أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

477 - ما الحكمة من الابتلاءات؟

05-09-2007 10459 مشاهدة
 السؤال :
إذا وقع عبد في البلاء وكان هو السبب لعدم معرفته بالتصرف أو بعده عن الشريعة، فهل نقول إنه هو السبب أم الله له الحكمة في امتحان الناس الذين من حوله حتى يكونوا في عون أخيهم وليس بسبب القرابة؟ وماذا يترتب على الزوجة والأخ وكل من حوله تجاهه إذا كان هذا البلاء يضر بمالهم وحقوقهم؟ وجزاكم الله كل الخير
 الاجابة :
رقم الفتوى : 477
 2007-09-05

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالعبد ما خلق في الحياة الدنيا إلا للاختبار والابتلاء قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور} وقال تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.

والمصيبة التي تقع على العبد إما بكسب يده قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}، وإما ابتلاء من الله تعالى، قال جل شأنه: {ألم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}.

ففي الحالة الأولى تكون المصيبة تطهيراً للسيئات لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه) رواه البخاري. وإذا ما صبر عليها جازاه الله جزاء الصابرين الذي قال فيه: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} وقال فيه: {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.

وفي الحالة الثانية يكون الاختبار والابتلاء من أجل تمحيص الإيمان قال تعالى: {ليميز الله الخبيث من الطيب} وقال: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} ويكون من أجل الترقية ورفع الدرجات لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سبقت للعبد من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبَّره حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له منه) رواه أحمد وأبو داود.

وبناء على ذلك:

فإن العبد الذي تقع عليه المصائب لسوء تصرفه، هذا يكون جزاء وفاقاً، لأنه ينبغي للعبد المؤمن أن يتقن عمله، ومن إتقان العمل العلم الكامل بالعمل الذي يقوم به، فعليه أن يتقن عمله بالعلم أولاً ثم العمل.

وإن كانت المصائب تقع عليه لبعده عن الشريعة هذا يكون من باب قوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} ومن باب قوله تعالى: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون} ومن باب قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى} ومن حياة الضنك الابتلاءات.

وعلى العبد المصاب أن يرجع إلى الله تعالى ويتضرع إليه لكشف ما به من سوء، ولا يلتفت إلى الخلق الذين من حوله أقرباء أو أباعد لأن الله يريد من العبد أن يرجع إليه وأن يقف على بابه وأن يحاسب نفسه:

1ـ هل هو مقصر في حق الله تعالى؟

2ـ هل هو أتى بالطاعة على الوجه الذي ينبغي؟

3ـ هل يقابل نعمة الله تعالى بالشكر أم بكفران النعمة؟

4ـ هل يستخدم نعمة الله في طاعة الله أم في معصية الله؟

لذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}) رواه الترمذي وابن أبي شيبة.

وكتب سيدنا عمر رضي الله عنه إلى بعض عماله: (أن حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإنه من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد مرجعه إلى الرضى والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والحسرة، فتذكر ما توعظ به لكيما تنتهي عما تنهى عنه، وتكون عند التذكرة والعظة من أولي النهى).

وأخيراً أقول لك أخي الكريم:

لا تفكر بما يترتب على الزوجة والأب والأخ والقريب تجاه صاحب المصيبة، ولكن فكر كيف يرجع العبد المصاب إلى الله تعالى مصطلحاً معه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) رواه مسلم.

نسأل الله لنا ولكم العفو والعافية، آمين.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
10459 مشاهدة