32ـ آداب وأخلاق: عليك بالإيمان والتوبة وصنع المعروف

32ـ آداب وأخلاق: عليك بالإيمان والتوبة وصنع المعروف

 

 مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبادَ الله، النَّاظِرُ في مُجرَياتِ الأحداثِ، والمُطَّلِعُ على وَقائِعِ الأُمورِ، والمُتابِعُ لما يَدورُ في السَّاحَةِ اليَومَ، يَجِدُ أنَّ الأمرَ جَلَلٌ، والخَطبَ عَظيمٌ، وقد أدَّى إلى واقِعٍ أليمٍ ومَريرٍ.

والكُلُّ يَتَساءَلُ في ظِلِّ هذهِ الظُّروفِ الصَّعبَةِ القاسِيَةِ، والمَواقِفِ الحَرِجَةِ ماذا يَفعَلُ؟ وماذا يَصنَعُ؟ وهل بِمَقدورِهِ أن يَدفَعَ هذا البَلاءَ؟

يا عِبادَ الله، إذا أرَدنا أن نَتَخَلَّصَ من هذهِ المِحَنِ القاسِيَةِ، ومن هذا البَلاءِ الشَّديدِ، ومن هذا الكَربِ العَظيمِ، وأن يَكشِفَ اللهُ تعالى عنَّا هذهِ الغُمَّةَ، عَلَينا أن نَرجِعَ إلى كِتابِ ربِّنا عزَّ وجلَّ، لِنَأخُذَ منهُ الدَّواءَ لِدائِنا، لأنَّ كِتابَ الله عزَّ وجلَّ جاءَ شِفاءً ورَحمَةً، جاءَ لِيُخرِجَ النَّاسَ من الظُّلُماتِ إلى النُّورِ، ومن الضِّيقِ إلى السَّعَةِ، ومن الشِّدَّةِ إلى الرَّخاءِ، ومن العُسرِ إلى اليُسرِ، ومن الجَورِ والظُّلمِ إلى العَدلِ والرَّحمَةِ.

من أجلِ كَشفِ الغُمَّةِ:

يا عِبادَ الله، إذا أرَدنا كَشفَ هذهِ الغُمَّةِ عنَّا، فَعَلَينا بهذهِ الأُمورِ:

أولاً: التَّحَقُّقُ بالإيمانِ والحِرصُ على زِيادَتِهِ لا نُقصانِهِ:

يا عِبادَ الله، إنَّ مَولانا عزَّ وجلَّ وَعَدَ عِبادَهُ المُؤمِنينَ بالحِفظِ والتَّأييدِ، وهوَ لا يُخلِفُ المِيعادَ، قال تعالى: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون﴾.

وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُم﴾.

وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور﴾.

وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾.

يا عِبادَ الله، هل الإيمانُ في هذهِ الأزمَةِ يَزدادُ في قُلوبِنا أم يَنقُصُ؟ هل زادَت طاعاتُنا في هذهِ الأزمَةِ لِيَزدادَ إيمانُنا، أم زادَتِ المَعاصي التي هيَ سَبَبٌ في قِلَّةِ الإيمانِ وضَياعِهِ؟

يا عِبادَ الله، زِيدوا في إيمانِكُم بِفِعلِ الطَّاعاتِ، وكونوا على يَقينٍ بأنَّ وَعدَ الله تعالى لا يُخلَفُ، فهوَ وَلِيُّكُم، ومن كانَ اللهُ تعالى وَلِيَّهُ كيفَ يُضامُ؟

ثانياً: التَّوبَةُ الصَّادِقَةُ من المُوبِقاتِ:

يا عِبادَ الله، ما نَزَلَ بَلاءٌ إلا بِذَنبٍ، وما رُفِعَ إلا بِتَوبَةٍ، قال تعالى: ﴿إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين﴾.

يَقولُ قَتادَةُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: لم يَكُن هذا في الأُمَمِ قَبلَهُم لم يَنفَعْ قَريَةً كَفَرَت ثمَّ آمَنَت حِينَ حَضَرَها العَذابُ، فَتَرَكَت، إلا قَومَ يُونُسَ، لما فَقَدوا نَبِيَّهُم وظَنُّوا أنَّ العَذابَ قَد دَنا مِنهُم، قَذَفَ اللهُ في قُلوبِهِمُ التَّوبَةَ، ولَبِسوا المسوحَ، وفَرَّقوا بَينَ كُلِّ بَهيمَةٍ وَوَلَدِها، ثمَّ عَجُّوا إلى الله أربَعينَ لَيلَةً، فلمَّا عَرَفَ اللهُ الصِّدقَ من قُلوبِهِم، والتَّوبَةَ والنَّدامَةَ على مَا مَضى مِنهُم، كَشَفَ اللهُ عنهُمُ العَذابَ بَعدَ أن تَدَلَّى عَلَيهِم.

يا عِبادَ الله، إذا أرَدنا كَشفَ الغُمَّةِ لِنَتُبْ إلى الله تعالى من المُوبِقاتِ، والتي من جُملَتِها الرِّبا، والرِّشوَةُ، والسَّلبُ، والغَصبُ، والنَّهبُ، والسَّرِقَةُ، والزِّنا، وعُقوقُ الوالِدَينِ، وظُلمُ النِّساءِ، وأكلُ المَواريثِ بِغَيرِ حَقٍّ، وقَبلَ ذلكَ كُلِّهِ أن يَتوبَ النَّاسُ من كَلِماتِ الكُفرِ والسَّبِّ والشَّتمِ. والعِياذُ بالله تعالى.

يا عِبادَ الله، التَّوبَةُ والاستِغفارُ سَبَبٌ لِكَشفِ الغُمَّةِ، ودَفعِ المَصائِبِ والمُلِمَّاتِ، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون﴾. وقال تعالى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمَّىً﴾.

ثالثاً: صُنعُ المَعروفِ:

يا عِبادَ الله، صَنائِعُ المَعروفِ تَقي مَصارِعَ السُّوءِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الحاكم عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «المَعروفُ إلى النَّاسِ يَقي صَاحِبَهَا مَصارِعَ السُّوءِ، والآفَاتِ، والهلكاتِ، وأهلُ المَعروفِ في الدُّنيا هُم أهلُ المَعروفِ في الآخِرَةِ».

وفي روايَةٍ للطَّبرانيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ».

وجاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه ابن ماجه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى الله قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا».

يا عِبادَ الله، أينَ المُنفِقينَ في هذهِ الأزمَةِ باللَّيلِ والنَّهارِ؟ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرَّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون﴾.

الإنفاقُ ليلاً ونهاراً، سِرَّاً وعَلانِيَةً، يَنفي الخَوفَ والحُزنَ، وبذلكَ تَنكَشِفُ الغُمَّةُ بإذنِ الله تعالى.

أينَ صَنائِعُ المَعروفِ في هذهِ الأزمَةِ؟ أينَ صَنائِعُ المَعروفِ بَينَ البائِعينَ والمُشتَرينَ؟ بَينَ المُؤَجِّرينَ والمُستَأجِرينَ، بَينَ الأطِبَّاءِ والمَرضى، بَينَ الأغنِياءِ والفُقَراءِ، بَينَ المَيسورينَ والمُعسِرينَ؟

يا عِبادَ الله، صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، فَعَلَيكُم بها.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يا عبادَ الله، كونوا على يَقينٍ من قَولِهِ تعالى: ﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَة﴾. هذهِ الغُمَّةُ لن يَكشِفَها عنَّا شَرقٌ ولا غَربٌ، لا وربِّ الكَعبَةِ، لأنَّ حُكَّامَ الشَّرقِ والغَربِ يَفرَحونَ بِسَفكِ دِمائِنا، وإتلافِ أموالِنا، وتَشَتُّتِ شَملِنا، ويَحزَنونَ وربِّ الكَعبَةِ إذا اجتَمَعَتْ كَلِمَتُنا، واصطَلَحنا معَ ربِّنا.

هذهِ الغُمَّةُ لن يَكشِفَها إلا اللهُ تعالى، وربُّنا جَعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ سَبَباً، فإذا أرَدنا كَشفَها فَعَلَينا بِتَقوِيَةِ الإيمانِ، والتَّوبَةِ الصَّادِقَةِ لله تعالى، وصُنعِ المَعروفِ.

نَسألُكَ اللَّهُمَّ أن تُوَفِّقَنا لذلكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ المقال:

الجمعة: 5 /محرم /1435هـ، الموافق: 8/تشرين الثاني/ 2013م

 2013-11-08
 26969
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أخلاق و آداب

08-10-2020 961 مشاهدة
59ـ آداب المريض (4)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 08-10-2020
 
 961
08-10-2020 618 مشاهدة
58ـ آداب المريض (3)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 08-10-2020
 
 618
11-03-2020 1046 مشاهدة
57ـ آداب المريض (2)

مِنَ الوَاجِبِ عَلَى العَبْدِ المُؤْمِنِ أَنْ يَرُدَّ المَظَالِمَ إلى أَهْلِهَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُقُوقِ العِبَادِ، لِأَنَّ حُقُوقَ ... المزيد

 11-03-2020
 
 1046
05-03-2020 1092 مشاهدة
56ـ آداب المريض (1)

ا يُقَدِّرُ نِعْمَةَ اللهِ تعالى إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، فَالصِّحَّةُ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا، لَا يُقَدِّرُهَا إِلَّا المَرْضَى، فَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ قَدْ غَفَلْنَا عَنْهَا؟ وَكَمْ مِنَ النِّعَمِ قَدْ قَصَّرْنَا بِوَاجِبِ شُكْرِهَا، ... المزيد

 05-03-2020
 
 1092
16-01-2020 1639 مشاهدة
55ـ أبشر أيها المريض

لَقَدْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَبَيَّنَ لَنَا الغَايَةَ مِنْ خَلْقِنَا، فَقَالَ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وَمِنَ العِبَادَةِ الصَّبْرُ عَلَى الابْتِلَاءَاتِ ... المزيد

 16-01-2020
 
 1639
08-01-2020 1465 مشاهدة
54ـ آداب النظر (2)

إِسْلَامُنَا لَا يَرْضَى لَنَا أَنْ نَأْتِيَ الفَوَاحِشَ، بَلْ يَنْهَى عَنْ قُرْبَانِهَا فَضْلَاً عَنْ إِتْيَانِهَا، وَهُوَ يُحَرِّمُ الوَسَائِلَ، وَيَسُدُّ الأَبْوَابَ التي تُؤَدِّي إِلَيْهَا، لِهَذَا جَاءَتْ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، وَنُصُوصٌ ... المزيد

 08-01-2020
 
 1465

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411956926
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :