أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

740 - ما هي ثمرات الإيمان؟

29-12-2007 59449 مشاهدة
 السؤال :
ما هي ثمرات الإيمان التي تظهر آثارها على جوارح العبد المؤمن؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 740
 2007-12-29

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

الثمرة الأولى: إن الإنسان يسمو بنور الإيمان إلى أعلى عليين فيكتسب بذلك قيمة تجعله لائقاً بالجنة، بينما يتردى بظلمة الكفر أسفل سافلين فيكون في وضع يؤهله لنار جهنم، ذلك لأن الإيمان يربط الإنسان بصانعه الجليل، ويربطه بوثاق شديد ونسبةٍ إليه، فالإيمان إنما هو انتساب، لذا يكتسب الإنسان بالإيمان قيمة سامية من حيث تجلي الصفات الإلهية فيه، وظهور آثار الأسماء الربانية على صفحة وجوده، أما الكفر فيقطع تلك النسبة وذلك الانتساب، وتغشي ظلمتُه الصنعةَ الربانيةَ وتطمس على معالمها، فتنقص قيمةَ الإنسان حيث تنحصر في مادته فحسب، وقيمة المادة لا يعتد بها فهي حكم المعدوم، لكونها فانية، زائلة، وحياتها حياة حيوانية مؤقتة. والله تعالى يقول: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }. ويقول: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}. الثمرة

الثانية: كما أن الإيمان نور يضيء الإنسان وينوره، وكذلك فهو ينور ما حوله بالهداية والدلالة على الله، ويكون نبراساً لأهل عصره، يقول الله تعالى: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. ويقول أيضاً: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. أما الكفر فيظلم وجه الإنسان، ويظلم ما حوله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

الثمرة الثالثة: كما أن الإيمان نور هو قوة أيضاً. فالإنسان الذي يظفر بالإيمان الحقيقي يستطيع أن يتحدى الكائنات ويتخلص من ضيق الحوادث، مستنداً إلى قوة إيمانه، فيبحر متفرجاً على سفينة الحياة في خضم أمواج الأحداث العاتية بكمال الأمان والسلام قائلاً: توكلت على الله، ويسلم أعباءه الثقيلة أمانة إلى يد القدرة للقدير المطلق، ويقطع بذلك سبيل الدنيا مطمئن البال في سهولة وراحة حتى يصل إلى البرزخ ويستريح، ومن ثم يستطيع أن يرتفع طائراً إلى الجنة للدخول إلى السعادة الأبدية. يقول تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }. أما إذا حُرم الإنسانُ الإيمان فإنه يحرم التوكل فلا يستطيع التحليق والطيران إلى حياة طيبة في الدنيا ولا إلى الجنة فحسب بل سيجذبه الكفر إلى أسفل سافلين ويعيش حياة الشقاء والضنك. {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}. فالإيمان يقتضي التوحيد، والتوحيد يقود إلى التسليم، والتسليم يحقق التوكل، والتوكل يسهل الطريق إلى سعادة الدارين. ولا تظنن أن التوكل هو رفض الأسباب وردُّها كلياً، وإنما هو عبارة عن العلم بأن الأسباب هي خادمة لقدر الله، وليس القدر خادماً لها ، ينبغي رعايتها ومداراتها، وهي نوع من الدعاء الفعلي، ولا يجوز الاعتماد عليها لأن الاعتماد عليها شرك.

الثمرة الرابعة: إن الإيمان يجعل الإنسان إنساناً حقاً، بل يجعله سلطاناً، لذا كانت وظيفته الأساسية: الإيمان بالله تعالى والدعاء إليه، بينما الكفر يجعل الإنسان حيواناً مفترساً في غاية العجز.

الثمرة الخامسة: كما أن الإيمان يقتضي الدعاء ويتخذه وسيلة قاطعة ووساطة بين المؤمن وربه، فإن الله سبحانه وتعالى أيضاً يدعو الإنسان إلى أن يدعوه بقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}. وبقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}. ولعلك تقول: إننا كثيراً ما ندعو فلا يستجاب لنا رغم أن الآية عامة تصرح بأن كل دعاء مستجاب. الجواب: إن استجابة الدعاء شيء، وقبوله شيء آخر، فكل دعاء مستجاب، إلا أن قبوله وتنفيذ المطلوب نفسه منوط بحكمة الله سبحانه. فمثلاً: يستصرخ مريضٌ الطبيبَ قائلاً: (أكشف علي، عالجني، أعطني الدواء). فيقول الطبيب: أمرك. فيقول المريض: أعطني هذا الدواء. فالطبيب حينذاك إما أن يعطيه الدواء نفسه، أو يعطيه دواءً أكثر نفعاً وأفضل له، أو يمنع عنه العلاج نهائياً. وذلك حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة. وكذلك الحق تبارك وتعالى وله المثل الأعلى، فلأنه حكيم مطلق ورقيب حسيب في كل آن، فهو سبحانه يستجيب دعاء العبد، وباستجابته يزيل وحشته القاتمة وغربته الرهيبة، مبدلاً إياها أملاً وأنساً واطمئناناً. وهو سبحانه إما أن يقبل مطلب العبد ويستجيب له مباشرةً بالدعاء نفسه، أو يمنحه أفضل منه، أو يرده، وذلك حسب اقتضاء الحكمة الربانية، لا حسب أهواء العبد المتحكمة وأمانيه الفاسدة. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
59449 مشاهدة