أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

4925 - حكم الوصية

27-02-2012 46 مشاهدة
 السؤال :
هل الوصيَّة سنَّةٌ مؤكَّدةٌ أم مُستحبَّةٌ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 4925
 2012-02-27

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ إلى أَنَّ الوَصِيَّةَ بِجُزْءٍ مِنَ المَالِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى المُسْلِمِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ وَصِيَّةٌ، وَلَمْ يُنقَلْ لِذَلِكَ نَكِيرٌ، وَلَو كَانَتْ وَاجِبَةً لَنُقِلَ عَنْهُمْ نَقْلًا ظَاهِرًا.

وَلِأَنَّ الوَصِيَّةَ عَطِيَّةٌ، وَالعَطِيَّةُ لَا تَجِبُ في حَالِ الحَيَاةِ، فَكَيْفَ تَجِبُ بَعْدَ الوَفَاةِ؟

وَلَكِنْ قَالَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ بِأَنَّ الوَصِيَّةَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَتَكُونُ بِجُزْءٍ مِنَ المَالِ بِحَيْثُ لَا تَتَجَاوَزُ ثُلُثَ التَّرِكَةِ، لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا، قَالَ تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾. فَنُسِخَ الوُجُوبُ، وَبَقِيَ الاسْتِحْبَابُ في حَقِّ مَنْ لَا يَرِثُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَابْنَ آدَمَ، اثْنَتَانِ لَمْ تَكُنْ لَكَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، جَعَلْتُ لَكَ نَصِيبًا مِنْ مَالِكَ حِينَ أَخَذْتُ بِكَظَمِكَ لأُطَهِّرَكَ بِهِ وَأُزَكِّيَكَ، وَصَلَاةُ عِبَادِي عَلَيْكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: بِكَظَمِكَ: أَيْ عِنْدَ خُرُوجِ نَفَسِهِ وَانْقِطَاعِهِ، فَالكَظَمُ: هُوَ مَخْرَجُ النَّفَسِ مِنَ الحَلْقِ.

وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالوَصِيَّةُ بَعْدَ المَوْتِ لَيْسَتْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَوْعِبَ المُوصِي الثُّلُثَ مِنْ مَالِهِ بِالوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

بَلْ صَرَّحَ الفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ تُسْتَحَبُّ الوَصِيَّةُ إِذَا كَانَ الوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ، أَمَّا إِذَا كَانَ المَالُ قَلِيلًا، وَالوَرَثَةُ مُحْتَاجُونَ فَالمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُوصِيَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ إِنْ تَرَكْتَ وَلَدَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلِقَوْلِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ: (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ طَائِلًا، إِنَّما تَرَكْتَ شَيْئًا يَسيرًا، فَدَعْهُ لِوَرَثَتِكَ). هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
46 مشاهدة
الملف المرفق