17-دروس رمضانية 1437هـ:لا تيأسوا من رحمة الله تعالى وأبشروا

17-دروس رمضانية 1437هـ:لا تيأسوا من رحمة الله تعالى وأبشروا

.

دروس رمضانية 1437هـ

17ـ لا تيأسوا من رحمة الله تعالى وأبشروا

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ أَعْظَمُ فُرْصَةٍ للتَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ وَالرُّجُوعِ إلى اللهِ تعالى مِنْ ذُنُوبِ العَامِ، بَلْ مِنْ ذُنُوبِ العُمُرِ، وَهُوَ فُرْصَةٌ لِفَتْحِ صَفْحَةٍ جَدِيدَةٍ مَعَ اللهِ تعالى، رَجَاءَ أَنْ تَكُونَ صَحِيفَةُ العَبْدِ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً يَوْمَ القِيَامَةِ.

روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ فُرْصَةٌ لِمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، وَفُرْصَةٌ لِتَذَكُّرِ الأَعْمَالِ بِالأَمْسِ، فَإِنْ وَجَدَ العَبْدُ خَيْرَاً فَلْيَحْمَدِ اللهَ تعالى، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ سَارَعَ إلى بَابِ التَّوْبَةِ، فَبَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ على مِصْرَاعَيْهِ، وَخَاصَّةً في شَهْرِ رَمَضَانَ، حَيْثُ يُنَادِي المُنَادِي: «يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الـشَّرِّ أَقْـصِرْ» رواه الترمذي والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الاصْطِلَاحِ مَعَ اللهِ تعالى، شَهْرُ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ، شَهْرُ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، حَيْثُ يُخَاطِبُ العَبْدُ نَفْسَهُ قَائِلَاً: عَصَيْتُ رَبِّي وَهُوَ يَرَانِي، كَيْفَ أَلْقَاهُ وَقَدْ نَهَانِي؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: وَاللهِ لَيْسَ لَنَا إلا اللهُ تعالى، إِنَّهُ الرَّبُّ الرَّحِيمُ اللَّطِيفُ، فَهُوَ يُنَادِينَا وَيَقُولُ:  ﴿يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

فَلْنَقُلْ وَلَا نَتَرَدَّدُ: اللَّهُمَّ إِنَّا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ظُلْمَاً كَثِيرَاً، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لَنَا مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنَا إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ.

لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَأَبْشِرُوا:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَأَبْـشِرُوا بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾.

وَأَبْشِرُوا بقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئَاً * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيَّاً * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوَاً إِلَّا سَلَامَاً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيَّاً * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيَّاً﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَأَبْشِرُوا بِقَوْلِ اللهِ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَبِقَوْلِهِ تعالى  في حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ آخَرَ: «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئَاً لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ أَجْمَلِ لَحَظَاتِ الدُّنْيَا وَأَسْعَدِهَا عِنْدَمَا نَصْطَلِحُ مَعَ رَبِّنَا تَبَارَكَ وتعالى، وَنَسْجُدُ لِمَوْلَانَا، وَنَدْعُوهُ وَنُنَاجِيهِ، وَهُوَ يَقُولُ لَنَا: ﴿يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. وَهُوَ يَقُولُ لَنا: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَجْعَلْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ بِدَايَةَ حَيَاةٍ، وَنِهَايَةَ حَيَاةٍ، بِدَايَةَ حَيَاةٍ مَعَ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ وَالهِدَايَةِ، وَنِهَايَةَ حَيَاةٍ مَعَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا وَالغِوَايَةِ، لِنَجْعَلْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ مِيلَادَاً جَدِيدَاً، وَانْطِلَاقَاً إلى عَهْدٍ جَدِيدٍ شِعَارُهُ الحَيَاةُ مَعَ اللهِ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَنْ لَنَا غَيْرَ اللهِ؟ وَمَنْ لَنَا سِوَاهُ؟ وَلِمَنْ نَرْجُو عَدَاهُ؟ وَاللهِ لَوْ نَظَرْنَا أَمَامَنَا وَخَلْفَنَا، وَعَنْ يَمِينِنَا، وَعَنْ شِمَالِنَا، وَمِنْ فَوْقِنَا، وَمِنْ تَحْتِنَا، لَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا مَفَرَّ مِنَ اللهِ إلا إلى اللهِ ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: فَكِّرُوا في الذُّنُوبِ التي فَاتَتْ، هَلْ تُبْنَا إلى اللهِ تعالى مِنْهَا، أَمْ أَضَفْنَا إِلَيْهَا ذُنُوبَاً جَدِيدَةً؟ وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَارْقُبُوا يَوْمَاً لَا شَكَّ أَنَّهُ قَادِمٌ، وَاحْذَرُوا مِنْ لَيْلَةٍ يَكُونُ صُبْحُهَا يَوْمَ القِيَامَةِ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا تَوْبَةً صَادِقَةً نَصُوحَاً. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 9/ رمضان /1437هـ، الموافق: 14/حزيران / 2016م

 

 2016-06-14
 563
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 326 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 326
26-05-2022 694 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 694
26-05-2022 519 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 519
29-04-2022 387 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 387
29-04-2022 821 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 821
29-04-2022 925 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 925

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412981290
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :