أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

671 - حكم المزاح وهل يليق بالمسلم؟

08-12-2007 9996 مشاهدة
 السؤال :
إني رجل أحب المزاح وأكثر منه، فلامني بعض الناس على المزاح. وزجرني وقال: هذا لا يليق بالإنسان المسلم، فجرح بذلك قلبي وإني أحب أن أعرف الحكم الشرعي في المزاح، وهل مزح النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة أم لا؟ وأرجو أن تعطينا أمثلة عن مزاح النبي صلى الله عليه وسلم؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 671
 2007-12-08

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلا بأس بالمزاح إذا راعى المازح فيه الحق، وتحرى الصدق فيما يقول أثناء المزاح، وتحاشى القول الفاحش، وكان مزاحه قليلاً، وكان يقول بعض الصالحين: المزاح يجب أن يكون كالملح للطعام. لأن كثرة المزاح قد تستجلب الضغائن وإفساد الإخاء، وقالوا: لكل شيء بدء، وبدء العداوة المزاح. ويقول سعيد بن العاص: لا تمازح الشريف فيحقد، ولا الدنيء فيجترئ عليك. كل هذا يحصل إذا كان المزاح كثيراً، والإفراط فيه يورث كثرة الضحك، وكثرة الضحك تميت القلب، وتورث الضغينة في بعض الأحوال، وتسقط المهابة والوقار، أما إذا خلا المزاح عن الكذب والإفراط وجرح مشاعر الناس فلا حرج فيه. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح أصحابه رضي الله عنهم في بعض الأحيان ولا يقول إلا حقاً، فكان النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى، وقدوة حسنة في ضحكه ومزاحه، فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهواتِه، إنما كان يبتسم» . قالت : وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف في وجهه، فقلت : يا رسول الله، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهة، قال : «يا عائشة وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد أتى قوماً بالعذاب» وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : {فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم}. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة. (مستجمعاً ضاحكاً: مبالغاً في الضحك لم يترك منه شيئاً. لهواته: جمع لهاة، وهي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم). فكان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، وكان يحث الصحابة على الترويح عن أنفسهم فيقول: «روِّحوا القلوب ساعةً وساعةً..». رواه الديلمي عن أنس. وقال لحنظلة: «ولكن يا حنظلة ساعة وساعة..» رواه مسلم. وربما مزح مع أصحابه ليعلمهم جواز ذلك، فعلى سبيل المثال:

1.ً عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إني حاملك على ولد الناقة»، فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وهل تلد الإبلَ إلا النوق» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

2.ً ومن مزاحه صلى الله عليه وسلم: أنه كان رجل من أهل البادية دميمٌ اسمه زاهر، وكان حبيباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه يوماً من خلفه وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه، فقال الرجل: أرسلني، من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه. وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث في زاهر عزة الإيمان، ويستلَّ من نفسه الشعور بالدمامة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من يشتري العبد»؟ فقال: يا رسول الله، إذن واللهِ تجدني كاسداً! فقال صلى الله عليه وسلم: «ولكن عند الله لست بكاسد»، أو قال: «لكن عند الله أنت غالٍ» رواه أحمد، وذلك ليعلِّمه ويعلِّم الأمة أن الناس إنما يتفاضلون بالتقوى، وأن الله لا ينظر إلى أجسامهم وصورهم، ولكن ينظر إلى قلوبهم وأعمالهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم.

 .3ً ومن مزاحه صلى الله عليه وسلم ما رواه أبو داود: أن أبا بكر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع عائشة قد رفعت صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهمَّ أبو بكر أن يلطمها، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحجزه، فخرج أبو بكر مغضباً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: «كيف رأيتني، أنقذتك من الرجل؟!» ثم دخل أبو بكر عليهما بعد أيام فوجدهما قد اصطلحا، فقال: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال صلى الله عليه وسلم: «قد فعلنا، قد فعلنا

». 4.ً ومن دعابته وملاطفته لأهله ما رواه أحمد عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدُنْ، فقال للناس: «تقدموا»، فتقدموا، ثم قال لي: «تعالي حتى أسابقك»، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدُنتُ ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس: «تقدموا»، ثم قال: «تعالي حتى أسابقك»، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: «هذه بتلك».

5.ً ومن مزاحه صلى الله عليه وسلم أيضاً ما رواه الترمذي في الشمال عن الحسن قال: أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: «يا أم فلان، إن الجنة لا تدخلها عجوز»، فولت تبكي، فقال: «أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: {إنا أنشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكاراً}». هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، ويمزح لمداواة النفوس وتطييبها، ولتعليم أصحابه وتربيتهم وترسيخ مبادئ الإسلام وسماحته في نفوسهم. وبناء على ذلك: فالمزاح لا حرج فيه شرعاً بشروط:

1. أن يكون مجرداً عن الكذب.

2. أن يكون قليلاً لا إفراط فيه كالملح للطعام.

3. أن يكون غير جارح لشعور إنسان. وعلى كل حال قلة المزاح تكسو الإنسان مهابة، وكثرة المزاح تسقطها، والكمال يكون في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم .هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
9996 مشاهدة