أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

4150 - حكم دفع زكاة المال لمشروع إنساني

14-08-2011 27872 مشاهدة
 السؤال :
يقوم بعض الإخوة من أصحاب الخير بجمع تبرُّعات لشراء جهاز لمعالجة مرضى السرطان بالأشعة، فهل يجوز دفع زكاة المال من أجل هذا المشروع الإنساني؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 4150
 2011-08-14

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الزكاة التي فرضها الله تعالى على الأغنياء خصها الله تعالى بأصناف ثمانية بأداة حصر وقصر وهي (إنما) التي تثبت المذكور وتنفي ما عداه، فقال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} [التوبة: 60].

وأخرج الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (فأعلِمهم أنَّ الله افترض عليهم زكاةً تُؤخذ من أغنيائهم وتُردُّ على فقرائهم).

فلا يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكروا في الآية الكريمة، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم للذي جاء يسأله عن الصدقة: (إنَّ الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك) أخرجه أبو داود.

وإلى هذا ذهب عامة أهل العلم، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة المتبوعة، لأنَّ الزكاة شرعت لسدِّ حاجة هذه الأصناف الثمانية من المسلمين، وليتحقق بذلك التكافل الاجتماعي لدى المسلمين، ويعيش الجميع في كرامة وعزة، وصرفُها لغير هذه المصارف، كمثل هذا المشروع، لا تحقق هذه الغاية الشرعية.

وقد يحتج من يرى جواز صرف الزكاة في المصالح العامة، ومنها هذا المشروع الخيري، بقوله تعالى في مصارف الزكاة: {وَفِي سَبِيلِ اللّهِ} [التوبة: 60]، وهذا الاحتجاج لا يصح، لأمور عدة:

أولاً: أن سبيل الله تعالى إذا ذكر في القرآن الكريم لا يراد به إلا الجهاد، قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: سُبُل الله كثيرة، ولكني لا أعلم خلافاً في أنَّ المراد بسبيل الله هنا: الغزو. وقال القاضي عبد الوهاب المالكي: إن كل موضع ذكر فيه >سبيل الله< فالمراد به الغزو والجهاد، فكذلك هاهنا.

ثانياً: أنَّ المصارف المذكورة في الآية هي في أمس الحاجة إلى الزكاة، وخاصة في عصرنا هذا، حيث نرى دائرة الفقر تتسع في المجتمع، والكثير من الأغنياء لا يؤدون زكاة أموالهم، فإذا صرفت الزكاة إلى غير هذه الأصناف بقي المستحقون من المسلمين في حاجاتهم، وبذلك تنتفي علة التشريع.

ثالثاً: الفتوى بخلاف هذا خروج على قول عامة أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة، وهذا لا يجوز.

وبناء على ما تقدم:

1ـ لا يجوز دفع الزكاة لشراء جهاز الأشعة من أجل معالجة مرضى السرطان، لأنه لا تمليك فيه للفقير.

2ـ ومن دفع زكاة ماله لمثل هذا المشروع لم تسقط عنه الزكاة، ويجب عليه أن يعيد إخراجها إلى أصنافها الذين ذكرهم الله تعالى. ومن دفع سابقاً لهذا المشروع من مال الزكاة بناء على فتوى بعض العلماء فنرجو الله تعالى أن تسقط عنه، والأولى في حقِّه إعادة إخراجها حتى تبرأ ذمته بيقين، أما من دفعها بدون سؤال فإنه يجب عليه إعادتها.

3ـ الواجب على طلاب العلم والعلماء عوضاً عن الفتوى التي تخالف ما عليه جمهور الفقهاء، من جواز دفع الزكوات إلى مثل هذا المشروع، أن يوجِّهوا الأغنياء إلى الصدقات، وأنها في الأجر لا تقل عن الفرض، بل ورد في الحديث القدسي: >وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه< رواه البخاري. فالصدقات سبب عظيم من أسباب محبة الله تعالى لعبده إذا أكثر من النوافل، والتي من جملتها الصدقات، وأنا واثق بأن الخير في هذه الأمة باق، ولكن علينا أن نحرك فيهم الوازع الإيماني، ونقول لهم: إن من دفع 2.5 ٪ للفقراء فليدفع مثلها للجهات الخيرية الثانية، والتي منها هذا المشروع.

يا أيها الغني أعطاك الله الكثير، وطلب منك القليل، أعطاك على سبيل المثال مئة ألف ليرة، فدفعت منها ألفين وخمسمائة زكاة، فما الذي يضرك لو دفعت مثلها صدقة جارية لمثل هذا المشروع الخيري الإنساني؟ فيكون مجموع ما دفعت لله تعالى خمسة آلاف ليرة سورية، ويبقى لك خمس وتسعون ألف ليرة، وقد وعدك الله بالخلف بعد العطاء وهو لا يُخْلِف الميعاد، وأنت على يقين من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (ثلاثة أقسم عليهنَّ، وأُحدثكم حديثاً فاحفظوه، قال: ما نَقَصَ مالُ عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر) رواه الترمذي. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
27872 مشاهدة