4ـ الإنسان في القرآن العظيم: بقدر الاتباع بقدر ما يكون الحب من الله تعالى

4ـ الإنسان في القرآن العظيم: بقدر الاتباع بقدر ما يكون الحب من الله تعالى

 

الإنسان في القرآن العظيم

4ـ بقدر الاتباع بقدر ما يكون الحب من الله تعالى

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَرْوَعِ مَظَاهِرِ تَكْرِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ للإِنْسَانِ، أَنْ خَلَقَ لَهُ قَبْلَ خَلْقِهِ، ثمَّ خَلَقَهُ جَلَّ وَعَلَا في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثمَّ جَعَلَهُ أَهْلَاً لِحُبِّهِ وَرِضَاهُ، وَأَرْشَدَهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ إلى مَا يَجْعَلُهُ خَلِيقَاً بِهَذَا الحُبِّ.

لَقَدْ أَرْشَدَ اللهُ تعالى هَذَا الإِنْسَانَ إِنْ كَانَ حَرِيصَاً على دَيْمُومَةِ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لَهُ، وَحَرِيصَاً على حُبِّ اللهِ تعالى لَهُ، إلى الاقْتِدَاءِ وَالاتِّبَاعِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِكَيْ يَحْيَا الحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ في الدُّنْيَا، وَيَظْفَرَ بِالنَّعِيمِ المُقِيمِ في الآخِرَةِ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾.

إِنَّ اتِّبَاعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُ ثِمَارٌ، أَعْلَاهَا وَأَحْلَاهَا هِيَ حُبُّ اللهِ تعالى لِهَذَا العَبْدِ، بَعْدَ أَنْ يُمَتِّعَهُ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. يُمَتِّعُهُ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَعَ تَمَامِ المَحَبَّةِ لَهُ؛ اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ.

بِقَدْرِ الاتِّبَاعِ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الحُبُّ مِنَ اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَعَلَ اللهُ تعالى اتِّبَاعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَبَبَاً مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ تعالى للإِنْسَانِ، فَبِمِقْدَارِ مَا يَكُونُ الاتِّبَاعُ بِمِقْدَارِ مَا يَكُونُ الحُبُّ مِنَ اللهِ تعالى ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾.

وَالإِنْسَانُ العَاقِلُ هُوَ الذي يُحَافِظُ على تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لَهُ وَحُبِّهِ لَهُ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الاتِّبَاعِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمَنِ اتَّبَعَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّهُ اللهُ تعالى، وَجَعَلَهُ مِنَ المُفْلِحِينَ، قَالَ تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ﴾. يَعْنِي: أَدْرَكُوا الفَلَاحَ الكَامِلَ، وَالأَمْنَ مِنَ المَرْهُوبِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنِ اتَّبَعَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَحْيَا اللهُ تعالى قَلْبَهُ، فَصَارَتْ حَيَاتُهُ كَامِلَةً طَيِّبَةً ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْـمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾.

لَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ تعالى بِالمُسَارَعَةِ إلى الاسْتِجَابَةِ لَهُ تَبَارَكَ وَتعالى، وإلى الاسْتِجَابَةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ بَيَّنَ لَنَا مَا الذي يُرِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ يُرِيدُ لَنَا الحَيَاةَ الكَامِلَةَ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالحَيَاةَ الكَامِلَةَ في الآخِرَةِ، مِنْ خِلَالِ اتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

الاتِّبَاعُ دَلِيلُ مَحَبَّةِ اللهِ تعالى وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَالُوا: لِلْمَحَبَّةِ طَرَفَانِ، هُمَا: المُحِبُّ وَالمَحْبُوبُ؛ وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَحَبَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ طَرَفَيْهَا هُمَا: مَحَبَّةُ العَبْدِ لِرَبِّهِ، وَمَحَبَّةُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ؛ وَدَلِيلُ الأُولَى هِيَ اتِّبَاعُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ ثَمَرَةُ ذَلِكَ الاتِّبَاعِ؛ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ على هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ آيَةُ المَحَبَّةِ؛ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: لَمَّا ادَّعَتِ القُلُوبُ مَحَبَّةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ مِحْنَةً.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَرَّمَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ ابْتِدَاءً، وَأَرَادَ لَهُ هَذَا التَّكْرِيمَ نِهَايَةً؛ كَرَّمَهُ ابْتِدَاءً، وَكَلَّفَهُ تَكْرِيمَاً لِيَنَالَ الحُبَّ نِهَايَةً، وَلَا يَكُونُ هَذَا إلا بِالاتِّبَاعِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَاتِّبَاعُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَلِيلُ المَحَبَّةِ الكَامِلَةِ، وَمُجْلِبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ تعالى للجَمِيعِ، وَمُجْلِبُ رَحْمَةِ اللهِ تعالى وَمَغْفِرَتِهِ وَرِضْوَانِهِ، وَدَلِيلٌ على الفَلَاحِ وَالهِدَايَةِ، وَبِهِ تَطِيبُ حَيَاةُ المُتَّبِعِ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَيَضْمَنُ السَّلَامَةَ وَالأَمْنَ مِنَ الخَطَأِ، وَذَلِكَ لِعِصْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَتْبُوعِ، وَالاتِّبَاعُ لَا يَكُونُ إلا لِمَنْ أَكْرَمَهُمُ اللهُ تعالى بِالصَّلَاحِ وَالتَّقْوَى، وَالمُتَّبِعُ يَكُونُ مِنْ أَئِمَّةِ الخَيْرِ وَالهُدَى.

فَمِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ تعالى على الإِنْسَانِ أَن أَمَرَهُ بالاتِّبَاعِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَنَالَ شَرَفَ المَحَبَّةِ مِنَ اللهِ تعالى، بَلْ لِيَنَالَ دَيْمُومَةَ مَحَبَّةِ اللهِ تعالى لَهُ، وإلا فَقَدْ عَرَّضَ التَّكْرِيمَ وَالمَحَبَّةَ التي كَانَتْ لَهُ ابْتِدَاءً إلى زَوَالٍ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى. اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِالاتِّبَاعِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 18/ محرم /1438هـ، الموافق: 19/ تشرين الأول / 2016م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الإنسان في القرآن العظيم

08-11-2018 2668 مشاهدة
37ـ الإنسان في القرآن العظيم : ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْرِفُ طَرِيقَ العَبْدِ عَنْ نَهْجِ الاسْتِقَامَةِ عَلَى مَنْهَجِ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى هُوَ مَا رُكِّبَ في الإِنْسَانِ مِنْ شَهَوَاتٍ، حَيْتُ تَكُونُ سَبَبَاً في انْحِرَافِهِ إِذَا اسْتَوْلَتِ الشَّهَوَاتُ عَلَيْهِ. ... المزيد

 08-11-2018
 
 2668
31-10-2018 3073 مشاهدة
36ـالإنسان في القرآن العظيم: أهمية تزكية النفس

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ إِنَّ فَلَاحَ العَبْدِ وَنَجَاحَهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ هُوَ مَطْلَبُ العَامِلِينَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَتَرْبِيَتِهَا وَتَطْهِيرِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى لَنَا ... المزيد

 31-10-2018
 
 3073
02-08-2018 2047 مشاهدة
34ـالإنسان في القرآن العظيم : ﴿فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ﴾ (2)

نَحْنُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا مُسَافِرُونَ مِنْهَا، كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ ... المزيد

 02-08-2018
 
 2047
11-07-2018 2683 مشاهدة
33ـ الإنسان في القرآن العظيم :﴿فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ﴾

إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدَاً مِنْ عِبَادِهِ أَلْهَمَهُ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الفَوَاحِشِ وَالمُنْكَرَاتِ، وَحَبَّبَ إلى قَلْبِهِ الإِيمَانَ وَالبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَأَلْهَمَهُ الإِكْثَارَ مِنْ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ... المزيد

 11-07-2018
 
 2683
04-04-2018 3729 مشاهدة
32ـ الإنسان في القرآن العظيم :يا أيها العبد المذنب الخطاء

مِنْ أَعْظَمِ الخُسْرَانِ الذي يَقَعُ فِيهِ العَبْدُ إِصْرَارُهُ عَلَى الذَّنْبِ، وَمُكَابَرَتُهُ، وَعِنَادُهُ، وَتَبْرِيرُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ المَوْتُ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ عَلَى تِلْكَ الحَالَةِ. ... المزيد

 04-04-2018
 
 3729
28-03-2018 3008 مشاهدة
31ـالإنسان في القرآن العظيم : إلى متى نبقى في العصيان؟

لَو أَنَّ الأَمْرَ كَانَ يَنْتَهِي بِالمَوْتِ لَكَانَ هَيِّنَاً وَسَهْلَاً، وَلَكِنْ مَعَ شِدَّتِهِ وَهَوْلِهِ هُوَ أَهْوَنُ مِمَّا بَعْدَ المَوْتِ، فَالقَبْرُ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ، أَو رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَلَو كَانَ ... المزيد

 28-03-2018
 
 3008

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412017389
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :