أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8672 - ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾

05-02-2018 2467 مشاهدة
 السؤال :
في قوله تعالى: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾. ألا يدل على أن سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قد يجتهد ويخطئ، ولا يقره الله تعالى على الخطأ، بل يصوب له؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8672
 2018-02-05

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾. لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ الإِذْنَ لَهُمْ بِعَدَمِ الخُرُوجِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الآيَتَانِ السَّابِقَتَانِ لِهَذِهِ الآيَةِ، وَهُمَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافَاً وَثِقَالَاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كَانَ عَرَضَاً قَرِيبَاً وَسَفَرَاً قَاصِدَاً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.

المُؤْمِنُ الصَّادِقُ عِنْدَمَا يَسْمَعُ قَوْلَهُ تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافَاً وَثِقَالَاً﴾. لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنِ الجِهَادِ، وَمُسْتَحِيلٌ وَأَلْفُ مُسْتَحِيلٍ أَن يُقَدِّمَ الأَعْذَارَ لِيَتَخَلَّفَ، حَتَّى وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَعْذَارٌ حَقِيقِيَّةٌ، بَلْ سَيُحَاوِلُ إِخْفَاءَهَا عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَخْرُجَ مَعَهُ مُجَاهِدَاً.

كَيْفَ يُفَكِّرُ المُؤْمِنُ الصَّادِقُ بِالأَعْذَارِ، وَهُوَ يَسْمَعُ قَوْلَهُ تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافَاً وَثِقَالَاً﴾. أَمْرٌ صَادِرٌ مِنَ اللهِ تعالى للجَمِيعِ، بِدُونِ اسْتِثْنَاءٍ، يَعْنِي كَمَا نَقُولُ نَحْنُ: نَفِيرٌ عَامٌّ؟

فَمَنِ اسْتَأْذَنَ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ كَانَ دَلِيلَاً عَلَى نِفَاقِهِ وَعَدَمِ صِدْقِهِ في الإِيمَانِ، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ الحَقُّ سُبْحَانَهُ وتعالى بِقَوْلِهِ عَنْ هَؤُلَاءِ الذينَ اسْتَأْذَنُوا: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضَاً قَرِيبَاً وَسَفَرَاً قَاصِدَاً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾. هَذَا أولاً.

ثانياً: قَوْلُهُ تعالى: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾. لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ في الإِذْنِ لَهُمْ بِعَدَمِ الخُرُوجِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ، الآيَاتُ التي تَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ، قَالَ تعالى بَعْدَهَا: ﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالَاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾.

فَأَيْنَ خَطَأُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الإِذْنِ لَهُمْ بِعَدَمِ الخُرُوجِ، وَهُمْ يَحْلِفُونَ بِاللهِ كَذِبَاً بِقَوْلِهِمْ: ﴿لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾؟

أَيْنَ الخَطَأُ في الإِذْنِ لَهُمْ بِعَدَمِ الخُرُوجِ وَهُمُ الذينَ اتَّفَقُوا عَلَى الاسْتِئْذَانِ، وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اسْتَأْذِنُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَذِنَ لَكُمْ فَاقْعُدُوا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ فَاقْعُدُوا؟

وبناء على ذلك:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾. لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ في اجْتِهَادِهِ، ثُمَّ صَوَّبَهُ اللهُ تعالى؛ وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ، نَقُولُ لَهُ: أَيْنَ تَصْوِيبُ اللهِ تعالى لَهُ بَعْدَ الخَطَأِ الذي صَدَرَ مِنْهُ ـ حَاشَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ؟

بَلْ عَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامَاً، جَاءَتِ الآيَاتُ مُصَدِّقَةً لِمَا فَعَلَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالَاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.

لَقَدْ هُدِيَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى الإِذْنِ لَهُمْ بِعَدَمِ الخُرُوجِ بِنُورِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ الإِذْنُ لَهُمْ مُوَافِقَاً لِمَا في عِلْمِ اللهِ تعالى، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ.

وَلَكِنْ هَذَا دَرْسٌ للأُمَّةِ، لِأَنَّ الأُمَّةَ غَيْرُ مَعْصُومَةٍ، فَإِذَا كَانَ الحَقُّ جَلَّ جَلَالُهُ قَالَ للمَعْصُومِ: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾. مَعَ أَنَّهُ صَدَّقَ فِعْلَهُ، وَصَدَّقَ إِذْنَهُ لَهُمْ، فَغَيْرُهُ مِنَ الأُمَّةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى، حَتَّى لَا يَتَعَامَلُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ إِلَّا حَسْبَ الظَّاهِرِ، فَلَا يَدَّعِي أَحَدُهُمْ أَنَّهُ رَأَى بِنُورِ اللهِ تعالى، وَأَنَّهُ أُلْهِمَ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا بِدُونِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2467 مشاهدة