أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8609 - وَتَعَالَى جَدُّكَ

10-01-2018 2591 مشاهدة
 السؤال :
جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ. فهل كلمة جدك بفتح الجيم أم بكسرها؟ لأن هناك الكثير من يحذر من لفظها بالفتح، ويقولون بأن الجد هو أب الأب، فما هو الصواب في ذلك؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8609
 2018-01-10

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ، وَجَاءَتْ كَلِمَةُ جَدِّكَ بِالفَتْحِ لَا بِالـكَسْرِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ العُلَمَاءُ.

وروى الحاكم وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ».

يَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَقَوْلُهُ في دُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ: «وَتَعَالَى جَدُّكَ» مَفْتُوحَ الجِيمِ، أَيْ: ارْتَفَعَتْ عَظَمَتُكَ، وَقِيلَ: المُرَادُ بِالجَدِّ الغِنَى؛ وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ، وَلَمْ يَذْكُرِ الخَطَّابِيُّ إِلَّا العَظَمَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارَاً عَنِ الجِنِّ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾. أَيْ: عَظَمَتُهُ.

وَقَالَ البُهُوتِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كَشَّافِ القِنَاعِ: «وَتَعَالَى جَدُّكَ» بِفَتْحِ الْجِيمِ، أَيْ: عَلَا جَلَالُكَ، وَارْتَفَعَتْ عَظَمَتُكَ.

وَهَذَا مُؤَكَّدٌ عَلَيْهِ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رواه الإمام البخاري أَنَّ المُغِيرَةَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ (أَيْ: لَا يَنْفَعُ ذَا الغِنَى عِنْدَكَ غِنَاهُ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ العَمَلُ بِطَاعَتِكَ؛ وَمِنْكَ مَعْنَاهُ عِنْدَكَ. قَالَهُ الجَوْهَرِيُّ)». يَعْنِي: لَا يَنْفَعُ ذَا الحَظِّ وَالغِنَى وَالجَاهِ مِنْكَ حَظُّهُ وَغِنَاهُ وَجَاهُهُ. هذا، والله تعالى أعلم.

وبناء على ذلك:

فَلَفْظُ: «وَتَعَالَى جَدُّكَ» بِالفَتْحِ لَا بِالـكَسْرِ بِاتِّفَاقِ العُلَمَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ، وَمَعْنَى الجَدِّ بِالفَتْحِ: العَظَمَةُ.

وَإِن كَانَ لَفْظُ الجَدِّ يَأْتِي بِمَعنَى وَالِدِ الأَبِ،إِلا أَنَّهُ لَيسَ مَقصُودَاً بِذَلِكَ هُنا ،لِأَنَّ اللهَ تَعَالى مُنَزَّهٌ عَن ذَلِكَ فَلا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ.

وَمَن تَوَّهَمَ ذَلِكَ فَمَا هُوَ قَائِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾؟ فَهل نَسَبَت الآيةُ الكَرِيمَةُ الجَدَّ إِلى اللهِ تَعَالى؟تَعَالَى اللهُ عَن ذَلِكَ عُلُواً كَبِيراً

وَمَنْ قَالَ بِكَسْرِ الجيمِ عَامِدَاً مُتَعَمِّدَاً فَإِنَّهُ يُحَرِّفُ كَلَامَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الوَعِيدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنِ المُغِيرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ كَذِبَاً عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2591 مشاهدة