أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

5882 - التوفيق بين أول سورة المزمل وآخرها

03-06-2013 59444 مشاهدة
 السؤال :
في مطلع سورة المزمل أمر وتكليف بقيام الليل، وفي آخرها يستفاد منه أن بعض الصحابة كانوا يقومون الليل، فكيف يوفق بين أول السورة وآخرها؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 5882
 2013-06-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد أخرج الإمام مسلم عن سَعْد بْن هِشَامِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قُلْتُ لعائشة: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾؟

قُلْتُ: بَلَى.

قَالَتْ: فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً، وَأَمْسَكَ اللهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً فِي السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعاً بَعْدَ فَرِيضَةٍ.

واتَّفَقَ الفقهاءُ على سُنِّيَّةِ قِيامِ اللَّيلِ في حَقِّ الأمَّةِ، وذلك لما روى الحاكم والترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عن الْإِثْمِ».

أمَّا في حَقِّ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقد ذَهَبَ الكثيرُ من الفقهاءِ إلى فَرضِيَّةِ قِيامِ اللَّيلِ في حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وذلكَ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَريضَةٌ ولَكُم سُنَّةٌ: الوِترُ ، والسِّواكُ، وقِيامُ اللَّيلِ» رواه الطبراني في الأوسط عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها.

وبناء على ذلك:

فقد كانَ قِيامُ اللَّيلِ فَرضاً في حَقِّ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وفي حَقِّ الأمَّةِ، ثمَّ نُسِخَ ذلكَ بقولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ واللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيم﴾. وهذا في حَقِّ الأمَّةِ، وأمَّا في حَقِّ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقد بَقِيَ فَرضاً، ويُؤَكِّدُ ذلكَ قولُهُ تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾. أي شيءٌ زائِدٌ على ما هوَ مَفروضٌ عليكَ، وليسَ معنى النَّافِلَةِ هُنا التَّطَوُّعُ. هذا ما قالَهُ بعضُ المفَسِّرينَ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
59444 مشاهدة