أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

4111 - هل تبرأ ذمة الشهيد؟

30-07-2011 75676 مشاهدة
 السؤال :
إذا قتل الإنسان شهيداً، فهل تبرأ ذمته أمام الله تعالى، وأمام الناس، إذا كانت لهم حقوق عنده؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 4111
 2011-07-30

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: كل مسلم يقاتل في سبيل الله، لتكون كلمة الله هل العليا، فيقتل فهو شهيد عندنا، نعامله معاملة الشهيد، فلا يغسل، ولا يكفن، ويصلى عليه، ويدفن في ثيابه التي قتل فيها، وبعد ذلك أمره إلى الله تعالى، فإن كانت نيَّته القتال في سبيل الله فهو عند الله شهيد، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) رواه البخاري. ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) رواه الإمام أحمد. والقلب لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى؛ لأن هناك من يقاتل حميَّة، وهناك من يقاتل عصبيَّة، وهناك من يقاتل رياء وسمعة، وهناك من يقاتل ليقال عنه إنه مقاتل، وهناك من يقاتل للمغنم، كما جاء في الحديث الشريف الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ) رواه البخاري ومسلم.

وروى أبو داود عند عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ، فَقَالَ: (يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو! إِنْ قَاتَلْتَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا بَعَثَكَ اللهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، وَإِنْ قَاتَلْتَ مُرَائِيًا مُكَاثِرًا بَعَثَكَ اللهُ مُرَائِيًا مُكَاثِرًا، يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو عَلَى أَيِّ حَالٍ قَاتَلْتَ أَوْ قُتِلْتَ بَعَثَكَ اللهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ).

ثانياً: الشهيد تغفر ذنوبه جميعاً التي بينه وبين ربِّه عز وجل، إذا لم يكن مستحلاً لها، ويشفع لسبعين من أهل بيته، وذلك للحديث الشريف: (الشَّهِيدُ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْقَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُزَوَّجُ حَوْرَاوَيْنِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِهِ، وَالْمُرابِطُ إِذَا مَاتَ فِي رِبَاطِهِ كَتَبَ اللهُ لَهُ أَجْرَ عَمَلِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَغُدِيَ وَرِيحَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ، وَزُوِّجَ سَبْعِينَ حَوْرَاءَ، وَقِيلَ لَهُ: قِفْ، فَاشْفَعْ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ الْحِسَابُ) رواه الطبراني. وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) رواه أبو داود.

ومما يدلُّ على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (الْقَتْلَى ثَلاثَةُ رِجَالٍ: مُؤْمِنٌ جَاهَدَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ، فَذَلِكَ الشَّهِيدُ الْمُفْتَخِرُ فِي خَيْمَةِ اللهِ تَحْتَ عَرْشِهِ، لا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ؛ وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، جَاهَدَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ حَتَّى يُقْتَلَ، فَتِلْكَ مَصْمَصَةٌ تَحُتُّ ذُنُوبَهُ وَخَطَايَاهُ، إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلْخَطَايَا، وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ، فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ بَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ؛ وَرَجُلٌ مُنَافِقٌ جَاهَدَ بنفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ، فَذَلِكَ فِي النَّارِ، إِنَّ السَّيْفَ لا يِمْحُو النِّفَاقَ) رواه الطبراني والبيهقي والدارمي وابن حبان.

ثالثاً: الشهيد لا تغفر ذنوبه إذا كانت متعلقة بحقوق العباد، وخاصة الحقوق المالية، وذلك لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ) رواه مسلم، ولحديث أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، (أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالإِيمَانَ بِاللهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلام قَالَ لِي ذَلِكَ) رواه مسلم.

وبناء على ذلك:

فحقوق الله تعالى مبنيَّة على المسامحة، فإذا قتل الإنسان شهيداً في سبيل الله غُفرت ذنوبه التي كانت بينه وبين الله تعالى، وأما حقوق العباد، وخاصة المالية، فلا، إلا أن تبرأ ذمته من قبل ورثته إذا ترك وفاءً. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
75676 مشاهدة