أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8462 - هل أباح الإسلام ضرب الزوجة؟

08-11-2017 1891 مشاهدة
 السؤال :
هل صحيح بأن الإسلام يبيح للرجل أن يضرب زوجته على الشاردة والواردة بحجة التأديب لها؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8462
 2017-11-08

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَتَعَلَّمَ قَبْلَ زَوَاجِهِ الوَاجِبَاتِ التي عَلَيْهِ نَحْوَ الزَّوْجَةِ، قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الحُقُوقَ التي لَهُ عَلَيْهَا، هَذَا إِِذَا كَانَ يَسْتَحْضِرُ وُقُوفَهُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

أولاً: يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَعْلَمَ قَبْلَ زَوَاجِهِ أُمُورَاً:

1ـ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالإِحْسَانِ إلى الزَّوْجَةِ وإِكْرَامِهَا، وَأَمَرَ بِمُعَاشَرَتِهَا بِالمَعْرُوفِ، حَتَّى لَو كَرِهَهَا وَأَبْغَضَهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾.

2ـ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بَيَّنَ أَنَّ للمَرْأَةِ حُقُوقَاً عَلَى الزَّوْجِ، كَمَا أَنَّ لَهُ حُقُوقَاً عَلَيْهَا، فَقَالَ تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾. وَيَجِبُ التَّنَبُّهُ إلى الآيَةِ الكَرِيمَةِ، بِأَنَّ اللهَ تعالى قَدَّمَ حَقَّ الزَّوْجَةِ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ، لِيَقُومَ الزَّوْجُ أَوَّلَاً هُوَ بِخِدْمَتِهَا، ثُمَّ يُطَالِبَ بِحَقِّهِ، لَا العَكْسَ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ في وَاقِعِنَا المَرِيرِ.

3ـ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى بِالإِحْسَانِ إلى الزَّوْجَةِ بِإِكْرَامِهَا وَإِجْلَالِهَا، وَجَعَلَ خَيْرَ النَّاسِ هُوَ الذي يُحْسِنُ إلى أَهْلِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنِ أَكْمَلِ المُؤْمِنِينَ إِيمَانَاً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ» رواه الحاكم والترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدَاً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

ثانياً: يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّهُ هُوَ القَيِّمُ في البَيْتِ، وَأَنَّهُ المَسْؤُولُ عَنِ الزَّوْجَةِ أَمَامَ اللهِ تعالى، بِحُسْنِ التَّرْبِيَةِ، وَحُسْنِ المُعَامَلَةِ، وَحُسْنِ التَّأْدِيبِ، بِالطَّرِيقِ الذي رَسَمَهُ اللهُ تعالى لَهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلَاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيَّاً كَبِيرَاً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمَاً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحَاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمَاً خَبِيرَاً﴾.

ثالثاً: يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفَ يَكُونُ ضَرْبُ الزَّوْجَةِ النَّاشِزِ إِذَا لَمْ يَنْفَعْهَا الوَعْظُ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ كَلَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُبَلِّغِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَوَّلَاً قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. حَتَّى لَا يَقَعَ في الظُّلْمِ بِضَرْبِ زَوْجَتِهِ النَّاشِزِ.

رابعاً: يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾. مَا ضَرَبَ خَادِمَاً، وَلَا امرَأَةً أَبَدَاً، روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَيْئَاً قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمَاً، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وروى الحاكم عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللهِ».

فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَئِرْنَ (اجْتَرَأْنَ) النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ.

فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ، لَيْسَ أُولَائِكَ بِخِيَارِكُمْ».

وبناء على ذلك:

فَإِذَا عَرَفَ الزَّوْجُ هَذَا، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَـضْرِبَ الزَّوْجَةَ إِذَا كَانَتْ نَاشِزَةً، فَلْيَسْمَعْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الضَّرْبِ، روى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ اليَوْمِ».

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرِّحٍ».

وَنَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَغَيْرَ مُدْمٍ، وَأَنْ يَتَوَقَّى فِيهِ الوَجْهَ وَالأَمَاكِنَ المَخُوفَةَ، لِأَنَّ المَقْصُودَ مِنْهُ التَّأْدِيبُ لَا الإِتْلَافُ، هَذَا إِذَا عَلِمَ بِأَنَّ الـضَّرْبَ غَيْرَ المُبَرِّحِ يُؤَدِّبُ الزَّوْجَةَ.

وَإِذَا عَلِمَ بِأَنَّ الضَّرْبَ غَيْرَ المُبَرِّحِ لَا يُؤَدِّبُهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ضَرْبُهَا، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ضَرْبُهَا ضَرْبَاً مُبَرِّحَاً وَلَو كَانَ ذَلِكَ يُؤَدِّبُ الزَّوْجَةَ في الظَّاهِرِ.

وفي الِختَامِ: لَا يَضْرِبُ خِيَارُ الأُمَّةِ النِّسَاءَ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الكِرَامِ، وَلَا مِنْ شَأْنِ المُحِبِّ المُتَّبِعِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَعَلَى وَالِدَيِ الزَّوْجِ أَنْ يُذَكِّرَا وَلَدَهُمَا بِتَقْوَى اللهِ تعالى في زَوْجَتِهِ، وَأَنْ يَكُونَا عَوْنَاً لَهُ عَلَى حُسْنِ الأَخْلَاقِ، لَا عَلَى سُوءِ الأَخْلَاقِ.

وَمَا أَقْبَحَ الضَّرْبَ للمَرْأَةِ إِذَا كَانَ مِمَّنْ ظَاهِرُهُ التَّقْوَى وَالصَّلَاحَ وَالاسْتِقَامَةَ، كَيْفَ يَكُونُ  هَذَا وَصْفَهُ، وَهُوَ يَضْرِبُ زَوْجَتَهُ، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَالحَقِيقَةُ: لَا يَضْرِبُ الزَّوْجَةَ إِلَّا ضَعِيفُ الشَّخْصِيَّةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
1891 مشاهدة