أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

1477 - الرحم الذين تجب صلتهم

18-10-2008 40557 مشاهدة
 السؤال :
سؤالي هو حول موضوع صلة الرحم. هل إذا زرت الأرحام في عيد الأضحى وعيد الفطر السعيد أكون مؤدياً حق صلة الأرحام؟ ومن هم الأرحام الواجب صلتهم؟ يعني أعرف أن الخال أحد الأرحام، لكن هل يتبع الخال امرأته وأولاده أم فقط الخال؟ أريد الجواب منك مبيناً لي الواجب صلته والمستحب صلته؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 1477
 2008-10-18

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالحق سبحانه وتعالى أمرنا بصلة الأرحام، ومن وصل رحمه وصله الله، ومن قطع رحمه قطعه الله تعالى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} رواه البخاري ومسلم.

وروى مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ).

وحذَّرنا ربنا عز وجل تحذيراً شديداً من قطيعة الرحم، فقال: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم * أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.

وأخرج البخاري ومسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).

وروى ابن ماجه وأحمد عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ).

وروى مسلم عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ).

والرحم التي يجب وصلها هي الرحم المَحْرَم دون غيرها عند بعض الفقهاء، لأنه لو وجبت لجميع الأقارب لوجب صلة جميع بني آدم عليه السلام، وهذا متعذر، لذلك ضبطت بضابط قرابة الرحم المَحْرَم، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلا عَلَى خَالَتِهَا) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أبي داود: (لا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا، وَلا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، وَلا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا، وَلا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى).

ودرجات الصلة تتفاوت بالنسبة للأقارب، فهي في الوالدين أشدّ من المحارم، وليس المراد بالصلة أن تصلهم إذا وصلوك، لأن هذه مكافأة، بل أن تصلهم وإن قطعوك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا) رواه البخاري. وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ: فَقَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ). تُسِفُّهُم المَلَّ: قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: وَمَعْنَاهُ كَأَنَّمَا تُطْعِمهُمْ الرَّمَاد الْحَارّ، وَهُوَ تَشْبِيه لِمَا يَلْحَقهُمْ مِنْ الأَلَم بِمَا يَلْحَق آكِل الرَّمَاد الْحَارّ مِنْ الأَلَم، وَلا شَيْء عَلَى هَذَا الْمُحْسِن، بَلْ يَنَالهُمْ الإِثْم الْعَظِيم فِي قَطِيعَته، وَإِدْخَالهمْ الأَذَى عَلَيْهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّك بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ تُخْزِيهِمْ وَتُحَقِّرهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ لِكَثْرَةِ إِحْسَانك وَقَبِيح فِعْلهمْ مِنْ الْخِزْي وَالْحَقَارَة عِنْد أَنْفُسهمْ كَمَنْ يُسَفّ الْمَلّ. وَقِيلَ: ذَلِكَ الَّذِي يَأْكُلُونَهُ مِنْ إِحْسَانك كَالْمَلِّ يُحَرِّق أَحْشَاءَهُمْ.

وتحصل هذه الصلة بالزيارة، والمعاونة، وقضاء الحوائج، والسلام، لقوله صلى الله عليه وسلم: (بُلُّوا أرحامكم ولو بالسلام) رواه البيهقي في شعب الإيمان، وقال ابن حجر في المطالب العالية: إسناده حسن إلا أنه مرسل. كما تحصل بالكتابة إن كان غائباً، أو الاتصال الهاتفي، وكذلك ببذل المال وخاصة إذا كان القريب محتاجاً، وكان الواصل قادراً على بذل المال له، ويدخل في الصلة جميع أنواع الإحسان مما تتأتى به الصلة.

فمن وصل رحمَه في المناسبات بين الحين والآخر، ولم يكن هناك جفوة بينهما فتتحقَّق الصلة إن شاء الله تعالى.

أما زوجة الخال وزوجة العم فلسن من الأرحام لجواز نكاحهنَّ بعد طلاقهنَّ، أو بعد وفاة أزواجهنَّ.

وأما بنات الخال وبنات العم فمن الأرحام الذين تجب صلتهم عند جمهور الفقهاء، ويكون وصلهنَّ عن طريق الناس، لا مباشرةً لحل النكاح منهنَّ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
40557 مشاهدة