144ـ مع الحبيب المصطفى: «الْتَقَى مُؤْمِنَانِ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ»

144ـ مع الحبيب المصطفى: «الْتَقَى مُؤْمِنَانِ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

144ـ «الْتَقَى مُؤْمِنَانِ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من طَبِيعَةِ الإنسانِ أن يَمِيلَ إلى المَالِ، وأن يَستَكثِرَ مِنهُ، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾. وقال تعالى: ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبَّاً جَمَّاً﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: المَالُ بِحَدِّ ذَاتِهِ نِعمَةٌ من نِعَمِ اللهِ تعالى أسبَغَهَا على خَلْقِهِ، فالسَّعِيدُ من اكتَسَبَهُ عن طَرِيقِ الحَلالِ، وصَرَفَهُ فِيما يُوجِبُ رِضَا الكَبِيرِ المُتَعَالِ، والشَّقِيُّ من اكتَسَبَهُ عن طَرِيقٍ غَيرِ مَشرُوعٍ، وصَرَفَهُ فِيما يُوجِبُ سَخَطَ العَزِيزِ الجَبَّارِ.

﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: الإنسانُ يَحرِصُ عَلَى المَالِ حِرصاً شَديداً ظَنَّاً مِنهُ أنَّهُ نَافِعٌ لَهُ، وهوَ في الحَقِيقَةِ هكذا، فهوَ نَافِعٌ في الدُّنيا والآخِرَةِ كما قَرَّرَ ذلكَ النَّاصِحُونَ من أهلِ العَقلِ، حَيثُ نَصَحُوا قَارونَ الذي آتاهُ اللهُ تعالى من المَالِ، بِحَيثُ مَفَاتِحُهُ التي هيَ مَفَاتِيحُ المَخَازِنِ ﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ قالوا لَهُ لمَّا خَرَجَ مُتَبَختِراً مُتَزَيِّناً مُفتَخِراً بهذا المَالِ: ﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.

المَالُ نَافِعٌ في الدُّنيا، لأنَّ بِهِ صَلاحَ الإنسانِ، فالعَاقِلُ يَأخُذُ مِنهُ بِقَدْرِ ما ينفَعُهُ في الحَيَاةِ الدُّنيا، والبَاقِي يُحَوِّلُهُ إلى الآخِرَةِ، هذا إذا كَانَ من طرِيقٍ مَشرُوعٍ حَلالٍ.

«إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّباً»:

أيُّها الإخوة الكرام: طَلَبُ الحَلالِ وَاجِبٌ شَرعِيٌّ على كُلِّ مُسلِمٍ ومُسلِمَةٍ، ولقد صَارَ الأمرُ اليَومَ عَصِيَّاً على العُقُولِ فَهمُهُ، وثَقِيلاً على الجَوَارِحِ فِعلُهُ، بِسَبَبِ قِلَّةِ التَّفَقُّهِ في الدِّينِ، وبِسَبَبِ كَثرَةِ الجُرأَةِ على الحَرَامِ، حتَّى لُبِّسَ على كَثِيرٍ من العَوَامِّ الحَلالُ، فَظَنُّوا أنَّ الحَلالَ صَارَ مَفقُوداً، والوُصُولَ إلَيهِ مُستَحِيلاً، ولم يَبقَ إلا الحَرَامُ، مَعَ أنَّ سَيِّدَنا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِن النَّاسِ، فَمَن اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، أَلَا إِنَّ حِمَى اللهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» رواه الإمام البخاري عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

بل بَيَّنَ سَيِّدُنا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّ اللهَ تعالى طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إلا طَيِّباً، وأنَّ لُقمَةَ الحَرَامِ تَكُونُ حِجَاباً بَينَ العَبدِ ورَبِّهِ في استِجَابَةِ الدُّعَاءِ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِن الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.

وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾.

ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

«الْتَقَى مُؤْمِنَانِ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ»:

أيُّها الإخوة الكرام: السَّعِيدُ حَقَّاً من جَمَعَ المَالَ من حِلِّهِ، وَوَضَعَهُ في حِلِّهِ، وإلا فهوَ من أشقَى خَلْقِ اللهِ تعالى، وليَسمَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا هذا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ من سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْتَقَى مُؤْمِنَانِ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، مُؤْمِنٌ غَنِيٌّ، وَمُؤْمِنٌ فَقِيرٌ، كَانَا فِي الدُّنْيَا، فَأُدْخِلَ الْفَقِيرُ الْجَنَّةَ، وَحُبِسَ الْغَنِيُّ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُحْبَسَ، ثُمَّ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ.

فَلَقِيَهُ الْفَقِيرُ فَيَقُولُ: أَيْ أَخِي، مَاذَا حَبَسَكَ، واللهِ لَقَد احْتُبِسْتَ حَتَّى خِفْتُ عَلَيْكَ؟

فَيَقُولُ: أَيْ أَخِي، إِنِّي حُبِسْتُ بَعْدَكَ مَحْبِساً فَظِيعاً كَرِيهاً، وَمَا وَصَلْتُ إِلَيْكَ حَتَّى سَالَ مِنِّي الْعَرَقُ مَا لَوْ وَرَدَهُ أَلْفُ بَعِيرٍ كُلُّهَا آكِلَةُ حَمْضٍ لَصَدَرَتْ عَنْهُ رِوَاءً». البَعِيرُ إذا أكَلَ حَمضََ النَّباتِ لا يَروِيهِ قَلِيلُ المَاءِ.

أيُّها الإخوة الكرام: هذا عَبدٌ غَنِيٌّ جَمَعَ المَالَ من حِلِّهِ، وَوَضَعَهُ في حِلِّهِ، ولكِنَّهُ أُوقِفَ للحِسَابِ، وذلكَ تَحقِيقَاً لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ. فَكَيفَ بِمَن جَمَعَ المَالَ من غَيرِ حِلِّهِ، وَوَضَعَهُ في غَيرِ حِلِّهِ؟

«فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي»:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَكُنِ حَرِيصِينَ على لُقمَةِ الحَلالِ في زَمَنٍ اجتَرَأَ فِيهِ الكَثِيرُ من النَّاسِ على الحَرَامِ والعِياذُ باللهِ تعالى، واحذَروا من غِوَايَةِ شَيَاطِينِ الإنسِ والجِنِّ، وتَذَكَّروا قَولَ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي، فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا».

أيُّها الإخوة الكرام: ألا يَظُنُّ آكِلُ الحَرَامِ ـ بأيِّ صُورَةٍ من صُوَرِ الحَرَامِ ـ أنَّهُ مَبعُوثٌ لِيَومٍ عَظِيمٍ، قال تعالى فِيهِ: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾؟ فما هوَ قَائِلٌ لِرَبِّ العَالَمِينَ القَائِلِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾؟

﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: يا مَن نَقُولُ جَمِيعاً بأنَّ المَوتَ حَقٌّ، وأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وأنَّ النَّارَ حَقٌّ، يا مَن نَقُولُ صَباحَاً ومَساءً: رَضِينا باللهِ تعالى رَبَّاً، وبالإسلامِ دِيناً، وبِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً رَسُولاً، يا مَن نَقُولُ: نُحِبُّ السَّلَفَ، ونُرِيدُ أن نَكُونَ كالسَّلَفِ الصَّالِحِ، لأنَّ اللهَ تعالى قالَ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. لِنَسمَعْ إلى سِيرَةِ السَّلَفِ في مَسألَةِ لُقمَةِ الحَلالِ:

أولاً: فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ:

هذا سَيِّدُنا أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ، كما تَروِي السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ ـ يَعني: يَأتِيهِ بما يَكسِبُهُ، والخَرَاجُ ما يُقَرُِّهُ السَّيِّدُ على عَبدِهِ من مَالٍ يُحضِرُهُ لَهُ من كَسبِهِ ـ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْماً بِشَيْءٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ.

فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟

قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ ـ الكَاهِنُ من يُخبِرُ بما سَيَكُونُ من غَيرِ دَلِيلٍ شَرعِيٍّ ـ إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ.

فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ. رواه الإمام البخاري.

وفي رِوَايَةٍ: فَأدخَلَ أَصَابِعَهُ في فِيهِ وجَعَلَ يَقِيءُ حتَّى ظَنَنتُ أنَّ نَفْسَهُ سَتَخرُجُ.

ثمَّ قال: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعتَذِرُ إِلَيكَ مِمَّا حَمَلَتِ العُرُوقُ، وخَالَطَ الأمعَاءَ. من كِتابِ إحياءِ عُلُومِ الدِّينِ.

ثانياً: من أَينَ هذا اللَّبَنُ؟

وهذا سَيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ، شَرِبَ لَبَنَاً فَأَعجَبَهُ، فَسَأَلَ الذي سَقَاهُ: من أَينَ هذا اللَّبَنُ؟

فَأَخبَرَهُ أَنَّهُ قد وَرَدَ على مَاءٍ ـ قَد سَمَّاهُ ـ فإذا نَعَمٌ من نَعَمِ الصَّدَقَةِ، وهُم يَسقُونَ، فَحَلَبُوا من أَلبَانِهَا، فَجَعَلتُهُ في سِقَائِي، فهوَ هذا اللَّبَنُ، فَأَدخَلَ عُمَرُ يَدَهُ، فَاستَقَاءَ» أخرجه الموطأ كما في جَامِعِ الأُصُولِ.

ثالثاً: «خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي»:

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَاراً لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ.

فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الْأَرْضَ، وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ.

وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ.

فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟

قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلَامٌ.

وَقَالَ الْآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ.

قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ».

وفي رِوَايَةِ الإمام مسلم قال: «أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِكُمَا مِنْهُ، وَتَصَدَّقَا».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: عَلَيَّ وعَلَيكُم بالحَلالِ، وإيَّايَ وإيِّاكُم والحَرَامَ، ولنَسمَعْ إلى هذهِ الوَصَايا التي تُكتَبُ بِمَاءٍ من ذَهَبٍ عِندَ كُلِّ عَاقِلٍ:

أولاً: وَصِيَّةُ سَيِّدِنا عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما: لَو صَلَّيتُم حتَّى تَكُونُوا كالحَنَايَا ـ الحَنِيَّةُ: القَوسُ، جَمعُها حَنَايا، والمَعنَى:  حتَّى تَحدُبُوا وتَنحَنُوا ـ وصُمتُم حتَّى تَكُونُوا كالأوتَارِ ـ في الدِّقَّةِ من الهُزالِ ـ لم يُقبَلْ ذلكَ مِنكُم إلا بِوَرَعٍ حَاجِزٍ.

ثانياً: وَصِيَّةُ سَيِّدِنا يَحيى بنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: الطَّاعَةُ خِزَانَةٌ من خَزَائِنِ اللهِ، إلا أنَّ مِفتَاحَهَا الدُّعَاءُ، وأسنَانُهَا لُقَمُ الحَلالِ.

ثالثاً: وَصِيَّةُ سَيِّدِنا سَهلِ التَّستُرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: لا يَبلُغُ العَبدُ حَقِيقَةَ الإيمانِ حتَّى يَكُونَ فِيهِ أَربَعُ خِصَالٍ: أَدَاءُ الفَرَائِضِ بالسُّنَّةِ، وأَكْلُ الحَلالِ بالوَرَعِ، واجتِنَابُ النَّهْيِ من الظَّاهِرِ والبَاطِنِ، والصَّبْرُ على ذلكَ إلى المَوتِ.

أيُّها الإخوة الكرام: من أَكَلَ الحَرَامَ عَصَتْ جَوَارِحُهُ رَبَّهُ عزَّ وجلَّ شَاءَ أم أبَى، عَلِمَ أو لم يَعلَمْ، قَصَدَ أو لم يَقصِدْ، ومن أَكَلَ الحَلالَ وهوَ مُؤمِنٌ أَطَاعَتْهُ جَوَارِحُهُ في طَاعَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وعَصَتْ عَلَيهِ في مَعصِيَةِ اللهِ تعالى، وَوُفِّقَ للخَيرَاتِ والمَبَرَّاتِ.

اللَّهُمَّ أغنِنَا بِحَلالِكَ عن حَرَامِكَ، وبِطَاعَتِكَ عن مَعصِيَتِكَ، وبَفَضْلِكَ عمَّن سِوَاكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 25/شعبان/1435هـ، الموافق: 23/حزيران/ 2014م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2336 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2336
20-06-2019 1386 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1386
28-04-2019 1169 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1169
28-04-2019 1181 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1181
21-03-2019 1764 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1764
13-03-2019 1629 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1629

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412639539
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :