33ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: وصية الزهراء رَضِيَ اللهُ عَنها

33ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: وصية الزهراء رَضِيَ اللهُ عَنها

 

مع الصحابة و آل البيترَضِيَ اللهُ عَنهُم

33ـ وصية الزهراء رَضِيَ اللهُ عَنها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: بَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لَمْ يَطُلْ مُقَامُ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها في الدُّنْيَا كَثِيرَاً، حَيْثُ وَقَعَتْ رَضِيَ اللهُ عَنها في المَرَضِ الذي تَوَفَّاهَا اللهُ تعالى بِهِ.

وهذهِ سُنَّةُ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ، حَيْثُ جَعَلَ وُجُودَنَا في الحَيَاةِ الدُّنْيَا مُؤَقَّتَاً، قَالَ تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾. والأَمْرُ في هذا سِيَّانِ لأَهْلِ الإِيمَانِ ولأَهْلِ الكُفْرِ، للصَّالِحِينَ وللطَّالِحِينَ، والمُسْتَقَرُّ هُوَ في الآخِرَةِ ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾.

زَوْجَةُ الصِّدِّيقِ هِيَ المُمَرِّضَةُ للسَّيِّدَةِ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَتْ زَوْجَةُ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ السَّيِّدَة أَسْمَاءُ بْنِتُ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما تُمَرِّضُ السَّيِّدَةَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها في مَرَضِ مَوْتِهَا، وكَانَتْ مَعَهَا حَتَّى الأَنْفَاسِ الأَخِيرَةِ، وَشَارَكَتْ في غَسْلِهَا وَتَرْحِيلِهَا إلى مَثْوَاهَا، وَقَد وَصَّتْهَا بِوَصَايَا في كَفَنِهَا وَدَفْنِهَا وَتَشْيِيعِ جَنَازَتِهَا، فَعَمِلَتْ أَسْمَاءُ بِهَا.

فَقَد قَالَتِ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ لِأَسْمَاءَ: إِنِّي قَد اسْتَقْبَحْتُ مَا يُصْنَعُ بالنِّسَاءِ، إِنَّهُ يُطْرَحُ على المَرْأَةِ الثَّوْبُ فَيَصِفُهَا.

فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، أَلَا أُرِيكِ شَيْئَاً رَأَيْتُهُ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ، فَدَعَتْ بِجَرَائِدَ رَطْبَةٍ فَحَنَتْهَا ثمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثَوْبَاً.

فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا أَحْسَنَ هذا وَأَجْمَلَهُ! بِهِ تُعْرَفُ المَرْأَةُ من الرِّجَالِ.

وقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: إِنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها أَوَّلُ من غُطِّيَ نَعْشُهَا في الإِسْلَامِ، ثمَّ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ.

وَصِيَّةُ السَّيِّدَةِ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنها:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَوْصَتِ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ زَوْجَهَا سَيِّدَنَا عَلِيَّاً بِثَلاثِ وَصَايَا في حَدِيثٍ دَارَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ وَفَاتِهَا.

قَالَتِ الزَّهْرَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنها: يَا ابْنَ عَمِّ، إِنَّهُ قَد نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَإِنَّنِي لا أَرَى حَالِي إلا أَنَّنِي لَاحِقَةٌ بِأَبِي سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، وَأَنَا أُوصِيكَ بِأَشْيَاءَ في قَلْبِي.

فَقَالَ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: أَوْصِينِي بِمَا أَحْبَبْتِ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهَا وَأَخْرَجَ مَن كَانَ في البَيْتِ؛ فَقَالَتْ رَضِيَ اللهُ عَنها: يَا ابْنَ العَمِّ، مَا عَهِدْتَنِي كَاذِبَةً ولا خَائِفَةً، ولا خَالَفْتُكَ مُنْذُ عَاشَرْتَنِي.

فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: مَعَاذَ اللهِ! أَنْتِ أَعْلَمُ باللهِ تعالى، وَأَبَرُّ وَأَتْقَى وَأَكْرَمُ وَأَشَدُّ خَوْفَاً مَن اللهِ تعالى، وَقَد عَزَّ عَلَيَّ مُفَارَقَتُكِ وَفَقْدُكِ إلا أَنَّهُ أَمْرٌ لا بُدَّ مِنْهُ، واللهِ لَقَد جَدَّدَ عَلَيَّ مُصِيبَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَجَلَّ فَقْدُكِ، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

ثُمَّ بَكَيَا، وأَخَذَ عَليٌّ رأسَهَا بَينَ يدَيهِ وَقَالَ: أَوصِينِي بِمَا شِئْتِ

وَقَد أَوْصَتِ الزَّهْرَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنها عَلِيَّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ بِثَلَاثٍ:

أولاً: أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمَامَةَ بِنْتِ العَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَبِنْتِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

وفي اخْتِيَارِهَا لِأُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: إِنَّهَا تَكُونُ لِوَلَدِي مِثْلِي في حُنُوَّتِي وَرُؤُومَتِي.

وفِي رِوَايَةٍ: إنَّهَا بِنتُ أُختِي وتَحنُو على وَلَدِي.

وَأُمَامَةُ هِيَ التي رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُهَا في الصَّلَاةِ.

ثانياً: أَنْ يُتَّخَذَ لَهَا نَعْشٌ وَصَفَتْهُ لَهُ، وَكَانَت التي أَشَارَتْ عَلَيْهَا بَهذا النَّعْشِ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنها، وَوَصْفُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِسَرِيرٍ ثمَّ بِجَرَائِدَ تُشَدُّ على قَوَائِمِهِ، ثمَّ يُغَطَّى بِثَوْبٍ.

ثالثاً: أَنْ تُدْفَنَ لَيْلَاً بالبَقِيعِ.

وَقَد نَفَّذَ عَلِيٌّ  كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ وَصِيَّتَهَا، فَحَمَلَهَا فِي نَعشٍ كَمَا وَصَفَتْهُ لهُ، ودُفِنَت بِالبَقِيعِ لَيلاً، وعُمِّيَ على مَوضِعِ قَبرِهَا بِقُبُورٍ أُخرَى تُجَاوِرُهَا.

وتَزَوَّجَ عَليٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ بِأُمَامَةَ بِنتِ أَبِي العَاص وَلَم يُنجِبْ مِنْهَا.

وَفَاةُ السَّيِّدَةِ الطَّاهِرَةِ البَتُولِ رَضِيَ اللهُ عَنها:

أيُّها الإخوة الكرام: عِنْدَمَا وَقَعَتِ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها في المَرَضِ الذي تَوَفَّاهَا اللهُ تعالى بِهِ، كَانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ دَائِمَ الاتِّصَالِ بِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، يَسْأَلُهُ عَن أَحْوَالِ السَّيِّدَةِ الطَّاهِرَةِ البَتُولِ بِنْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

وكَانَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُصَلِّي في المَسْجِدِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، وكُلَّمَا صَلَّى سَأَلَهُ الصِّدِّيقُ والفَارُوقُ: كَيْفَ حَالُ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟

ولَمَّا قُبِضَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها ارْتَجَّتِ المَدِينَةُ بالبُكَاءِ من الرِّجَالِ والنِّسَاءِ، وَدُهِشَ النَّاسُ كَيَوْمِ قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ يُعَزِّيَانِ عَلِيَّاً وَيَقُولَانِ: يَا أَبَا الحَسَنِ، لا تَسْبِقْنَا بالصَّلَاةِ على ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

وَقَد تُوُفِّيَتْ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ من رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى عَشَرَةَ، رَوَى ابْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: مَاتَتْ فَاطِمَةُ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ فَحَضَرَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ والزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُم.

فَلَمَّا وُضِعَتْ لِيُصَلَّى عَلَيْهَا، قَالَ عَلِيٌّ: تَقَدَّمْ يَا أَبَا بَكْرٍ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَأَنْتَ يَا أَبَا الحَسَنِ؟

قَالَ: نَعَم، فَوَاللهِ لا يُصَلِّي عَلَيْهَا غَيْرُكَ، فَصَلَّى عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَدُفِنَتْ لَيْلَاً.

وَجَاءَ في رِوَايَةٍ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعَاً.

وفي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: صَلَّى عَلَيْهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الرَّاجِحَةُ.

وَلَقَد أَجَادَ وَأَفَادَ مُحَمَّدُ إِقْبَال في قَصِيدَتِهِ العَصْمَاءِ (فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ) فَقَالَ:

نَــسَــبُ المَـسِـيـحِ بَـنَـى لِمَـرْيَـمَ سِـيـرَةً   ***   بَـقِيَتْ على طُولِ المَدَى ذِكْرَاهَا

والمَـجْـدُ يَـشْـرُفُ من ثَـلَاثِ مَــطَـالِـعٍ   ***   في مَــهْدِ فَــاطِـــمَةٍ فَمَا أَعْلَاهَا

هِيَ بِنْتُ مَن؟ هِيَ زَوْجُ مَن؟ هِيَ أُمُّ مَن؟   ***   مَن ذَا يُدَانِي في الفَـــخَــارِ أَبَاهَا

هِيَ وَمْـضَـةٌ من نُـورِ عَـيْـنِ المُـصْـطَفَى   ***   هَادِي الشُّعُوبِ إِذَا تَرُومُ هُــدَاهَا

مَن أَيْـقَــظَ الفِــطَــرَ الـنِّـيَـامَ بِـرُوحِـهِ   ***   وَكَأَنَّهُ بَـــعْدَ البِلَى أَحْيَــــاهَـــا

وَأَعَــــادَ تَــارِيـخَ الحَــيَــاةِ جَــدِيـدَةً   ***   مِثْلَ العَـــرَائِسِ في جَدِيدٍ حُلَاهَا

هِيَ أُسْـــوَةٌ للأُمَّـهَـاتِ وَقُـــــــــدْوَةٌ   ***   يَتَرَسَّمُ القَــــــــمَرُ المُنِيرُ خُطَاهَا

جَعَلَتْ من الصَّبْرِ الجَمِيلِ غِـــــــذَاءَهَا   ***   وَرَأَتْ رِضَا الزَّوْجِ الكَرِيمِ رِضَاهَا

إِلَى أَنْ قَالَ:

لَوْلَا وُقُوفِي عِنْدَ شَرْعِ المُصْطَفَى   ***   وَحُـدُودِ شِـرْعَتِـهِ وَنَحْنُ فِدَاهَا

لَمَضَيْتُ للتَّطْوَافِ حَوْلَ ضَرِيحِهَا   ***   وَغَمَرْتُ بالقُبُلَاتِ طِيبَ ثَرَاهَا

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: صَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾. وصَدَقَ الحَدِيثُ الشَّرِيفُ الذي رواه الحاكم عَن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَن أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ.

لَقَد عَادَتِ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها إلى التُّرَابِ الذي خُلِقَتْ مِنْهُ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مِثَالَ المَرْأَةِ الصَّالِحَةِ التَّقِيَّةِ النَّقِيَّةِ التي قَدَّمَتْ صَالِحَاً، وتَرَكَتْ نَسْلَ الحَبِيبِ الأَعْظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وضَرَبَتْ أَرْوَعَ مِثَالٍ للمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ مَعَ زَوْجِهَا في حُسْنِ أَخْلاقِهَا، وصَبْرِهَا على شَظَفِ العَيْشِ.

لَقَد ضَمَّ ثَرَى طَيْبَةَ جُثْمَانَ الطَّاهِرَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، كَمَا ضَمَّ جُثْمَانَ أَبِيهَا الحَبِيبِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وأَخَوَاتِهَا الثَّلاثِ زَيْنَبَ ورُقَيَّةَ وأُمَّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُنَّ.

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد عَادَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَحْزُونَ القَلْبِ، دَامِعَ العَيْنِ، بَعْدَ وَدَاعِ الحَبِيبَةِ الطَّاهِرَةِ الرَّاحِلَةِ، رَجَعَ إلى البَيْتِ فَاسْتَوْحَشَ فِيهِ، ثمَّ أَحَسَّ أَنَّ الدُّنْيَا على الزَّوَالِ.

وقَد أَثَّرَتْ فِيهِ وَفَاةُ سَيِّدِنَا المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ثمَّ وَفَاةُ السَّيِّدَةِ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنها، فَأَنْشَدَ قَائِلاً:

أَلا أَيُّهَا المَوْتُ الذي لَيْسَ تَارِكِي   ***   أَرِحْنِي فَقَد أَفْنَيْتَ كُلَّ خَلِيلِ

أَرَاكَ بَـصِـيرَاً بالـذيـنَ أُحِـبُّهُـم   ***   كَـأَنَّكَ تَـنْحُـو نَحْوَهُم بِدَلِيلِ

ثمَّ قَالَ:

أَرَى عِـلَلَ الـدُّنْيَا عَلَيَّ كَثِيرَةٌ     ***   وصَاحِبُهَا حَتَّى المَمَاتِ عَلِيلُ

لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ من خَلِيلَيْنِ فُرْقَةٌ    ***   وكُلُّ الذي دُونَ الفِرَاقِ قَلِيلُ

وإِنَّ افْتِقَادِيَ فَاطِمَاً بَعْدَ أَحْمَـدٍ   ***   دَلِـيلٌ على أَنْ لا يَـدُومُ خَلِيلُ

اللَّهُمَّ اجْمَعْنَا مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ومَعَ آلِ البَيْتِ وأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الخميس: 5/ذو القعدة /1435هـ، الموافق: 20/آب / 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1394 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1394
13-02-2020 1950 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1950
23-01-2020 2584 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2584
16-01-2020 989 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 989
09-01-2020 1326 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1326
03-01-2020 1022 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1022

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412686720
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :