أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

1702 - قتل المرأة بدافع الشرف

29-01-2009 33285 مشاهدة
 السؤال :
قرأت في موضوع الغيرة كالتالي: عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح (أي بحد السيف لا بعرضه) فقال عليه الصلاة والسلام: أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه، والله أغير مني. وفي رواية: أن سعد بن عبادة قال حين نزلت الآية: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} [النور: 4] قال: أهكذا أنزلت؟ فوالله لا آتي بأربعة شهداء حتى يقضي حاجته، فقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ قالوا: يا رسول الله فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا عذراء، ولا طلق امرأة فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد: والله يا رسول الله وإني لأعلم أنها حق، وأنها من عند الله ولكني عجبت. السؤال هو هل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أقر سعد بن عبادة على قتل من رآه يجامع زوجته بدون أن يأتي بأربعة شهداء؟؟ يعني لو أن أحداً علم أن أخته أو أحد أقربائه المقربين جداً منه علم أنها زنت فقتلها غيرة على شرفه وعرضه هل هذا جائز؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 1702
 2009-01-29

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا الحديث الشريف كان بعد نزول قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء}. وظاهر الآية يتناول الأزواج وغيرهم، يعني: إذا قذف الرجل زوجته ولم يأت بأربعة شهداء يقام عليه الحد.

وقد روى البيهقي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عِبَادَةَ: أَهَكَذَا أُنْزِلَتْ؟ فَلَوْ وَجَدْتُ لَكَاعًا مُتَفَخِّذُهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُحَرِّكَهُ وَلاَ أَهِيجَهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَوَاللَّهِ لاَ آتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلاَ تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ)؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَلُمْهُ فَإِنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ، وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَ فِينَا قَطُّ إِلاَّ عَذْرَاءَ، وَلاَ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ فَاجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ، قَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّهَا لَحَقٌّ، وَأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَكِنِّى عَجِبْتُ.

وسيدنا سعد بن عبادة عندما سمع هذه الآية قال: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ وَالله لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَالله أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ الله حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ الله، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ الله وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الله الْجَنَّةَ) رواه البخاري.

بعد هذا نزل قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِالله إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِين}. وكان سبب نزولها ما رواه البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ)، قَالَ: يَا رَسُولَ الله إِذَا رَأَى أَحَدُنَا رَجُلاً عَلَى امْرَأَتِهِ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْبَيِّنَةُ وَإِلا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ)، فَقَالَ: هِلَالٌ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا إِنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ الله فِي أَمْرِي مَا يُبْرِئُ بِهِ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ، فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِالله إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِين}. فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فَجَاءَا فَقَامَ هِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ فَشَهِدَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الله يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا مِنْ تَائِبٍ)؟ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، وَقَالُوا لَهَا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا سَتَرْجِعُ فَقَالَتْ: لا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ، فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ)، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْلا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ الله لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ).

وبناء على ذلك:

أولاً: لا يفهم من الحديث الشريف بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ سعد بن عبادة على قتل رجل إذا رآه يزني بزوجته، لأن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلاً أأمهله حتى يأتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم، وبدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية: (الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ). بل أقرَّه على الغيرة التي عنده، ولكنه قيَّد هذه الغيرة بقيود الشريعة التي كانت بداية بأن يأتي بأربعة شهود، وإلا الحد في ظهره، فكيف إذا قتله وقتلها؟

ثانياً: من قذف زوجته ولم يكن عنده الشهود فإنه يحرم عليه قتل زوجته، ويرفع أمره إلى القاضي لتطبيق الملاعنة بين الزوجين.

ثالثاً: ولا يفهم من الحديث الشريف جواز قتل المرأة المزني بها مهما كانت درجة القرابة بينها وبين القاتل، بل يجب الستر والنصح، أو أن يرفع الأمر إلى القضاء لتطبيق الحدود الشرعية في حقهما. لأن إقامة الحدود من اختصاص ولي الأمر ولا يجوز التعدي على اختصاصه. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
33285 مشاهدة