أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6576 - جئتكم بالذبح

12-11-2014 7642 مشاهدة
 السؤال :
هل صحيح بأن سَيِّدَنا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال لقومه: «جئتكم بالذبح»؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6576
 2014-11-12

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد روى الإمام أحمد عن عُروَةَ بنَ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: مَا أَكْثَرَ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشاً أَصَابَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ فِيمَا كَانَتْ تُظْهِرُ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟

قَالَ: حَضَرْتُهُمْ وَقَد اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْماً فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ، سَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ ـ أَوْ كَمَا قَالُوا ـ.

قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفاً بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ مَا يَقُولُ.

قَالَ: فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمُ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا.

فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى، ثُمَّ مَرَّ بِهِمُ الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا.

فَقَالَ: «تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ».

فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا كَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ، حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ مِن الْقَوْلِ، ـ أي يُسكِنهُ، ويَرفُق بِهِ، ويَدعُو لهُ ـ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، انْصَرِفْ رَاشِداً، فواللهِ مَا كُنْتَ جَهُولاً.

قَالَ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ، وَأَنَا مَعَهُمْ.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ.

فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ.

قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ».

قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ دُونَهُ يَقُولُ وَهُوَ يَبْكِي: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ؟﴾.

ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَأَشَدُّ مَا رَأَيْتُ قُرَيْشاً بَلَغَتْ مِنْهُ قَطُّ.

فالحَدِيثُ صَحِيحٌ، ولكن يَجِبُ فَهْمُهُ في ضَوْءِ وُرُودِهِ، فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ بالكَعبَةِ، وسَخِرَ مِنهُ أَهلُ مَكَّةَ، وآذَوهُ، وهوَ صَابِرٌ على أَذَاهُم، فَلَمَّا هَمُّوا بِمَنْعِهِ أَخبَرَهُم بأَنَّ شَأنَهُ سَوفَ يَعلُو، وأَنَّهُ سَيَنتَصِرُ، وأَنَّ دِينَهُ سَيَعلُو ويَتَمَكَّنُ مِنهُم.

ولَيسَ المُرَادُ بالذَّبْحِ المَعنَى الحَقِيقِيُّ، لأنَّ سَيِّدَنا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرسَلَهُ اللهُ تَبارَكَ وتعالى رَحمَةً للعَالَمِينَ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. وقد بَيَّنَ ذلكَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هذا بِقَولِهِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحمَةٌ مُهْدَاةٌ» رواه الحاكم عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

نَعَم، لَقَد قَالَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ». ولكن كَيفَ عَامَلَهُم؟

عِندَمَا فَتَحَ مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ، وجَمَعَ أَهلَهَا، قَالَ لَهُم: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟

قَالُوا: خَيْراً، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ.

قَالَ: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطّلَقَاءُ» رواه البيهقي عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

فَلَو كَانَ الذَّبْحُ غَايَتَهُ، فَمَا الذي مَنَعَهُ من ذَبْحِهِم؟

نَعَم، لَقَد قَالَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ». ولكن مَا كَانَ هَدَفُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِرَاقَةَ الدِّمَاءِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَسَرَ رِجَالاً من قُرَيشٍ، وكَانُوا يُحَارِبُونَهُ، فَمَا قَتَلَ وَاحِدَاً مِنهُم.

وبناء على ذلك:

فالحَدِيثُ صَحِيحٌ، ولكن كَمَا يَقُولُ عُلَمَاءُ الحَدِيثِ: كَانَ وَاقِعَةَ حَالٍ، ولم يَكُنْ هَدَفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَبْحَ النَّاسِ، بل جَاءَ رَحمَةً من اللهِ تعالى، وسِيرَتُهُ العَطِرَةُ تُثبِتُ ذلكَ.

فَمَا ثَبَتَ في سِيرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَتَلَ أَحَدَاً، إلا وَاحِدَاً من المُشرِكِينَ.

وكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرَكِّزُعلى أَصحَابِهِ عِندَمَا يُرسِلُهُم للجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ بِقَولِهِ: «انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللهِ، وباللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ، وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخاً فَانِياً، وَلَا طِفْلاً، وَلَا صَغِيراً، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» رواه أبو داود عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

 

بل كَانَ يُعَنِّفُ على أَصحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم إذا قَتَلُوا رَجُلاً من المُشرِكِينَ في سَاحَةِ القِتَالِ إذا نَطَقَ بالشَّهَادَتَينِ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلُ: «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. فَجَزَاهُ اللهُ تعالى عن الأُمَّةِ خَيرَ الجَزَاءِ، فَهُوَ نَبِيٌّ كُلُّهُ رَحمَةٌ. بِأَبِي هوَ وأُمِّي ورُوحِي. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
7642 مشاهدة