38ـ آداب الصائم: الأدب التاسع: ترك الغيبة(2)

38ـ آداب الصائم: الأدب التاسع: ترك الغيبة(2)

 

مقدمة الدرس

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد ذكرنا في الدرس الماضي بأن من آداب الصائم أن تصوم جوارحه عن الحرام، كما صامت جوارحه عن الحلال، وأنه لا يليق بالإنسان المسلم أن يصوم عما أحلَّ الله تعالى، ويفطر على ما حرَّم الله تعالى.

لا يليق بالمسلم أن يصوم عن الطعام والشراب الحلال، ثم يأكل بالغيبة لحم أخيه كما قال تعالى: {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}.

هل تستطيع أن تأكل لحم إنسان ميت؟

الواحد منا مهما بلغت شراسته لا يستطيع أن يأكل لحم إنسان، وخاصة إن كان ميتاً، ورائحة الإنسان الميت إذا تفسَّخ جسده من أقذر الروائح، ولله الحمد الذي شرع لنا دفن الموتى، تصوَّر لو أن الإنسان الميت لا يدفن ويبقى بعد موته جيفة كجيفة بقية الحيوانات كيف يكون حاله؟

تصور إنساناً ميتاً وأنت بكامل قواك العقلية تقترب من هذا الجسد لتأكل منه، هل بوسعك هذا؟ وإن رأيت من يأكل إنساناً ميتاً، لا شك أنك تشكُّ في عقله، ولذلك العاقل لا يغتاب أحداّ من المؤمنين.

تحذير سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيبة:

ولهذا وردت أحاديث كثيرة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفِّر الإنسان المؤمن من الغيبة، وها أنا أذكر بعضها:

أولاً: الغيبة سمة الإنسان المنافق:

الغيبة سمة الإنسان المنافق بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم، نعم المنافق حريص كل الحرص على الغيبة، وخاصة للمؤمنين، وذلك لنشر الفساد في الأرض والتشجيع على ارتكاب الآثام والسيئات، لهذا قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الإِيمَانُ قَلْبَهُ، لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ يَتَّبِعْ الله عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ) رواه الإمام أحمد وأبو داود.

سمة المنافق أنه مغتاب، لأنه يحبُّ فضيحة الإنسان المسلم إذا وقع في مخالفة، أما المؤمن فسمته ستر الناس مع نصحهم إذا رأى منهم مخالفة، لأن المؤمن عرف بأن الجزاء من جنس العمل، قال تعالى: {جَزَاء وِفَاقًا}.

فمن فَضَحَ فُضِحَ، ومن سَتَرَ سُتِرَ، لذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. وهذا شأن المسلم النصحُ والسترُ خشية الفضيحة على نفسه.

أما المنافق فيحبُّ أن يُشهِّر ويحب أن يغتاب، ونسي هذا المنافق قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} . فمن اقترب من إنسان مؤمن وأراد أن يغتاب ويتبع عوراته فإن الله يتَّبع عورة هذا العبد المغتابِ المتبعِ لعورات الناس ويفضحه الله تعالى.

العبد يفضح من خلال قدرته، والله يفضح العبد المنافق من خلال قدرته هو جلَّ جلاله، فهل رأيت عاقلاً يضع نفسه في هذا التحدي؟

لذلك يجب عليك أيها المؤمن الصائم أن تراجع الحسابات مع نفسك وأنت تسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا، وأن تحاول جاهداً الابتعاد عن صفات المنافقين، وأن تتحلَّى بصفات المؤمنين ألا وهي الستر إذا رأيت خللاً من أخيك المسلم بعد النصح، وأن تفوِّض أمره إلى الله تعالى.

ثانياً: الغيبة من أربى الربا:

روى أبو داود والإمام أحمد في مسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ).

وروى الحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم».

وفي رواية: «الربا أحد وسبعون ـ أو قال: ثلاثة وسبعون ـ حوباً، أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم» رواه عبد الرزاق.

كلُّنا يعلم بأن الربا كبيرة من الكبائر، ومحرَّمة بنص القرآن الكريم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}. فإذا اعتديت على مال أخيك بغير حق، وعاملتَه بالربا، فأقرضته مبلغاً لأجلٍ وبعد ذلك تستردُّه مع الزيادة ولو بدرهم واحد، فالله تعالى يعلن الحرب عليك بسبب أنك أكلت أموال الناس بغير حق.

وما أكثر صور الربا في المجتمع، وخاصة القرض الذي يجرُّ نفعاً ، مثل الرهنية التي تجري في هذا الوقت، فهي من باب: (كل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا). ومثل القروض التي يدفعها أصحاب المحلات للمزارعين ولأصحاب اللبن والجبن من أجل إنزال مزروعاتهم وألبانهم وأجبانهم عندهم، وقس على مثل ذلك.

فالله تعالى أعلن حربه على المرابين لأنهم أخذوا من أموال الناس بغير حق، فكيف إذا نالوا من أعراضهم؟ وأيهما أغلى عند الإنسان ماله أم عرضه؟

ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ).

فالنبي صلى الله عليه وسلم يبيِّن في هذا الحديث الشريف أنَّ الغيبة وبالُها أكثر وأشدُّ من وبال الربا، لأن العِرْضَ أعزُّ على النفس من المال.

ولذلك ربنا عز وجل أعلن حربه على صنفين من الناس، الأول: المرابين، وذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}. والصنف الثاني: من عادى أولياء الله عز وجل، يقول ربنا تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ) رواه البخاري.

والولي هو كما عرَّفه الله تعالى في القرآن العظيم: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون}. فكل مؤمن تقيٍّ هو ولي لله تعالى، فكيف تغتابه بغير حق؟

ثالثاً: روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ).

رابعاً: روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَفَعَتْ رِيحُ جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ هَذِهِ رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ الْمُؤْمِنِينَ).

لماذا لا نجد هذه الريح المنتنة؟ نعم نحن لا نجد هذه الريح المنتنة بسبب كثرتها وعموم البلوى بها، كمن أصبح وأمسى في مدبغة هل يشم رائحة الدباغة؟

هانت عندنا الغيبة حتى أصبحنا نراها كأنها من أصغر الصغائر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فعمَّت الغيبة الكبير والصغير والرجال والنساء، وقلَّما أن تجد جمعاً من الناس حافظوا على ألسنتهم من الغيبة.

خامساً: أخرج أبو داود في سننه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ)، قَالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ: (مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا).

تدبَّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ) والله إنه لأبلغ ذمٍّ في الغيبة عند من يعقل.

لو وقفنا أمام بحر عظيم وفكَّرنا فيه هل يستطيع أحدنا أن يمزج هذا البحر بشيء يغير فيه طعمه ولونه وريحه؟ البحر لا تعكِّره جيف كثيرة مهما عظمت، ولكن يغيِّر لونَه وطعمَه وريحَه غيبةٌ تصدر من إنسان.

كلمة: (حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ...) كم تحتاج إلى ريق يكون في فم الإنسان حتى يقولها؟ قطرة واحدة من الريق تكون في فم الإنسان بها يقول هذه الكلمة، فهذه القطرة من الريق لو مزجت بماء البحر لغيَّرت طعمه ولونه وريحه، والعياذ بالله تعالى من هذه الكبيرة التي غفلنا عنها.

أما قول السيدة عائشة رضي الله عنها: (وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا) أي فعلت فعلاً مثل فعله تحقيراً له، وهذا من باب المحاكاة والتقليد، فأنكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم أشدَّ الإنكار، وأعلمها بأنه لو أُعطي من الدنيا الشيء الكثير على أن يحاكي ـ يقلِّد ـ غيره تحقيراً له ما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

أين مراقبتنا لبيوتنا؟ المرأة تغتاب وتنمُّ، والرجل المسؤول لا يأبه، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون} ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول: (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري ومسلم. لماذا لا تغيِّر المنكر في بيتك؟

ليس من الأخلاق السامية السكوتُ عن المنكر، لذلك عندما قال رسول الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي، لأن الإنسان قد يظنُّ أن من الخلق الحسن أن يرى المنكر ويسكت عليه، فمن الأخلاق الحسنة إنكار المنكر على من تحب بأسلوب حسن، حتى لا تخسر من تحب يوم القيامة.

سادساً: جاء في مسند الإمام أحمد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْلَةً ـ وَقَالَ: مَرَّةً أُكْلَةً ـ فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يُطْعِمُهُ مِثْلَهَا مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ اكْتَسَى بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ ثَوْبًا فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَكْسُوهُ مِثْلَهُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ قَامَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ مَقَامَ سُمْعَةٍ فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَقُومُ بِهِ مَقَامَ سُمْعَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

يعني من أكل لقمة من الطعام بسبب وقوعه في غيبة أطعمه الله من نار جهنم مثلها، ومن أخذ ثوباً بسبب الغيبة ألبسه الله ثوباً مثله من نار جهنم.

وما أكثر من يذهب إلى زيد من الناس ويقول له: اجعل لنا فنجاناً من القهوة، أو هيئ لنا طعاماً أريد أن أحدثك بحديث، ويقع في الغيبة والعياذ بالله تعالى.

وهناك من يقوم برجل مقام سمعة ورياء فيصفه بالصلاح والتقوى والاستقامة ويجعل من ذلك وسيلة لتحصيل عرض من أعراض الدنيا، فهذا العبد يكذِّبه الله تعالى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.

أو هناك من يقوم بالتظاهر بالتقوى وبالصلاح أمام عظيم من عظماء الدنيا ليأكل من حطام الدنيا بدينه، حيث يتظاهر أمامه أنه من أهل التقوى ومن أهل الصلاح، وهذا العبد سيفضحه الله تعالى يوم القيامة إذا لم يتب إلى الله تعالى.

اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، واجعلنا يا ربنا من عبادك المخلِصين المخلَصين.

سابعاً: وجاء في المعجم الكبير للطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَكَلَ لَحْمَ أَخِيهِ فِي الدُّنْيَا، قُرِّبَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: كُلُّهُ حَيًّا كَمَا أَكَلْتَهُ مَيِّتًا، فَيَأْكُلُهُ، وَيَكْلَحُ وَيَصِيحُ). ومعنى يكلح: يعبس وجهه ويقطِّب جبينه ويصيح مستنجداً، ولكن لا مغيثَ له والعياذ بالله تعالى.

ثامناً: وجاء أيضاً في المعجم الكبير للطبراني عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ ذَكَرَ امْرَأً بِمَا لَيْسَ فِيهِ لِيَعِيبَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ حَبَسَهُ الله فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَأْتِيَ بنفَاذِ مَا قَالَ فِيهِ).

تاسعاً: روى أبو داود والبيهقي وأبو يعلى بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن ماعز بن مالك جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد زنيت، فأعرض عنه حتى قالها أربعاً، فلما كان في الخامسة قال: زنيت؟ قال: «نعم». قال: «وتدري ما الزنا»؟ قال: نعم، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً. قال: «ما تريد إلى هذا القول»؟ قال: أريد أن تطهرني. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدخلت ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة والعصا في الشيء»؟ قال: نعم يا رسول الله. قال : فأمر برجمه فرُجم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه: ألم تر إلى هذا، ستر الله عليه، فلم تَدَعْهُ نفسُه حتى رُجِمَ رَجْمَ الكلب ؟ فسار النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، ثم مرَّ بجيفة حمار، فقال: «أين فلان وفلان؟ انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار». قالا: غفر الله لك يا رسول الله وهل يؤكل هذا؟ قال: «فما نلتما من أخيكما آنفاً أشد أكلاً منه، والذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة ينغمس فيها».

مكانة الإنسان المؤمن عند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :

من خلال ما تقدَّم نعلم مكانة الإنسان المؤمن عند الله عز وجل وعند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤكِّد هذا، ما رواه ابن ماجه عن عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: (مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ الله حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلا خَيْرًا).

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

فالإنسان المسلم التقيُّ الصالح عند الله عز وجل أعظم حرمة من الكعبة المشرفة، فهل يسلم هذا المسلم من لسانك ويدك يا أيها المسلم، فقد جاء في صحيح البخاري عن جَابِر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)

فحافظ على صيامك وعبادتك بعدم ذكر عيوب الآخرين، ورحم الله الإمام الشافعي حيث قال:

لِسَانَكَ، لا تذكُرْ به عَوْرَةَ امِرئٍ *** فعندك عَوْرَاتٌ ولِلنَّاس أَلسُنُ

اللهم وفِّقنا لحفظ الفرج واللسان، وجنِّبنا المعاصي ما ظهر منها وما بطن، برحمة منك يا أرحم الراحمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2009-09-15
 30326
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 322 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 322
26-05-2022 693 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 693
26-05-2022 516 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 516
29-04-2022 386 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 386
29-04-2022 817 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 817
29-04-2022 920 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 920

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412790605
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :