55ـ كلمة شهر رمضان 1432هـ: كيف نستقبل شهر رمضان؟

55ـ كلمة شهر رمضان 1432هـ: كيف نستقبل شهر رمضان؟

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا أيها الإخوة الكرام:

هذا شهر رمضان المبارك قد أطلَّ على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهو يحمل في طيَّاته بعض المزايا التي لم تكن لشهر من الشهور، فمن ميزات شهر رمضان:

1ـ تصفَّد فيه الشياطين، يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ) رواه البخاري ومسلم. ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في حديث آخر: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ! وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ! وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) رواه الترمذي.

2ـ تغشى الأمةَ الرحمة، يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أتاكم رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحطُّ الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل) رواه الطبراني.

3ـ تغفر فيه الذنوب، يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري ومسلم. ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري ومسلم.

4ـ لا يعلم أجر الصائم إلا الله تعالى، يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) رواه البخاري. وفي رواية لمسلم قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ).

5ـ للصائم باب خاص من أبواب الجنة، يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: (للصائمين باب في الجنة يقال له: الريان، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخل آخرهم أغلق، من دخل شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً) رواه ابن خزيمة.

يا عباد الله: هذا شهر رمضان المبارك، شهر العبادات والقربات، هل نستقبله بالأمور التالية:

أولاً: بالتوبة الصادقة النصوح، لأن العبد إذا أصرَّ على المعصية حُرم الطاعات، جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله تعالى وقال له: يا أبا سعيد، أجهز طُهوري، وأستعد لقيام الليل، ولكن لا أقوم، ما سبب ذلك؟ قال: قيَّدتك ذنوبك. اهـ.

فلا تقيِّدنا ذنوبنا عن صلاة القيام والتهجُّد، وصلاة الفجر في جماعة، وعن الخيرات العظام في هذا الشهر العظيم المبارك، لذلك علينا أن نسمع قوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [النور: 31].

ثانياً: بالنية الصادقة لاستغلال هذا الشهر العظيم بالقربات، فالنية لها أثر عظيم في التوفيق للطاعات، والنية لها أثر عظيم في جعل الثواب لمن حال الموتُ بينه وبين ما نوى من الطاعات، قال تعالى: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ} [النساء: 100]. كم سيموت من الخلق قبل شهر رمضان بساعة؟ وكم سيموت من الخلق قبل العشر الأخير من شهر رمضان؟ وكم سيموت من الخلق قبل ليلة القدر؟ وكم سيموت من الخلق قبل طلوع فجر يوم عيد الفطر يومِ الجائزة؟ فاستقبلوا شهر رمضان بنية صالحة لفعل الخيرات وترك المنكرات.

ثالثاً: بالقلب السليم، لأن الطاعات لا تكون مقبولة إلا من قلب سليم، قال تعالى: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُون * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم} [الشعراء: 88ـ89]، ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ) رواه البخاري ومسلم.

يا عباد الله! لننظف سرائرنا من الحقد والغل والكبر والضغينة، يقول سيدنا الحسن البصري رحمه الله تعالى: ابنَ آدم! لك قول وعمل، وعملك أولى بك من قولك، ولك سريرة وعلانية، وسريرتك أولى بك من علانيتك.

ويقول ابن المبارك رحمه الله واصفاً الإمام مالكاً رحمه الله تعالى: ما رأيت أحداً ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة.

إخوتي في الله! هذا شهر رمضان المبارك بمزاياه قد أقبل على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فهل نربح هذا الشهر أم نخسره لا قدر الله تعالى؟

فمن كان حريصاً على ربح هذا الشهر فعليه بالتوبة الصادقة، حتى لا يحرم من بركات شهر رمضان.

وعليه بالنية الصادقة لفعل الخير والإقبال على الله تعالى.

وعليه بالقلب السليم الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غلَّ ولا حقد.

اللهم بارك لنا فيما بقي من شعبان، وبلِّغنا شهر رمضان، وسلِّمه لنا، وسلِّمنا له، وتقبَّله منا كاملاً غير منقوص يا أرحم الراحمين.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**     **     **

 

 2011-07-30
 29662
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 82 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 82
13-03-2024 250 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 250
09-02-2024 500 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 500
13-01-2024 297 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 297
14-12-2023 436 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 436
16-11-2023 538 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 538

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412762600
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :