أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

968 - معنى قوله تعالى: {ولا تكن كصاحب الحوت}

22-03-2008 533 مشاهدة
 السؤال :
يقول الله تعالى مخاطباً لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}. ونحن نعلم بأن سيدنا يونس عليه السلام من الأنبياء،والله تعالى قال لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}. فكيف يكون التوفيق بين هاتين الآيتين؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 968
 2008-03-22

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمَعْنَى قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾. أَيْ: اصْبِرْ عَلَى قَضَاءِ رَبِّكَ، وَلَا يُوجَدْ مِنْكَ ضَجَرٌ وَلَا مُغَاضَبَةٌ فَتُبْتَلَى كَمَا ابْتُلِيَ يُونُسُ حِينَ ذَهَبَ مُغَاضِبًا عَلَى قَوْمِهِ، فَكَانَ مِنْهُ مَا كَانَ مِنْ رُكُوبِهِ البَحْرِ، وَالْتِقَامِ الحُوتِ لَهُ، وَشُرُودِهِ في البِحَارِ، وَنَدَمِهِ عَلَى مَا فَعَلَ، فَنَادَى رَبَّهُ في الظُّلُمَاتِ ـ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةِ البَحْرِ، وَظُلْمَةِ بَطْنِ الحُوتِ، وَهُوَ مَمْلُوءٌ غَيْظًا وَغَمًّا عَلَى قَوْمِهِ إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا لمَّا دَعَاهُمْ إلى الإِيمَانِ ـ فَقَالَ: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾. فَلَيْسَ فِيهِ تَعَارُضٌ مَعَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾. فَهَذِهِ الآيَةُ تَأْمُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبْرِ عَلَى قَوْمِهِ وَعَدَمِ الخُرُوجِ مِنْ بَلْدَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ تعالى، لِذَلِكَ مَا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ إِلَّا بَعْدَ إِذْنٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَقَدْ روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ» وَهُمَا الحَرَّتَانِ. فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَعَ إلى المَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إلى أَرْضِ الحَبَشَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي».

وروى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَ: «إِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي بِالخُرُوجِ».

وَأَمَّا الآيَةُ الأُولَى فَيَأْمُرُهُ فِيهَا مَوْلَانَا بِاتِّبَاعِ الرُّسُلِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَمَيَّزَ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الخَيْرِ، مَعَ اشْتِرَاكِهِمْ كُلِّهِمْ في الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَحْدَهُ، وَدَعْوَتِهِمْ جَمِيعًا إلى ذَلِكَ، مَعَ وُجُودِ الإِخْلَاصِ للهِ تعالى، فَالعَقِيدَةُ وَاحِدَةٌ عِنْدَ الجَمِيعِ، إِلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَمَيَّزَ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الخَيْرِ، فَسَيِّدُنَا يُونُسُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخَذَ التَّضْيِيقُ عَلَيْهِ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ التَّضَرُّعِ إلى اللهِ تعالى، فَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَثِيرَ التَّضَرُّعِ إلى اللهِ تعالى، كَثِيرَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالمُنَاجَاةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا أَخَذَ بِسَائِرِ صِفَاتِ الكَمَالِ التي تَفَرَّقَتْ في الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

وَاحْتَجَّ العُلَمَاءُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَفْضَلُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِأَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ بِأَسْرِهِمْ، فَجُمِعَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا تَفَرَّقَ في الأَنْبِيَاءِ جَمِيعًا عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
533 مشاهدة
الملف المرفق