانَ الوَفَا من أهلِ بَيتِكَ فاعلَمِ

يا هَاتِكَاً حُرَمَ الرِّجالِ وقَاطِعَاً   ***   سُبُلَ المَوَدَّةِ عِشْتَ غَـيرَ مُـكَـرَّمِ

لو كُنتَ حُرَّاً من سُلالَةِ مَاجِدٍ   ***   مَا كُـنتَ هَـتَّاكَاً لِحُرمَـةِ مُـسلِـمِ

مَن يَزنِ يُزنَ بِهِ ولـو بِـجِدَارِهِ   ***   إن كُـنتَ يـا هـذا لَـبيبَاً فَـافـهَمِ

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يا عباد الله، سَعَادَةُ الدُّنيا وسَعَادَةُ الآخِرَةِ في طَاعَةِ الله عزَّ وجلَّ، لا في مَعصِيَتِهِ، لِنُوَجِّهْ أزواجَنا وبَناتِنا إلى الحِجابِ الشَّرعِيِّ، ونَزجُرْهُم عن لِبسِ الثِّيابِ الفَاضِحَةِ الضَّيِّقَةِ التي تَجعَلُ من المَرأَةِ كَاسِيَةً عَارِيَةً.

لِنُلزِمْ أنفُسَنا وأبناءَنا غَضَّ البَصَرِ، فإن عَصَتِ المَرأَةُ رَبَّها في ثِيابِها فلا نَعصِ اللهَ تعالى نَحنُ في النَّظَرِ إلَيها.

أيُّها الشَّبابُ، كونوا على يَقينٍ بأنَّ هُناكَ الكَثيرَ من الشَّبابِ قد صَانوا أبصارَهُم عن مَحارِمِ الله تعالى، وحَفِظوا جَارِحَةَ البَصرِ من المُخالَفاتِ الشَّرعِيَّةِ فَحَفِظَهُمُ اللهُ تعالى، هؤلاءِ قد حَقَّقُوا لأنفُسِهِم سَعَادَةَ الدُّنيا، وإن شاءَ اللهُ سَيَحَقِّقونَ لأنفُسِهِم سَعَادَةَ الآخِرَةِ، وذلكَ بالنَّظَرِ إلى وَجْهِ الله تعالى.

يا عباد الله، من منَّا يَرضَى أن يَندَرِجَ تَحتَ قَولِ الله تعالى: ﴿كَلا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون﴾؟ ومن منَّا يَرضَى أن يُحرَمَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجْهِ الله تعالى الكَريمِ؟ فَعَلَينا بِغَضِّ البَصَرِ وحِفْظِ الفَرْجِ.

أسألُ اللهَ تعالى بِشَبابِ الأُمَّةِ الطَّاهِرينَ، وبالنِّساءِ الطَّاهِراتِ العَفيفاتِ المُتَحَجِّباتِ، أن يَكشِفَ الغُمَّةَ عن هذهِ الأُمَّةِ عاجِلاً غَيرَ آجِلٍ. آمين.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 21/ربيع الثاني/1435هـ، الموافق: 21/شباط/ 2014م

 2014-02-21
 24831
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 331 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 331
09-04-2024 504 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 504
04-04-2024 661 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 661
28-03-2024 547 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 547
21-03-2024 966 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 966
14-03-2024 1677 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1677

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412564994
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :