30ـ أخلاق وآداب: ألا يصح أن نختلف ونبقى إخوانا

30ـ أخلاق وآداب: ألا يصح أن نختلف ونبقى إخوانا

 

 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أخي الصَّائِمَ الكريمَ، وأنتَ تَعيشُ شَهرَ رَمضانَ المُبارَكَ، هل يُمكِنُ لكَ أن تَسيرَ سَيرَ السَّلَفِ الصَّالِحِ رِضوانُ الله تعالى عليهِم إذا اختَلَفتَ معَ بَعضِ إخوانِكَ في قَضِيَّةٍ من القضايا؟

أولاً: هذا هوَ منهَجُ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهُم، فهذا سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقولُ لأصحابِهِ الكِرامِ في غَزوَةِ بني قُرَيظَةَ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»

فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ.

فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِداً مِنْهُمْ.

ثانياً: هذا منهَجُ السَّلَفِ الصَّالِحِ من الأمَّةِ، فقد كانَ الفُضَيلُ بنُ عِياضٍ وعبدُ الله بنُ المُبارَكِ صديقينِ، وقد كَتَبَ ابنُ المُبارَكِ وهوَ يُرابِطُ في ثَغرٍ من ثُغورِ المسلِمينَ، إلى ابنِ عِياضٍ وهو في الحرَمَينِ الشَّريفَينِ:

يا عـَابِـدَ الحَرَمَين لَـوْ أبْصَرْتَنا   ***   لَعَـلِمْتَ أنَّكَ في الـعِبادةِ تَلعَبُ

من كانَ يَخْضُبُ خَدَّهُ بِـدُموعِهِ   ***   فَنُـحُـورُنـا بِـدمـائِنـا تَتَخَضَّبُ

أو كانَ يُتْعِـبُ خَـيْلَهُ في بِـاطِلٍ   ***   فَخُيولُنا يَـومَ الـصَّـبِيحَةِ تَتْعَبُ

رِيحُ العَبيرِ لكم ونَـحنُ عَبيرُنا   ***   وَهجُ السَّنابِكِ والغُبارُ الأطيَبُ

ولَقَد أَتـَانا مِـن مَقَـالِ نَـبِـيِّنـا   ***   قَولٌ صَحِيحٌ صَادِقٌ لا يَـكْذِبُ

لا يَسـتَوي وَغُبَارَ خَـيلِ الله في   ***   أَنفِ امرِئٍ ودُخانَ نَارٍ تَـلْـهَبُ

هذا كِـتـابُ الله يَـنْطِــقُ بـينَنَا   ***   لَيسَ الشَّهيدُ بِـمَيِّتٍ لا يَـكْذِبُ

ثمَّ قالَ: إنَّ من عِبادِهِ من فَتَحَ اللهُ عليهِ في الصِّيامِ، فَيَصومُ ما لا يَصومُهُ غَيرُهُ.

ومنهُم من فَتَحَ له في قِراءَةِ القُرآنِ.

ومنهُم من فَتَحَ له في طَلَبِ العِلمِ.

ومنهُم من فَتَحَ له في قِيامِ اللَّيلِ.

وليسَ ما أنتَ عليهِ بأفضَلَ مِمَّا أنا عليهِ، وما أنا عليهِ ليسَ بأفضَلَ مِمَّا أنتَ عيهِ. وكِلانا على خَيرٍ.

قَال حامِلُ الرِّسالَةِ: فَلَقِيتُ الفُضَيلَ بنَ عِيَاضٍ بِكِتَابِهِ فِي المَسجِدِ الحَرَامِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ ذَرِفَتْ عَيْنَاهُ وقَال: صَدَقَ أَبُو عبدِ الرَّحمنِ، ونَصَحَنِي.

ثالثاً: وهذا هوَ الإمامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يُناظِرُ أحَدَ العُلَماءَ حولَ مسألَةٍ فِقهِيَّةٍ عَوِيصَة، فَاختَلَفَا، وَطَالَ الحِوَارُ حَتَّى عَلَت أَصوَاتُهُمَا وَلَم يَستَطِع أَحَدُهُمَا أَن يُقنِعَ صَاحِبَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ تَغَيَّرَ وغَضِبَ، وَوَجَدَ فِي نَفسِهِ فَلَمَّا انتَهَى المَجلِسُ وَتَوجَّهَا لِلخُرُوجِ، التَفَتَ الشَّافِعِيُّ إِلى صَاحِبِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ وَقَال: أَلَا يَصِحُّ أَن نَختَلِفَ ونَبقَى إِخوَانَاً؟

أخي الكريم: هذا هوَ منهَجُ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ الكِرامِ عنهُم، ومنهَجُ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فلماذا لا نَسيرُ على سَيرِهِم، وخاصَّةً بعدَ أن حَفِظنا قَولَ الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾.

وقَولَهُ تعالى عن الفِئَةِ التي جاءَت من بعدِ المهاجِرينَ والأنصارِ: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم﴾

أسألُ اللهَ تعالى أن يَجمَعَ شَملَ هذهِ الأمَّةِ. آمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**     **     **

تاريخ المقال:

يوم الأربعاء 1 /رمضان / 1433هـ ، الموافق: 10/تموز / 2012م

 2013-07-10
 27552
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أخلاق و آداب

08-10-2020 961 مشاهدة
59ـ آداب المريض (4)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 08-10-2020
 
 961
08-10-2020 618 مشاهدة
58ـ آداب المريض (3)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 08-10-2020
 
 618
11-03-2020 1046 مشاهدة
57ـ آداب المريض (2)

مِنَ الوَاجِبِ عَلَى العَبْدِ المُؤْمِنِ أَنْ يَرُدَّ المَظَالِمَ إلى أَهْلِهَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُقُوقِ العِبَادِ، لِأَنَّ حُقُوقَ ... المزيد

 11-03-2020
 
 1046
05-03-2020 1092 مشاهدة
56ـ آداب المريض (1)

ا يُقَدِّرُ نِعْمَةَ اللهِ تعالى إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، فَالصِّحَّةُ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا، لَا يُقَدِّرُهَا إِلَّا المَرْضَى، فَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ قَدْ غَفَلْنَا عَنْهَا؟ وَكَمْ مِنَ النِّعَمِ قَدْ قَصَّرْنَا بِوَاجِبِ شُكْرِهَا، ... المزيد

 05-03-2020
 
 1092
16-01-2020 1639 مشاهدة
55ـ أبشر أيها المريض

لَقَدْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَبَيَّنَ لَنَا الغَايَةَ مِنْ خَلْقِنَا، فَقَالَ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وَمِنَ العِبَادَةِ الصَّبْرُ عَلَى الابْتِلَاءَاتِ ... المزيد

 16-01-2020
 
 1639
08-01-2020 1465 مشاهدة
54ـ آداب النظر (2)

إِسْلَامُنَا لَا يَرْضَى لَنَا أَنْ نَأْتِيَ الفَوَاحِشَ، بَلْ يَنْهَى عَنْ قُرْبَانِهَا فَضْلَاً عَنْ إِتْيَانِهَا، وَهُوَ يُحَرِّمُ الوَسَائِلَ، وَيَسُدُّ الأَبْوَابَ التي تُؤَدِّي إِلَيْهَا، لِهَذَا جَاءَتْ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، وَنُصُوصٌ ... المزيد

 08-01-2020
 
 1465

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411958206
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :