15-دروس رمضانية 1437هـ: من هو السعيد حقاً؟

15-دروس رمضانية 1437هـ: من هو السعيد حقاً؟

.

دروس رمضانية 1437هـ

15ـ من هو السعيد حقاً؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنْ سُئِلْتَ: مَنْ هُوَ السَّعِيدُ حَقَّاً؟ فَقُلْ: السَّعِيدُ حَقَّاً مَنِ امْتَلَأَ قَلْبُهُ بِذِكْرِ اللهِ تعالى؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى وَلَيْسَ في قَلْبِهِ إلا اللهُ تعالى؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنِ اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ بِذِكْرِ اللهِ تعالى؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى وَلَيْسَ في قَلْبِهِ غِشٌّ لِأَحَدٍ؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ أَقَرَّ اللهُ عَيْنَهُ بِذُرِّيَّةٍ صَالِحَةٍ طَيِّبَةٍ مُبَارَكَةٍ؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ قَدَّمَ صَالِحَاً، وَتَرَكَ مِنْ بَعْدِهِ ذِكْرَاً صَالِحَاً؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ ثَبَّتَهُ اللهُ تعالى بِالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفي الآخِرَةِ؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَرَضِيَ عَنِ اللهِ تعالى.

السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ تَتَلَقَّاهُ المَلَائِكَةُ بِالبُشْرَى عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ لَقِيَ اللهَ تعالى وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ لَقِيَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاضٍ عَنْهُ؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ خُتِمَ لَهُ بِخَاتِمَةٍ حَسَنَةٍ؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ مِنَ الدُّنْيَا لَا إِلَهَ إلا اللهُ؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ كَانَ قَبْرُهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ أَحْسَنَ جَوَابَ المَلَكَيْنِ في قَبْرِهِ؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ وَتَلَقَّتْهُ المَلَائِكَةُ بِالبُشْرَى ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾.

السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ كَانَ في ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ سَمِعَ الخِطَابَ يَوْمَ القِيَامَةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ؛ السَّعِيدُ حَقَّاً مَنْ كَانَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً. هَذَا هُوَ السَّعِيدُ حَقَّاً؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُمْ. آمين.

أَسْبَابُ السَّعَادَةِ:

أولاً: تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْنَا السَّعَادَةَ، فَالسَّعَادَةُ كُلُّ السَّعَادَةِ، وَالخَيْرُ كُلُّ الخَيْرِ، وَالعِزُّ كُلُّ العِزِّ، وَالشَّرَفُ كُلُّ الشَّرَفِ، وَالرِّفْعَةُ كُلُّ الرِّفْعَةِ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ في تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رَاحَةُ القَلْبِ وَسُرُورُهُ، وَبِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تَزُولُ الهُمُومُ وَالأَحْزَانُ، وَالتَّقْوَى هِيَ: الخَوْفُ مِنَ الجَلِيلِ، وَالعَمَلُ بِالتَّنْزِيلِ، وَالتَّزَوُّدُ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، وَالقَنَاعَةُ بِالقَلِيلِ؛ هَكَذَا عَرَّفَهَا سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ثانياً: الرِّضَا بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْنَا السَّعَادَةَ، فَالسَّعَادَةُ كُلُّ السَّعَادَةِ في الرِّضَا بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ، فَالمُؤْمِنُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ يَسْعَدُ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْـمُؤْمِنُونَ﴾.

فَهُوَ يَتَسَلَّى بِالأَجْرِ الذي وُعِدَ بِهِ: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُهْتَدُونَ﴾.

هُوَ سَعِيدٌ لِأَنَّهُ على عِلْمٍ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الرِّضَا بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ سِرُّ سَعَادَةِ الإِنْسَانِ، يَقُولُ تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾. يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْـمُصِيبَةُ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ. رواه البيهقي.

ثالثاً: ذِكْرُ اللهِ سُبْحَانَهُ وتعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْنَا السَّعَادَةَ، فَالسَّعَادَةُ كُلُّ السَّعَادَةِ في ذِكْرِ اللهِ تعالى، فَإِذَا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّهُ شُرِحَ صَدْرُهُ، وَزَالَ هَمُّهُ، لِأَنَّ القُلُوبَ بِيَدِ اللهِ تعالى، فَإِذَا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّهُ ذَكَرَهُ اللهُ تعالى ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾. وَإِذَا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّهُ أَحْيَا اللهُ تعالى قَلْبَهُ «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ تِلَاوَةُ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَالقُرْآنُ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: النَّاسُ جَمِيعَاً يَبْحَثُونَ عَنِ السَّعَادَةِ، وَهِيَ غَايَةٌ يَتَّفِقُ فِيهَا الخَلْقُ جَمِيعَاً، مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، الكُلُّ يَبْحَثُ عَنِ السَّعَادَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ بَحَثَ عَنْهَا وَجَدَهَا.

فَمَنْ أَرَادَهَا بِحَقٍّ فَلَنْ تَكُونَ لَهُ إلا بِتَحْقِيقِ الصِّلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ حَقَّقَ الصِّلَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تعالى فَهُوَ السَّعِيدُ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 8/ رمضان /1437هـ، الموافق: 13/ حزيران / 2016م

 2016-06-13
 2397
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 309 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 309
26-05-2022 690 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 690
26-05-2022 512 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 512
29-04-2022 384 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 384
29-04-2022 813 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 813
29-04-2022 908 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 908

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412391700
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :