29ـ آداب وأخلاق: فتش عن صديق ناصح

29ـ آداب وأخلاق: فتش عن صديق ناصح

 

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

من سعادةِ العبدِ أن يُهيِّئَ اللهُ عزَّ وجلَّ له الأخَ النَّاصِحَ الصَّادِقَ لا المادِحَ المنافِقَ، بل من سعادةِ العبدِ أن يبحثَ في المجتمعِ عن صديقٍ ناصِحٍ له صادِقٍ معَهُ، وأن يحثُوَ التُّرابَ في وجهِ المادِحِ.

النُّصحُ تخليصٌ للمنصوحِ من العُيوبِ والنَّقائِضِ، ولا شكَّ أنَّ هذا لا يكونُ إلا من مُحِبٍّ لمن صَدَقَ في مَحبَّتِهِ، أمَّا المدحُ، وخاصَّةً بوصفٍ لم يَكُن في الممدوحِ فهوَ نوعٌ من أنواعِ النِّفاقِ، لذلكَ لَزِمَ الممدوحَ أن يحثُوَ التُّرابَ في وجهِ المادِحينَ، لأنَّ هؤلاءِ يقصِمونَ الظَّهرَ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواهُ الطبراني عن أبي بكرة ـ كما في كنز العمال ـ أنَّ رجلاً كانَ يمدحُ رجلاً فقال: «قطعتَ ظهرَ أخيكَ! لو سَمِعَهَا ما أفلحَ بعدها».

نعم، المدحُ للمؤمنِ الصَّادِقِ الذي لا ينسى أبداً قولَ الله تعالى: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله﴾. يزيدُ في إيمانِهِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواهُ الحاكم والطبراني في الكبير عَنْ خَلادِ بن السَّائِبِ  رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِذَا مُدِحَ الْمُؤْمِنُ فِي وَجْهِهِ رَبَا الإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ».

ولكن الأولى عَدَمُ المدحِ خَشيةَ الوُقوعِ في الغُرورِ والعُجبِ ممَّن لم يتمكَّن من استِشعارِ قولِهِ تعالى: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله﴾. وممَّن لم يتحقَّق في حِكمةِ ابنِ عطاءِ الله السَّكندريِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ما مَدَحَكَ مَن مَدَحَكَ، وإنَّما مَدَحَ مَن مَنَحَكَ.

اُصدُق من جاءَكَ مُستنصِحاً:

أيُّها الإخوة الكرام: يجبُ على العبدِ المؤمنِ أن يصدُقَ أخاهُ إذا جاءَهُ مُستنصِحاً، وأن يبتعِدَ عن مدحِهِ، وذلكَ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

كما يجبُ على من كانَ مُستحضِراً الآخرةَ أن يبحثَ عن النَّاصِحِ، وأن لا يقبلَ المدحَ ولو كانَ فيه ما يُقالُ.

هذا أميرُ المؤمنينَ هارونُ الرَّشيدُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يبحثُ عن ناصِحٍ له عندما أكرَمَهُ اللهُ تعالى بالحجِّ، كما جاء في شعب الإيمان للبيهقي عن الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ قال: حَجَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونُ الرَّشِيدُ.

قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا لَيْلَةٌ نَائِمٌ بِمَكَّةَ إِذْ سَمِعْتُ قَرْعَ الْبَابِ.

فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟

فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَخَرَجْتُ مُسْرِعاً.

فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَّا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيَكَ؟

فَقَالَ: حَلَّ فِي نَفْسِي شَيْءٌ فَانْظُرْ لِي رَجُلاً أَسْأَلُهُ عَنْهُ.

فَقُلْتُ: هَاهُنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ.

قَالَ: فَامْضِ بِنَا إِلَيْهِ، فَأَتَيْنَاهُ فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ.

فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟

فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَخَرَجَ مُسْرِعاً.

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ أَتَيْتُكَ،

فَقَالَ لَهُ: خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ اللهُ، فَحَادَثَهُ سَاعَةً.

فَقَالَ لَهُ: أَعَلَيْكَ دَيْنٌ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: يَا عَبَّاسُ، اِقْضِ دَيْنَهُ.

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُكَ شَيْئاً، فَانْظُرْ لِي رَجُلاً أَسْأَلُهُ.

فَقُلْتُ: هَاهُنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ.

فَقَالَ: امْضِ بِنَا إِلَيْهِ، فَأَتَيْنَاهُ فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ.

فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَخَرَجَ مُسْرِعاً.

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ أَتَيْتُكَ.

فَقَالَ: خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ اللهُ، فَحَادَثَهُ سَاعَةً.

ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَعَلَيْكَ دَيْنٌ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: يَا عَبَّاسُ، اِقْضِ دَيْنَهُ.

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُكَ شَيْئاً، فَانْظُرْ لِي رَجُلاً أَسْأَلُهُ.

فَقُلْتُ: هَاهُنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ.

فَقَالَ: اِمْضِ بِنَا إِلَيْهِ، فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَتْلُو آيَةً من كِتَابِ اللهِ وَيُرَدِّدُهَا، وَكَانَ هَارُونُ رَجُلاً رَقِيقاً فَبَكَى بُكَاءً شَدِيداً.

ثُمَّ قَالَ لِي: اقْرَعِ الْبَابَ، فَقَرَعْتُهُ.

فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟

فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

فَقَالَ: مَا لِي وَلِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟

فَقُلْتُ: سُبْحَانَ الله، أَوَمَا عَلَيْكَ طَاعَةٌ؟ أَوَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ»

قَالَ: فَنَزَلَ فَفَتَحَ الْبَابَ ثُمَّ ارْتَقَى إِلَى الْغُرْفَةِ وَأَطْفَأَ السِّرَاجَ، وَالْتَجَأَ إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْغُرْفَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، فَجَعَلْنَا نَجُولُ عَلَيْهِ بِأَيْدِينَا، فَسَبَقَتْ كَفُّ هَارُونَ كَفِّي إِلَيْهِ.

فَقَالَ: أَوَّهْ مِنْ كَفٍّ مَا أَلْيَنَهَا إِنْ نَجَتْ مِنْ عَذَابِ اللهِ.

قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَتُكَلِّمَنَّهُ اللَّيْلَةَ بِكَلَامٍ نَقِيٍّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ.

قَالَ: فَقَالَ لَهُ: خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ اللهُ.

فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بَلَغَنِي أَنَّ عَامِلاً لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَكَا إِلَيْهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا أَخِي، اذْكُرْ طُولَ سَهِرِ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ مَعَ خُلُودِ الْأَبَدِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَطْرُقُ بِكَ إِلَى الرَّبِّ ـ نَائِماً وَيَقْظَاناً ـ وَإِيَّاكَ أَنْ يُنْصَرَفَ بِكَ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَيَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ بِكَ، وَمُنْقَطَعَ الرَّجَاءِ، فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ طَوَى الْبِلَادَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَقْدَمَكَ؟

قَالَ: خَلَعْتَ قَلْبِي بِكِتَابِكَ، لَا وَلِيتُ وِلَايَةً حَتَّى أَلْقَى اللهَ.

قَالَ: فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيداً.

ثُمَّ قَالَ: زِدْنِي رَحِمَكَ اللهُ.

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ دَعَا سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي بُلِيتُ الْبَلَاءَ فَأَشِيرُوا عَلَيَّ، فَعَدَّ الْخِلَافَةَ بَلَاءً وَعَدَدْتَهَا أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ نِعْمَةً.

فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللهِ فَلْيَكُنْ كَبِيرُ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَكَ أَباً، وَأَوْسَطَهُمْ عِنْدَكَ أَخاً، وَأَصْغَرُهُمْ عِنْدَكَ وَلَداً، فَوَقِّرْ أَبَاكَ، وَأَكْرِمْ أَخَاكَ، وَتَحَنَّنْ عَلَى وَلَدِكَ.

وَقَالَ لَهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللهِ فَصُمِ الدُّنْيَا وَلْيَكُنْ إِفْطَارُكَ مِنْهَا الْمَوْتَ.

وَقَالَ لَهُ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ غَداً مِنْ عَذَابِ اللهِ فَأَحِبَّ لِلْمُسْلِمِينَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، واكْرَهْ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ.

وَإِنِّي لَأَقُولُ لَكَ هَذَا، وَإِنِّي لَأَخَافُ عَلَيْكَ أَشَدَّ الْخَوْفِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ، فَهَلْ مَعَكَ رَحِمَكَ اللهُ مَنْ يَأْمُرُكَ بِمِثْلِ هَذَا ؟

فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيداً حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ.

فَقُلْتُ لَهُ: ارْفُقْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.

فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أُمِّ الرَّبِيعِ، تَقْتُلُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ، وَأَرْفُقُ بِهِ أَنَا؟

ثُمَّ إِنَّهُ أَفَاقَ، فَقَالَ لَهُ: زِدْنِي رَحِمَكَ اللهُ.

فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، يَا حَسَنَ الْوَجْهِ أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُهُ اللهُ عَنْ هَذَا الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِي هَذَا الْوَجْهَ مِنَ النَّارِ فَافْعَلْ.

فَقَالَ لَهُ هَارُونُ الرَّشِيدُ: عَلَيْكَ دَيْنٌ؟

قَالَ: نَعَمْ، دَيْنٌ لِرَبِّي لَمْ يُحَاسِبْنِي عَلَيْهِ، فَالْوَيْلُ لِي إِنْ نَاقَشَنِي، وَالْوَيْلُ لِي إِنْ لَمْ أُلْهَمْ حُجَّتِي.

فَقَالَ: إِنَّمَا أَعْنِي دَيْنَ الْعِيَالِ.

فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي لَمْ يَأْمُرْنِي بِهَذَا، أَمَرَنِي أَنْ أُصَدِّقَ وَعْدَهُ، وَأَنْ أُطِيعَ أَمْرَهُ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾.

فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ أَلْفُ دِينَارٍ، فَخُذْهَا وَأَنْفِقْهَا عَلَى نَفْسِكَ وتَقَوَّ بِهَا عَلَى عِبَادَةِ رَبِّكَ.

فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، أَنَا أَدُلُّكَ عَلَى النَّجَاةِ وَأَنْتَ تُكَافِئُنِي بِمِثْلِ هَذَا؟ سَلَّمَكَ اللهُ وَوَفَّقَكَ.

قَالَ: فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى الْبَابِ إِذْ بِامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ.

قَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الْحَالِ، فَلَوْ قَبِلْتَ هَذَا الْمَالَ وَفَرَّحْتَنَا بِهِ؟

فَقَالَ لَهَا: مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ مَثَلُ قَوْمٍ كَانَ لَهُمْ بَعِيرٌ يَسْتَقُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كِبَرَ نَحَرُوهُ وَأَكَلُوا لَحْمَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ. قَالَ: يَرْجِعُ فَعَسَى أَنْ يَقْبَلَ هَذَا الْمَالَ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِ الْفُضَيْلُ خَرَجَ إِلَى تُرَابٍ فِي السَّطْحِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ هَارُونُ إِلَى جَنْبِهِ فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ وَلَا يُجِيبُهُ بِشَيْءٍ، وَيُكَلِّمُهُ فَلَا يُجِيبُهُ بِشَيْءٍ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذَا بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيْنَا.

فَقَالَتْ: قَدْ آذَيْتُمُ الشَّيْخَ مِنَ اللَّيْلَةِ، انْصَرِفُوا رَحِمَكُمُ اللهُ.

قَالَ: فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ.

فَقَالَ لَهُ: يَا عَبَّاسُ، إِذَا دَلَلْتَنِي عَلَى رَجُلٍ فَدُلَّنِي عَلَى مِثْلِ هَذَا، فَهَذَا سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ: وَقَالَ الْفُضَيْلُ: تَقْرَأُ فِي وِتْرِكَ الْخَلْعَ، وَتَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ ثُمَّ تَغْدُو إِلَى الْفَاجِرِ فَتُعَامِلَهُ.

قَالَ: وَقَالَ الْفُضَيْلُ: لَا تَنْظُرْ إِلَيْهِمْ مِنْ طَرِيقِ الْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنِ انْظُرْ مِنْ طَرِيقِ الرَّحْمَةِ، يَعْنِي السُّلْطَانَ.

خاتمةٌ نسألُ اللهَ تعالى حُسنها:

أيُّها الإخوة الكرام: من الآدابِ التي ربَّى الإسلامُ عليها أتباعَهُ الاهتِمامُ بالنَّفسِ قبلَ الآخرينَ، واتِّهامُ النَّفسِ بالتَّقصيرِ، وحُسنُ الظَّنِّ بالآخرينَ.

فمن سَمِعَ هذهِ القِصَّةَ ما ينبغي عليه أن يصرِفَها فقط للأمراءِ والمسؤولينَ، ويُبرِئَ نفسَهُ من ذلكَ، ولكن لِيَسمعَ حديثَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

فكلُّ واحِدٍ فينا راعٍ على رعِيَّتِهِ استَرعاهُ اللهُ تعالى عليها، فإن لم تَكُن عِندَهُ رعيَّةٌ فأقلُّ ما يُمكنُ أن يُقالَ: جَعَلَهُ اللهُ تعالى راعِياً لِجوارِحِهِ التي سَيُسألُ عنها، قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾.

فلنبحث عن الصَّديقِ النَّاصِحِ لا المادِحِ، وخاصَّةً في زَمَنِ الهرجِ والمَرجِ وضَياعِ الحقِّ.

اللَّهُمَّ دُلَّنا على من يدُلُّنا عليكَ، وأوصِلنا بالذي يُوصِلُنا إليكَ، يا أرحمَ الرَّاحِمينَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 26/ربيع الأول /1434هـ، الموافق: 6/شباط / 2013م

 

 2013-02-06
 19535
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أخلاق و آداب

08-10-2020 961 مشاهدة
59ـ آداب المريض (4)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 08-10-2020
 
 961
08-10-2020 618 مشاهدة
58ـ آداب المريض (3)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 08-10-2020
 
 618
11-03-2020 1046 مشاهدة
57ـ آداب المريض (2)

مِنَ الوَاجِبِ عَلَى العَبْدِ المُؤْمِنِ أَنْ يَرُدَّ المَظَالِمَ إلى أَهْلِهَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُقُوقِ العِبَادِ، لِأَنَّ حُقُوقَ ... المزيد

 11-03-2020
 
 1046
05-03-2020 1092 مشاهدة
56ـ آداب المريض (1)

ا يُقَدِّرُ نِعْمَةَ اللهِ تعالى إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، فَالصِّحَّةُ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا، لَا يُقَدِّرُهَا إِلَّا المَرْضَى، فَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ قَدْ غَفَلْنَا عَنْهَا؟ وَكَمْ مِنَ النِّعَمِ قَدْ قَصَّرْنَا بِوَاجِبِ شُكْرِهَا، ... المزيد

 05-03-2020
 
 1092
16-01-2020 1639 مشاهدة
55ـ أبشر أيها المريض

لَقَدْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَبَيَّنَ لَنَا الغَايَةَ مِنْ خَلْقِنَا، فَقَالَ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وَمِنَ العِبَادَةِ الصَّبْرُ عَلَى الابْتِلَاءَاتِ ... المزيد

 16-01-2020
 
 1639
08-01-2020 1465 مشاهدة
54ـ آداب النظر (2)

إِسْلَامُنَا لَا يَرْضَى لَنَا أَنْ نَأْتِيَ الفَوَاحِشَ، بَلْ يَنْهَى عَنْ قُرْبَانِهَا فَضْلَاً عَنْ إِتْيَانِهَا، وَهُوَ يُحَرِّمُ الوَسَائِلَ، وَيَسُدُّ الأَبْوَابَ التي تُؤَدِّي إِلَيْهَا، لِهَذَا جَاءَتْ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، وَنُصُوصٌ ... المزيد

 08-01-2020
 
 1465

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411986888
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :