108ـ نحو أسرة مسلمة:الأجور المترتبة على الزواج (5)

108ـ نحو أسرة مسلمة:الأجور المترتبة على الزواج (5)

.

نحو أسرة مسلمة

108ـ الأجور المترتبة على الزواج (5)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لا تَرْضَوْا لِأَنْفُسِكُمْ ولا لِأَبْنَائِكُم ولا لِبَنَاتِكُمُ العُنُوسَةَ، وَأَنْتُمْ تَقْرَؤُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾. نَعَمْ، لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في هذا الزَّوَاجِ الذي جَعَلَهُ اللهُ تعالى سَكَنَاً وَمَوَدَّةً وَرَحْمَةً.

أَلا تَرَوْنَ إلى الشَّابِّ والفَتَاةِ يَكُونَانِ في بَيْتِ وَالِدَيْهِمَا لا يُرِيدَانِ الخُرُوجَ مِنْهُ، فَإِذَا مَا تَزَوَّجَا، وَبَدَأَتِ الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ بالمَوَدَّةِ والرَّحْمَةِ، فَإِنَّهُمَا لا يُرِيدَانِ الرُّجُوعَ إلى بَيْتِ وَالِدَيْهِمَا إلا زِيَارَةً.

كَيْفَ يَعْزِفُ الشَّبَابُ والشَّابَّاتُ عَن الزَّوَاجِ، بَلْ كَيْفَ يَعْزِفُ الآبَاءُ والأُمَّهَاتُ عَن تَزْوِيجِ أَبْنَائِهِم وَبَنَاتِهِم، وَهُم يَعْلَمُونَ الأُجُورَ المُتَرِتَّبَةَ على الزَّوَاجِ؟

من هذهِ الأُجُورِ، أَجْرُ طَاعَةِ اللهِ تعالى في الزَّوَاجِ، وَأَجْرُ إِحْيَاءِ سُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَجْرُ الإِنْفَاقِ على الزَّوْجَةِ والوَلَدِ، وَأَجْرُ الإِعَانَةِ على طَاعَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَأَجْرُ تَرْبِيَةِ الأَوْلادِ، وَأَجْرُ مُعَاشَرَةِ الزَّوْجَةِ، وَأَجْرُ الدُّعَاءِ للوَالِدَيْنِ والاسْتِغْفَارِ لَهُمَا، وَأَجْرُ الصَّبْرِ على فَقْدِ الوَلَدِ بِمَوْتِهِ أَو بِمَرَضِهِ.

أَجْرُ فَقْدِ الزَّوْجَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: مَن امْتَثَلَ أَمْرَ اللهِ تعالى، وَأَمْرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الزَّوَاجِ، وَشَكَرَ اللهَ تعالى على نِعْمَةِ الزَّوَاجِ، نَالَ أَجْرَ الشَّاكِرِينَ عِنْدَ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورَاً﴾.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّ النِّعْمَةَ مَوْصُولَةٌ بالشُّكْرِ، والشُّكْرُ يَتَعَلَّقُ بالمَزِيدِ، وَهُمَا مَقْرُونَانِ في قَرْنٍ، فَلَنْ يَنْقَطِعَ المَزِيدُ من اللهِ، حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ من العَبْدِ.

وَيَقُولُ كَعْبُ الأَحْبَارِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَا أَنْعَمَ اللهُ على عَبْدٍ من نِعْمَةٍ في الدُّنْيَا فَشَكَرَهَا للهِ، وَتَوَاضَعَ بِهَا للهِ، إلا أَعْطَاهُ اللهُ نَفْعَهَا في الدُّنْيَا، وَرَفَعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةً في الآخِرَةِ؛ ومَا أَنْعَمَ اللهُ على عَبْدٍ نِعْمَةً في الدُّنْيَا، فَلَمْ يَشْكُرْهَا للهِ، وَلَمْ يَتَوَاضَعْ بِهَا، إلا مَنَعَهُ اللهُ نَفْعَهَا في الدُّنْيَا، وَفَتَحَ لَهُ طَبَقَاتٍ من النَّارِ، يُعَذِّبُهُ إِنْ شَاءَ، أَو يَتَجَاوَزُ عَنْهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: وَإِذَا جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الابْتِلاءُ بِفَقْدِ النِّعْمَةِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِـشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾.

وللحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الحاكم عَن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَن أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ) ثمَّ صَبَرَ الرَّجُلُ على فَقْدِ الزَّوْجَةِ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِأَجْرِ الصَّابِرِينَ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْـمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ».

أَجْرُ فَقْدِ الزَّوْجِ:

أيُّها الإخوة الكرام: وَكَذَلِكَ مَن امْتَثَلَ أَمْرَ اللهِ تعالى في الزَّوَاجِ من النِّسَاءِ، وَشَكَرَتِ اللهَ تعالى على نِعْمَةِ الزَّوَاجِ نَالَتْ أَجْرَ الشَّاكِرِينَ، وَإِذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهُوَ رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتِ الجَنَّةَ.

روى الترمذي عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ».

كَم من بَنَاتِنَا حُرِمَتْ هذهِ النِّعْمَةَ؟ من أَسْبَابِ دُخُولِ الجَنَّةِ طَاعَةُ المَرْأَةِ لِزَوْجِهَا في غَيرِ مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْـمَعْرُوفِ» رواه الشيخان عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. فَإِذَا حُرِمَتِ البِنْتُ نِعْمَةَ الزَّوَاجِ فَقَد فَقَدَتْ سَبَبَاً من أَسْبَابِ دُخُولِ الجَنَّةِ.

أيُّها الإخوة الكرام: إِذَا مَاتَتِ الزَّوْجَةُ، وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتِ الجَنَّةَ، وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَصَبَرَتِ الزَّوْجَةُ عَوَّضَهَا اللهُ تعالى خَيْرَاً.

روى الإمام مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾. اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرَاً مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرَاً مِنْهَا».

قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الْـمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وروى ابن ماجه عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهَا، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَفْزَعُ إِلَى مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ عِنْدَكَ احْتَسَبْتُ مُصِيبَتِي، فَأْجُرْنِي فِيهَا وَعَوِّضْنِي مِنْهَا، إِلَّا آجَرَهُ اللهُ عَلَيْهَا وَعَاضَهُ خَيْرَاً مِنْهَا».

قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ ذَكَرْتُ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ عِنْدَكَ احْتَسَبْتُ مُصِيبَتِي هَذِهِ، فَأْجُرْنِي عَلَيْهَا، فَإِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: وَعِضْنِي (أَي: وَعَوِّضْنِي) خَيْرَاً مِنْهَا، قُلْتُ فِي نَفْسِي: أُعَاضُ خَيْرَاً مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟

ثُمَّ قُلْتُهَا، فَعَاضَنِي (فَعَوَّضَنِي) اللهُ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَآجَرَنِي فِي مُصِيبَتِي.

أُمُّ المُؤْمِنِينَ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها:

أيُّها الإخوة الكرام: تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَقَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ: اللَّهُمَّ اخْلُفْنِي فِي أَهْلِي بِخَيْرٍ. فَأَخْلَفَهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على زَوجَتِهِ أُمَّ سَلَمَة، فَصَارَت أُماً لِلمُؤمِنِينَ. كَمَا قَالَ ابنُ عَبدِ البِرِّ.

روى الإمام أحمد عَن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَقُلْ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، عِنْدَكَ احْتَسَبْتُ مُصِيبَتِي، وَأْجُرْنِي فِيهَا، وَأَبْدِلْنِي مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا».

فَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: اللَّهُمَّ اخْلُفْنِي فِي أَهْلِي بِخَيْرٍ.

وروى الإمام أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: أَتَانِي أَبُو سَلَمَةَ يَوْمَاً مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَوْلَاً فَسُرِرْتُ بِهِ.

قَالَ: «لَا تُصِيبُ أَحَدَاً مِن الْـمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ فَيَسْتَرْجِعَ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَاخْلُفْ لِي خَيْرَاً مِنْهَا، إِلَّا فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ».

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَحَفِظْتُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ اسْتَرْجَعْتُ وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَاخْلُفْنِي خَيْرَاً مِنْهُ.

ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ لِي خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟

فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي، اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَدْبُغُ إِهَابَاً لِي، فَغَسَلْتُ يَدَيَّ مِن الْقَرَظِ (شَجَرَةٌ وَرَقُهَا هُوَ القَرَظُ الذي يُدْبَغُ بِهِ الأَدَمُ) وَأَذِنْتُ لَهُ، فَوَضَعْتُ لَهُ وِسَادَةَ أَدَمٍ (وِسَادَةُ جِلْدٍ) حَشْوُهَا لِيفٌ، فَقَعَدَ عَلَيْهَا، فَخَطَبَنِي إِلَى نَفْسِي (يعني خطبها بنفسه).

فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَقَالَتِهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا بِي أَنْ لَا تَكُونَ بِكَ الرَّغْبَةُ فِيَّ، وَلَكِنِّي امْرَأَةٌ فِيَّ غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَخَافُ أَنْ تَرَى مِنِّي شَيْئَاً يُعَذِّبُنِي اللهُ بِهِ، وَأَنَا امْرَأَةٌ دَخَلْتُ فِي السِّنِّ، وَأَنَا ذَاتُ عِيَالٍ.

فَقَالَ: «أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِن الْغَيْرَةِ فَسَوْفَ يُذْهِبُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِن السِّنِّ فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِن الْعِيَالِ، فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي».

قَالَتْ: فَقَدْ سَلَّمْتُ لِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها: فَقَدْ أَبْدَلَنِي اللهُ بِأَبِي سَلَمَةَ خَيْرَاً مِنْهُ، رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: الزَّوَاجُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ من نِعَمِ اللهِ تعالى على العَبْدِ، فلا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُم مِنْهَا، ولا تَحْرِمُوا أَبْنَاءَكُم ولا بَنَاتِكُمْ مِنْهَا، فَهِيَ نِعْمَةٌ تَتَضَمَّنُ نِعَمَاً لا تُعَدُّ ولا تُحْـصَى، وَتَعَجَّلُوا في ذَلِكَ، فلا يَدْرِي العَبْدُ مَتَى يَنْتَهِي أَجَلُهُ، وَمَا وُجِدَ العُبْدُ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا إلا لِيَرْبَحَ من الطَّاعَاتِ والقُرُبَاتِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَرْبَحَ.

اللَّهُمَّ هَيِّئْ لِشَبَابِنَا وَشَابَّاتِنَا أَسْبَابَ سَعَادَةِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**      **      **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 2/ ربيع الأول /1437هـ، الموافق: 13/ كانون الأول / 2015م

 2015-12-14
 935
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4056 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4056
21-01-2018 4885 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 4885
14-01-2018 3501 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3501
08-01-2018 4099 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4099
31-12-2017 4106 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4106
24-12-2017 3884 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 3884

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412023883
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :