73ـ نحو أسرة مسلمة: القرار هو سرُّ النجاح(1)

73ـ نحو أسرة مسلمة: القرار هو سرُّ النجاح(1)

 

مقدمة الدرس:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد عرفنا في الدرس الماضي بأنَّ الأمَّ المثالية هي التي تجعل من زوجات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قدوة لها، لأن الله تعالى خاطب نساء النبي صلى الله عليه وسلم ببعض التكليفات، وقال لهنَّ في آخر التكليف: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.

وعرفنا في الدرس الماضي بأن أول وسيلة من وسائل التطهير هو عدم خضوع القول مع الرجل الأجنبي، فإذا ما سُئلت امرأة من قبل رجل أجنبي عنها من وراء حجاب، وذلك لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}. فإنها تجيبه بدون خضوع بالقول، ليس اتهاماً لها، بل خوفاً عليها من صاحب القلب المريض أن يطمع فيها. تكلمنا عن ذلك مفصَّلاً.

واليوم ننتقل إلى التكليف الثاني الذي كلَّف الله تعالى به نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللواتي هن قدوة صالحة لنساء المؤمنين، ولكلِّ من أرادت أن يكون لها حظٌّ من التطهير.

مخادعة يجب التحذير منها:

قبل الحديث عن الوسيلة الثانية التي هي من وسائل التطهير أقول أيها الإخوة: هناك من يخادع المرأة المسلمة فيقول: هذه الأوامر والنواهي المتعلِّقة بالنساء ـ وخاصة في سورة الأحزاب ـ هي خاصة بأمهات المؤمنين، وليست عامة لنساء المؤمنين.

كأن هؤلاء يقولون: إن الله تعالى نهى الرجال عن الحديث مع أمهات المؤمنين إلا من وراء حجاب بقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من أجل سلامة قلوب أمهات المؤمنين وقلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أما بقية الرجال والنساء إلى قيام الساعة فلا حرج من الحديث معهنَّ والجلوس إليهنَّ، لأن الله تعالى أراد طهارة قلوب الصحابة وأمهات المؤمنين فقط. هل يقول هذا الكلام إنسان فيه ذرة عقل؟

كأن هؤلاء يقولون: قوله تعالى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}. هذا خاصٌّ بأمهات المؤمنين دون غيرهنَّ من النساء، فلا حرج من خضوع القول من المرأة ولو طمع فيها صاحب القلب المريض، أيُّ عقل عند هذا الذي يقول هذا الكلام؟

وبكلِّ أسف أيها الإخوة هناك من طلاب العلم وممن يزعمون أنفسهم أنهم من العلماء يقولون هذا الكلام على أجهزة الإعلام، وما ذاك إلا لإضلال المسلمين عن الهدي المستقيم، وخدمة منهم لدعاة الضلالة الموجودين في كل عصر وزمان. فكونوا على حذر من هذا الهراء الذي لا يقبله صاحب عقل سليم حريص على طهارة المجتمع.

{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}:

أيها الإخوة الكرام: هذا تكليف آخر لأمهات المؤمنين، وَمِن ورائهنَّ نساء المؤمنين، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}. إشارة لطيفة من الله تعالى إلى أن يكون البيت هو الأصل في حياتهنَّ، وهو المقرُّ لهنَّ، وما عداه هو استثناء طارئ، لا يُكثِرْنَ منه، ولا تخرج المرأة من بيتها إلا لحاجة يتعيَّن عليها قضاؤها، وأن يكون الخروج بمقدار الحاجة بدون زيادة.

وليس من ملازمة المرأة لبيتها ما يغضُّ من قدرها، أو ينتقص من كرامتها، كما يحاول البعض من أهل الأهواء والشهوات أن يصوِّر ذلك للمرأة المسلمة، فما دام المنزل هو المكان الأساسي لممارسة نشاطها، فمن الطبيعي أن تكون مُلازمتها له شرطاً من شروط نجاحها في مهماتها، كما أنه من الطبيعي أن يمكث صاحب العمل في مكان عمله أطول فترة ممكنة، وكلما طالت تلك الفترة كانت أعون على النجاح وأدعى له.

وهذا الأمر من المسلمات عند جميع العقلاء، فنحن نرى الناجح في تجارته أو عمله الوظيفي هو الذي يكثر من ملازمته لمكان عمله، أما العامل الذي لا يستقرُّ في عمله إلا الوقت اليسير ففي الغالب الأعم يكون فاشلاً.

لو سألتَ صاحبَ العمل أو صاحبَ الوظيفة: لماذا أنت تجعل لنفسك حاجباً ـ أو ما يقال عنه سكرتير ـ يردُّ على الهاتف ولا يُدخل إلى مكتبك أحداً إلا بعد الإذن؟

الجواب: هو الحرص على العمل، والكثير يكتب على باب مكتبه أو أمام طاولته: الواجبات أكثر من الأوقات، المكان للعمل، الرجاء عدم إطالة الزيارة، لماذا هذا؟ حرص على الوقت وحتى يكون ناجحاً في عمله.

وهذا الأمر بدون نكير عند جميع العقلاء، فلماذا ينكر البعض أمر الله تعالى للنساء بالقرار بالبيوت، مع العلم بأنَّ مهمتهنَّ من أعظم المهام؟ كما قال الشاعر:

الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق

فالأم الحريصة على نجاحها في حياتها الزوجية لا يسعها إلا أن تسمع أمر الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}. ولتتعلم المرأة بأن القرار في مكان العمل هو سرُّ نجاح العامل في عمله.

لا يجوز أن تقارن المرأة نفسها بالمرأة الغربية:

أيها الإخوة الكرام: لا يجوز للمرأة المسلمة أن تقارن نفسها بالمرأة الغربية التي تخرج من بيتها رغماً عن أنفها حتى تعيش، فهي إن لم تخرج للعمل لا تأكل، سواءً أكانت بنتاً أو زوجة أو أماً، المرأة المسلمة عندما ألزمها ربنا بالقرار في البيت ضمن لها نفقتها، فأوجبها على الأب أولاً إذا كانت بنتاً، فالبنت تَقرُّ في بيتها لتتعلم من أمها كيف تكون زوجة صالحة في المستقبل، أما إذا كانت زوجة فأوجب النفقة على الزوج حتى تقوم بواجباتها في بيتها، وإذا صارت أماً لا زوج لها فأوجب النفقة على أولادها مكافأةً لها على خدمتها.

لذلك لا يجوز للمرأة المسلمة أن تقارن نفسها بالمرأة الغربية التي ما عرفت هذا الإكرام من دين الله عز وجل، وصدق الله القائل: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}؟

النفقة واجبة على الزوج:

أيها الإخوة: كما قلنا النفقة واجبة على الزوج نحو زوجته، وعلى المرأة أن تقوم بعملها داخل بيتها ولا يجوز لها أن تبرِّر لنفسها الخروج من مكان عملها في بيتها بقصد العمل.

أنا أضرب لكم مثلاً أيها الإخوة: الموظف أو العامل عندما يُلزِمه المدير أو ربُّ العمل بعمل (ما) يضمن الآمر النفقةَ الكافيةَ لهذا العامل، فإذا لم يضمن له ذلك فمن الطبيعي أن لا يلتزم العامل بعمله في مكان عمله.

لذلك ربنا عز وجل ضمن النفقة للزوجة من قبل زوجها حين ألزمها ربنا بالقرار بالبيت، وذلك من أجل التفرُّغ للقيام بمهمتها.

{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}:

أيها الإخوة: كلٌ له وظيفته، قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}.

كل واحد له عمل، وكل عمل له مكان، فعمل الرجل خارج البيت، {يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ}. وعمل المرأة داخل البيت، {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}.

النقص كلُّ النقص في الرجل إذا جلس في البيت، والنقص كلُّ النقص في المرأة إذا خرجت من البيت، كمال الرجل خارج البيت، وكمال المرأة داخل البيت، كما أن جمال الليل في ظلامه، وجمال النهار في ضيائه.

فمن أتقن عمله في مكان عمله أعتق نفسه من نار جهنم، ومن ضيَّع عمله بسبب تركه لمكان عمله فقد أهلك نفسه، يقول صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا) رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري.

فهل باعت المرأة نفسها لله تعالى فامتثلت أمره فأَعتقت نفسها من نار جهنم، أم باعت نفسها للشرق والغرب أو للأهواء والشهوات فأوبقت نفسها ـ فأهلكتها ـ كما هو شأن المرأة الغربية التي خسرت الدنيا والآخرة؟

{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}. اعبد الله يا أيها الإنسان من خلال ما أقامك الله تعالى، في أي شيء أقامَكَ الله؟ فاعبد الله من خلال ذلك.

ما هي وظيفة المرأة؟

أيها الإخوة الكرام: عندما يقول الله تعالى للنساء: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}. يجب على المرأة أن تعلم ما هي وظيفتها إذا قَرَّت في بيتها.

لتتذكر المرأة قول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}. فهي السكن لزوجها، هي التي تهيئ الجوَّ المريح لزوجها إذا رجع إلى بيته وهو مثقل بالأتعاب لتنسيه أتعابه وهمومه، وتوفِّر له الجوَّ المريح من أجل استئناف العمل في اليوم الثاني.

المرأة التي تعمل وتكثر الخروج من البيت فهي مكدودة بالعمل ومرهقة، ومقيدة بمواعيده، والعملُ يستغرق طاقتها، فهل يمكن أن تهب هذه المرأة للبيت جوَّه وعِطره وسعادته وراحته؟ هذه المرأة لا تزيد البيت إلا إرهاقاً وكلالاً وملالاً.

كم من امرأة كانت سبباً في انحراف زوجها عن جادة الصواب عندما كانت تهمل زوجها أشدَّ الإهمال بسبب الإرهاق والتعب الذي يصيبها بسبب خروجها من البيت؟ وهي نسيت أو تناست قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا) رواه ابن ماجه عن عبد الله بن أبي أوفى.

فقرار المرأة في بيتها يهيئ للزوج الراحة، وتكون عوناً له على تنفيذ مهامه على الشكل المطلوب، لأن الرجل كلما كان مرتاحاً في بيته عظمت نتائجه خارج بيته وضاعف إنتاجه، لذلك قالوا: وراء كلِّ رجل عظيم امرأة.

نحن نلاحظ إنساناً يقدِّم جهداً للأمة على سبيل المثال كتاب، فإذا به يجعل في مقدمة الكتاب إهداء لزوجته، وما ذاك إلا لحسن تبعُّلها مع زوجها، ولقرارها في بيتها حيث هيَّأت السكن له، وكانت عوناً له على القيام بما كُلِّف به.

فقرار المرأة في بيتها هو سرُّ نجاحها في حياتها الزوجية، وإني لا أريد أن أضرب أمثلة عن حياة المرأة التي تعمل خارج بيتها كيف هي حياتها الزوجية.

فخروج المرأة من بيتها يتعبها، فإذا تعبت أرادتِ البيتَ من أجل السكن والراحة، والرجل يخرج من بيته فإذا تعب أراد البيت من أجل السكن والراحة، فمن الذي يحقق السكن والراحة للآخر؟ هل هذا أمر طبيعي في الحياة الزوجية؟ ربنا الذي خلق كلَّ شيء، وهدى كل مخلوق لوظيفته وألزمه فيها، فوظيفة المرأة القرار في بيتها لتحقِّق السكن لزوجها: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}.

فإذا خرج كلٌّ من الزوجين باء البيت بالفشل والدمار، وضاعت الأسرة التي هي نواة المجتمع بصلاحها صلح المجتمع وبفسادها فساد المجتمع.

السيدة خديجة رضي الله عنها أروع مثال للمرأة المسلمة:

أيها الإخوة الكرام: السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها هي سيدة كانت في قلب الحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنها عندما دخلت بيت الحبيب العظم صلى الله عليه وسلم قامت رضي الله عنها بواجبها كاملاً نحو زوجها الحبيب، فملأت أيامه سعادة وهناء، تتحسَّس مراضيه فتسارع إليها، فتجعل نفسها ومالها وحياتها وكلَّ ما تملك ومن تملك موقوفاً على راحته، مبذولاً في حبِّه، فلا شيء عندها أعزُّ من بسمة رضا تراها ترفُّ على وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم.

عندما حُبِّب إليه صلى الله عليه وسلم الخلوة، وصار يتَّجه إلى غار حراء يعتكف متأمِّلاً ويتعبَّد متبتِّلاً، فلم تعاتبه على غيابه، ولم تسأله عن ذهاب وإياب، ولم يكن موقفها في هذا موقف الراضي المستسلم فحسب، وإنما موقف المعين المدعِّم، تجهِّز له وتُعدُّ ما يحتاجه في خلوته تلك.

المرأة المسلمة عندما ابتعدت عن جادة الإسلام سوكاً وعملاً، ورضيت من الإسلام بالانتماء فقط، هي التي تجعل البيت شقاءً وجحيماً من خلال التحقيق الذي تجريه مع زوجها إذا غاب عن البيت، أين ذهبت؟ ومع من تكلَّمت؟ ومع من التقيت؟ أعطيني جهاز الجوال لأرى الرسائل.....

هل هذه زوجة مسلمة تحقِّق السكن لزوجها؟ أم أنها زوجة ما عرفت من الإسلام إلا اسمه، وهي تنظر إلى المسلسلات والأفلام التي تشكِّك الزوجات في أزواجهنَّ بسبب الخيانات الزوجية؟

أيها الإخوة: المرأة المسلمة هي التي تحقِّق السكن لزوجها إذا عاد إلى بيته، ولا تعاتبه في غيابه وخاصة إذا كانت تعلمه أنه من أصحاب الصلاح والاستقامة، ومن الذين لا يعرفون إلا تقوى الله تعالى.

وأما إن كان زوجها ليس من أهل التقوى والصلاح فيجب عليها أن تتحمَّل هي ووليُّ أمرها سوء الاختيار، حيث أرشد نبينا صلى الله عليه وسلم أولياء البنات إلى اختيار صاحب الدين والخلق بقوله: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.

فالسيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها كانت واثقة من الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم أعظم ثقة، وكانت مقابل هذا تبذل كل ما تملك وَمَنْ تملك في خدمته، هذا قبل نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم.

أما عندما جاءه الوحي، وقَدِمَ إلى بيته الذي هو سكن له، وكان فؤاده صلى الله عليه وسلم يرتجف، وقال لها: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ: أَيْ خَدِيجَةُ، مَا لِي؟ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، قَالَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي) رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها.

فكان جوابها الذي صَبَّ في وجدانه السكينة، وغشَّاه بالطمأنينة: (كَلا أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ) رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها.

أين هذا الفقه في نسائنا؟

انظروا أيها الإخوة إلى فقه السيدة خديجة رضي الله عنها، عندما أقسمت بالله بأن الله تعالى لا يخزي النبي صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا لكونه كان من أهل المعروف، لأنه كان يصل الرحم، ويَصْدُق الحديث، ويحمل الكَلَّ، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق.

أين هذا الفقه في نسائنا؟

اليوم تقسم أحياناً المرأة لزوجها بأن الله تعالى لا يخزي زوجها، وهي تعلم أنه قاطع للرحم، وهي التي تحرِّضه على ذلك. وهي تعلم بأنه لا يصدق الحديث وهي التي تعينه على ذلك. فضلاً عن بقية صفات الكمال.

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

أيها الإخوة: وأخيراً أقول: من أرادت سعادة الدنيا وسعادة الآخرة من النساء المسلمات فلا يسعها إلا أن تقول لأوامر الله تعالى: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير}. وأن لا تكون ممن قالت: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}.

وأذكِّر نفسي وكل أخت في الله بقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا}.

طاعة لله تعالى مطلقة بلا حدود، وطاعة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقة بلا حدود، وأوامر الله تعالى لا تناقش من قبلنا، لأنه ليس بوسع الناس جميعاً أن يردُّوا على شرع من الله تعالى خالقِ كلِّ شيء.

فالسعيد من قال: سمعت وأطعت، والشقي من قال: سمعت وعصيت، ولعلنا نرجع إلى الحديث هذا مرة ثانية في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2010-02-03
 3239
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4138 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4138
21-01-2018 4994 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 4994
14-01-2018 3592 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3592
08-01-2018 4179 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4179
31-12-2017 4208 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4208
24-12-2017 3993 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 3993

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412716690
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :