374ـ خطبة الجمعة: «رَغِمَ أَنْفُهُ, ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ, ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ»

374ـ خطبة الجمعة: «رَغِمَ أَنْفُهُ, ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ, ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ»

 

 374ـ خطبة الجمعة: «رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ»

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله، في هذا اليَومِ العَظيمِ المُبارَكِ يَومِ الجُمُعَةِ، صَادَفَنَا يَومٌ يُسَمِّيهِ النَّاسُ يَومَ عِيدِ الأُمِّ، وأنا لا أُريدُ أن أقولَ الحُكمَ الشَّرعِيَّ في الاحتِفالِ بهذا اليَومِ، ولكن أقولُ: أيُّها الأبناءُ والبَناتُ، اِبحَثُوا عن مَصدَرِ هذا العِيدِ، من أينَ جاءَ؟

وأقولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ من الأبناءِ: أتَظُنُّ يا عَبدَ الله، أنَّكَ إذا تَعَرَّفتَ على أُمِّكَ في هذا اليَومِ، وقَدَّمتَ لها هَدِيِّةً قد جَعَلتَ لِنَفسِكَ رَصيداً عِندَ الله عزَّ وجلَّ، وتَعتَبِرُ نَفسَكَ بارَّاً بها؟

اِجعَلوا لأنفُسِكُم رَصيداً عِندَ الله عزَّ وجلَّ:

يا عباد الله، إسلامُنا الذي أكرَمَنا اللهُ عزَّ وجلَّ به هوَ الذي حَرَّضَنا على بِرِّ الآباءِ والأُمَّهاتِ بِكُلِّ نَفَسٍ من أنفاسِ أعمارِنا، سَواءٌ كانَ الأبَوانِ على قَيْدِ الحَياةِ، أو بَعدَ المَمَاتِ.

يا عباد الله، أتَوَجَّهُ إلى الأبناءِ اليَومَ، وخاصَّةً ونَحنُ نَعيشُ هذهِ الأزمَةَ التي طَالَتِ الآباءَ والأُمَّهاتِ، والأبناءَ والبَناتِ، لأقولَ لِنَفسي أولاً، ولَهُم ثانياً ـ وكُلُّنا أبناءٌ ولو كُنَّا آباءً ـ: لِنَجْعَلْ لأنفُسِنا رَصيداً عِندَ الله عزَّ وجلَّ، حتَّى إذا وَقَعنا في ضِيقٍ أو كَربٍ أو شِدَّةٍ أو أزمَةٍ، التَجَأنا إلى الله عزَّ وجلَّ، وسَألناهُ بِصَالِحِ أعمالِنا، والتي من جُملَتِها بِرُّ الوَالِدَينِ أن يُفَرِّجَ عنَّا، أعطانا سُؤلَنا بإذنِهِ تَبارَكَ وتعالى.

أيُّها الأبناءُ والبَناتُ: يا من ضَاقَت صُدُورُكُم في هذهِ الأزمَةِ، يا من رَأى الأزمَةَ وقد أَثَّرَت على مُستَقبَلِهِ، وأَثَّرَت على دِرَاسَتِهِ، وأَثَّرَت على تِجارَتِهِ، وأَثَّرَت على أعمالِهِ، وأَثَّرَت على زَواجِهِ، وأَثَّرَت على حَرَكاتِهِ وسَكَناتِهِ، لو كانَ لنا رَصيدٌ عِندَ الله عزَّ وجلَّ من بِرِّنا لآبائِنا وأُمَّهاتِنا لَفَرَّجَ اللهُ عنَّا ما نَحنُ فيهِ بإذنِهِ تعالى.

لا تَدري ماذا خَبَّأَ لكَ القَدَرُ:

يا عَبدَ الله، لا تَغتَرَّ بِنَفسِكَ، ولا بِقُوَّتِكَ وقُدرَتِكَ، لا تَغتَرَّ وأنت تَمشي على وَجْهِ الأرضِ على قَدَمَيكَ، لا تَغتَرَّ وأنتَ في سِنِّ شَبابِكَ، فإنَّكَ لا تَدري ماذا خَبَّأَ لكَ القَدَرُ؟

والله قد تُفاجَأُ بِكَربٍ وضِيقٍ وشِدَّةٍ، ولو اجتَمَعَ أهلُ الأرضِ والسَّماءِ على إخراجِكَ من ذلكَ لَعَجَزوا إلا أن يَأذَنَ اللهُ تعالى.

يا عباد الله، لَعَلَّنا نَستَمِعُ إلى حَديثِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهوَ يُحَدِّثُنا عن رَجُلٍ جَعَلَ لِنَفسِهِ رَصيداً عِندَ الله عزَّ وجلَّ بِبِرِّ والِدَيهِ، كيفَ حَفِظَهُ اللهُ تعالى وأَنجَاهُ من كَربٍ وشِدَّةٍ وضِيقٍ لا يَعلَمُهُ إلا اللهُ تعالى.

بِرُّ الوَالِدَينِ سَبَبٌ لِتَفريجِ الكَربِ:

روى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ، أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِن الْجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لله فَادْعُوا اللهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ.

قَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ، وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فَرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللهُ، فَرَأَوا السَّمَاءَ».

يا عباد الله، هؤلاءِ النَّفَرُ دَخَلوا في كَربٍ وبَلاءِ عَظيمٍ، انقَطَعَت صِلاتُهُم مَعَ البَشَرِ جَميعاً، ولكن ما انقَطَعَت صِلَتُهُم مَعَ الله عزَّ وجلَّ، لذلكَ ما يَئِسوا وما قَنَطوا، كَيفَ يَيأَسونَ ويَقنَطونَ ولَهُم صِلَةٌ مَعَ الله تعالى القَائِلِ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾؟

يا عباد الله، لو استَطاعَ البَشَرُ أن يَقطَعوا صِلاتِكُم مَعَ الخَلقِ جَميعاً، فإنَّهُم لن يَستَطيعوا أن يَقطَعوا صِلاتِكُم مَعَ الله تعالى، فهوَ مَعَكُم، يَسمَعُكُم ويَراكُم، وهوَ القَادِرُ على إخراجِكُم من كُلِّ كَربٍ وضِيقٍ، حتَّى لو دَخَلَ العَبدُ بَطنَ الحُوتِ في ظَلامِ اللَّيلِ، ونادَى مَولاهُ في ظُلمَةِ بَطنِ الحُوتِ، مَعَ ظُلمَةِ البَحرِ، مَعَ ظُلمَةِ اللَّيلِ، فإنَّهُ يَسمَعُهُ ويُجيبُهُ ويُغيثُهُ.

يا عباد الله، هل لنا رَصيدٌ عِندَ الله تعالى من بِرٍّ لوَالِدِينا كَرَصيدِ هذا الرَّجُلِ الذي أُطبِقَ عَلَيهِ بابُ الغارِ؟

وهل سَمِعَ شَبابُنا هذا الحَديثَ الشَّريفَ؟

وهل فَكَّرَ الأبناءُ والبَناتُ بِمَوقِفِ هذا الرَّجُلِ نَحوَ والِدَيهِ الشَّيخَينِ الكَبيرَينِ؟

لقد كانَ بِوُسعِ هذا الرَّجُلِ أن يَجعَلَ نَصيبَ والِدَيهِ جانِباً، ويُعطي الفَضلَةَ لأبنائِهِ وزَوجَتِهِ، ولكنَّهُ أبَى أن يُقَدِّمَ أحَداً على وَالِدَيهِ، ابتِغاءَ مَرضَاةِ الله عزَّ وجلَّ.

سَوفَ تَندَمُ أيُّها العَاقُّ:

يا عباد الله، قولوا لمن وَقَعَ في العُقوقِ، وأنكَرَ الجَميلَ والمَعروفَ، بِسَبَبِ شَهوَةِ سَاعَةٍ في الدُّنيا، قولوا لمن وَقَعَ في العُقوقِ، وأنكَرَ الجَميلَ والمَعروفَ، بِسَبَبِ صُحبَةِ صَديقٍ أو صَديقَةٍ أو مَخطوبَةٍ، قولوا لمن وَقَعَ في العُقوقِ، وأنكَرَ الجَميلَ والمَعروفَ، بِسَبَبِ دِرَاسَةٍ أو سَفَرٍ أو دُرَيهِماتٍ، قولوا لمن وَقَعَ في العُقوقِ، وأنكَرَ الجَميلَ والمَعروفَ، وأدمَعَ عَينَي أُمِّهِ وأبيهِ: والله، ثمَّ والله، ثمَّ والله، سَوفَ تَندَمُ، والأيَّامُ آتِيَةٌ، وأنتَ لا تَدري ماذا خَبَّأَ اللهُ تعالى لكَ فيها؟

«رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ»:

يا عباد الله، العَاقُّ لِوَالِدَيهِ ما عَرَفَ مَنزِلَةَ الأبَوَينِ عِندَ الله عزَّ وجلَّ، وما عَرَفَ أمرَ الله تعالى القَائِلِ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾.

العَاقُّ لِوَالِدَيهِ لم يَتَدَبَّرْ قَولَهُ تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾. لقد أمَرَ اللهُ تعالى وفَرَضَ الإحسانَ للوَالِدَينِ بِدونِ قَيْدٍ ولا شَرْطٍ، لم يَقُلْ: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً، إذا كانا مُؤمِنَينِ، أو كانا طَائِعَينِ، لقد أطلَقَها اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾.

العَاقُّ لِوَالِدَيهِ رَغِمَ أنفُهُ مَهما كانَ، وذلكَ بِشَهادَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ».

قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ الله؟

قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُل الْجَنَّةَ».

إنَّها دُموعٌ غَالِيَةٌ عِندَ الله تعالى ورَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يا عباد الله، قولوا للعَاقِّ لِوَالِدَيهِ: إنَّ دُموعَ الأبَوَينِ غَالِيَةٌ عِندَ الله عزَّ وجلَّ، وعِندَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قولوا لمن أدمَعَ عُيونَ أبَوَيهِ من أجلِ مَخطوبَتِهِ، أو من أجلِ صَديقٍ، أو من أجلِ أيِّ أمرٍ مُباحٍ:

هل تَظُنُّ أنَّكَ سَتَدخُلُ الجَنَّةَ مَعَ العُقوقِ؟

هل تَعلَمُ بأنَّ دُموعَهُما غَالِيَةٌ عِندَ الله عزَّ وجلَّ، وعِندَ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ.

فَقَالَ: «ارْجِعْ إلَيْهِمَا، فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا».

يا عباد الله، هذا الرَّجُلُ جاءَ مُبايِعاً لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على الهِجرَةِ لله ورَسولِهِ، ولكنَّهُ تَرَكَ أبَوَيهِ يَبكِيانِ، هل هَشَّ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وبَشَّ في وَجْهِهِ، وقالَ لهُ: بارَكَ اللهُ فيكَ، لأنَّكَ أتَيتَني مُبايِعاً على الهِجرَةِ؟

لقد قالَ لهُ الذي قالَ اللهُ تعالى في حَقِّهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾: «ارْجِعْ إلَيْهِمَا، فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا».

يا عباد الله، كم وكم وَقَعَ الأبناءُ والبَناتُ في العُقوقِ، وأدمَعوا عُيونَ آبائِهِم وأُمَّهاتِهِم في أُمورٍ لَيسَ فِعلُها فَرضاً، ولا تَرْكُها وَاجِباً، لقد وَقَعوا في العُقوقِ، وأدمَعوا أعيُنَ آبائِهِم وأُمَّهاتِهِم في أُمورٍ مُباحَةٍ، هذا من أجلِ زَواجِهِ من فَتاةٍ رَفَضَها أبَواهُ، وهذهِ من أجلِ زَواجِها من شَابٍّ رَفَضَهُ أبَواها، وهذا من أجلِ صَديقٍ حَذَّرَهُ أبَواهُ من صُحبَتِهِ، وهذا وهذا .....

يا أيُّها الأبناءُ والبَناتُ، كونوا على يَقينٍ بأنَّهُ من تَرَكَ شَيئاً لله تعالى عَوَّضَهُ اللهُ تعالى خَيراً منهُ.

﴿وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾:

يا عباد الله، قولوا لمن وَقَعَ في العُقوقِ، وأدمَعَ أعيُنَ وَالِدَيهِ: لقد جَعَلتَ لِنَفسِكَ رَصيداً أسوَداً عِندَ الله عزَّ وجلَّ، واعلَمْ بأنَّ الجَزاءَ من جِنسِ العَمَلِ.

قولوا لهُ: والله إنْ وَقَعتَ لن تَجِدَ مُتَّكَأً، لأنَّكَ خَالَفتَ أمرَ الله تعالى، وأمرَ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولأنَّكَ أنكَرتَ مَعروفَ أبَوَيكَ أيَّامَ طُفولَتِكَ، وأنكَرتَ الإحسانَ والمَعروفَ الذي قَدَّماهُ لكَ من سَاعَةِ الوِلادَةِ، إلى سَاعَةِ الحَملِ، إلى سَاعَةِ الوَضْعِ، إلى سَاعَةِ الرِّعَايَةِ والعِنَايَةِ، حتَّى أصبَحتَ قَوِيَّاً غَنِيَّاً عَنهُما، ولأنَّكَ نَسيتَ قَولَ الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

 يا عباد الله، كونوا على يَقينٍ بأنَّهُ لا أحَدَ لهُ فَضْلٌ عَلَيكُم من البَشَرِ بَعدَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أعظَمُ من فَضْلِ الأبَوَينِ، فلا تُنكِروا هذا الفَضْلَ بِسَبَبٍ تَافِهٍ.

يا عباد الله، كُلُّنا نَشكُو إلى الله تعالى هذهِ الأزمَةَ وهذا الكَربَ والضِّيقَ، وكُلُّنا على يَقينٍ بِقَولِهِ تعالى: ﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَة﴾. فهل نُعلِنُ تَوبَتَنا إلى الله تعالى من عُقوقِ الوَالِدَينِ؟

وهل يُسرِعُ العَاقُّ لِوَالِدَيهِ، وخاصَّةً في هذهِ الأزمَةِ، للاصطِلاحِ مَعَ وَالِدَيهِ، وهوَ يُقَبِّلُ أيدِيَهُما وأرجُلَهُما؟

يا عباد الله، ماذا يَقولُ العَاقُّ لِوَالِدَيهِ الذي أدمَعَ أعيُنَهُم لله عزَّ وجلَّ عِندَما يَلقاهُ؟

يا عباد الله، يَومُ عِيدِ الأُمِّ لَيسَ لمن رَبَّاهُ الإسلامُ، يَومُ عِيدِ الأُمِّ هوَ للعَاقِّينَ لآبائِهِم ولأُمَّهاتِهِم، هوَ لمن قَلَّدَ الشَّرقَ والغَربَ، لمن لم يَتَعَرَّفوا على أُمَّهاتِهِم إلا في يَومٍ وَاحِدٍ من أيَّامِ السَّنَةِ.

أمَّا الذي رَبَّاهُ الإسلامُ فهوَ البَارُّ بِوَالِدَيهِ في كُلِّ نَفَسٍ من أنفاسِ حَياتِهِ، سَواءٌ كانَا على قَيْدِ الحَياةِ أو بَعدَ المَمَاتِ.

اللَّهُمَّ اجعَلْنا بَرَرَةً بآبائِنا وأُمَّهاتِنا في سائِرِ أحوالِنا، وفَرِّجْ عنَّا ما نَحنُ فيهِ بِبَرَكَةِ رِضَاهُما عنَّا. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 20/جمادى الأولى/1435هـ، الموافق: 21/آذار/ 2014م

 2014-03-21
 22803
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 193 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 193
12-04-2024 879 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 879
09-04-2024 603 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 603
04-04-2024 708 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 708
28-03-2024 625 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 625
21-03-2024 1114 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1114

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413629567
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :