635ـ خطبة الجمعة: أغيثوا تغاثوا

635ـ خطبة الجمعة: أغيثوا تغاثوا

 

635ـ خطبة الجمعة: أغيثوا تغاثوا

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِغَاثَةُ المَلْهُوفِ وَالمَظْلُومِ وَتَقْدِيمُ العَوْنِ لِكُلِّ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ هُوَ سُلُوكٌ إِسْلَامِيٌّ أَصِيلٌ، وَخُلُقٌ رَفِيعٌ تَقْتَضِيهِ حُقُوقُ الأُخُوَّةِ الإِيمَانِيَّةِ، وَقَدْ عُرِفَ هَذَا الخُلُقُ الرَّفِيعُ في شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ المُبَارَكَةِ، عِنْدَمَا قَالَ لِلسَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي».

فَأَجَابَتْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في ثِقَةٍ وَاطْمِئْنَانٍ: كَلَّا أَبْشِرْ، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدَاً، وَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنَ الأُمُورِ المُسَلَّمِ بِهَا، وَالتي اسْتَقَرَّتْ في الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ أَنَّ صَنَائِعَ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَأَنَّ مَنْ أَغَاثَ النَّاسَ وَأَعَانَهُمْ لَا بُدَّ مِنَ أَنْ يُغِيثَهُ رَبُّهُ وَيُعِينَهُ، فَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ.

حَاجَتُنَا لِبَعْضِنَا:

يَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّنَا بِحَاجَةٍ لِبَعْضِنَا، وَلَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾. فَالسَّعِيدُ مَنِ اسْتَغَلَّ نِعْمَةَ اللهِ تعالى عَلَيْهِ بِتَفْرِيجِ كَرْبِ مَكْرُوبٍ، وَإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ، وَقَدْ رَغَّبَنَا بِذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ، وَاللهُ يُحِبُّ إِغَاثَةَ اللَّهْفَانِ» رواه أبو يعلى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَغِيثُوا تُغَاثُوا، اغْتَنِمُوا النِّعْمَةَ التي تَتَقَلَّبُونَ فِيهَا بِنَشْرِهَا عَلَى الآخَرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الحَاجَةِ، فَالنِّعَمُ لَا تَدُومُ، وَإِذَا دَامَتْ فَلَنْ يَدُومَ المُنْعَمُ عَلَيْهِ.

أَلَمْ يَأْنِ لَنَا؟

يَا عِبَادَ اللهِ: أَلَمْ يَأْنِ لَنَا أَنْ نُوقِظَ هَذَا الخُلُقَ الإِسْلَامِيَّ الرَّفِيعَ فِينَا؟

أَلَمْ يَأْنِ لَنَا أَنْ نُحْيِيَ سُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَجْدَ أَسْلَافِنَا في إِغَاثَةِ المَلْهُوفِ مِنَ المُسْلِمِينَ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ هَذِهِ الحَرْبَ شَرَّدَتْ كَثِيرَاً مِنْ بُيُوتِ المُسْلِمِينَ، وَيَتَّمَتْ أَطْفَالَهُمْ، وَرَمَّلَتْ نِسَاءَهُمْ، أَغِيثُوهُمْ عَلَى قَدْرِ جُهْدِكُمْ، وَلَا تَجْعَلُوهُمْ فَرِيسَةً في أَيْدِي مَنْ لَا يَرْجُونَ للهِ وَقَارَاً، أُولَئِكَ الذينَ يُقَدِّمُونَ بِاسْمِ الإِنْسَانِيَّةِ بَعْضَ مَا يَفِيضُ عِنْدَهُمْ صَدَقَةً وَإِحْسَانَاً، فَالأُمَّةُ المُسْلِمَةُ الحَقَّةُ لَا تَحْتَاجُ إلى إِنْسَانِيَّةِ هَؤُلَاءِ الذينَ يَصْنَعُونَ الأَسْلِحَةَ الفَتَّاكَةَ المُدَمِّرَةَ وَيُحَرِّضُونَ المُسْلِمِينَ عَلَى قِتَالِ بَعْضِهِمْ، وَيُقَدِّمُونَ لَهُمُ الأَسْلِحَةَ ثُمَّ يُقَدِّمُونَ للمُسْلِمِينَ فَائِضَ الغِذَاءِ وَالدَّوَاءِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا أَحْوَجَنَا إلى إِحْيَاءِ سُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في إِغَاثَةِ المَلْهُوفِ، وَتَفْرِيجِ كُرُوبِ بَعْضِنَا؟ مَا أَحْوَجَ الأُمَّةَ وَخَاصَّةً في هَذَا البَلَدِ إلى إِيقَافِ هَذِهِ الحَرْبِ المُدَمِّرَةِ التي نَحْنُ ضَحِيَّتُهَا لَا غَيْرُ؟

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ».

قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟

قَالَ: «الْقَتْلُ».

قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ، إِنَّا لَنَقْتُلُ كُلَّ عَامٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَاً.

قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ المُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضَاً».

قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا يَوْمَئِذٍ؟

قَالَ: «إِنَّهُ لَتُنْزَعُ عُقُولُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيُخَلَّفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ، يَحْسِبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ جَعَلَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بَعْضَنَا أَغْنِيَاءَ، وَجَعَلَ بَعْضَنَا فُقَرَاءَ، اخْتِبَارَاً وَابْتِلَاءً، يُرِيدُ أَنْ يُسَاعِدَ بَعْضُنَا بَعْضَاً في أُمُورِ المَعَاشِ، وَأَنْ نَتَعَاوَنَ عَلَى شَظَفِ الدُّنْيَا، وَأَنْ نَسِيرَ سَيْرَ الرِّجَالِ الذينَ رَبَّاهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ».

يَا عِبَادَ اللهِ: في إِغَاثَةِ المَلْهُوفِ المَظْلُومِ المَكْرُوبِ رِضَا اللهِ تعالى.

إِغَاثَةُ المَلْهُوفِ تَفْتَحُ لَكَ طَرِيقَاً إلى الجَنَّةِ.

إِغَاثَةُ المَلْهُوفِ تَجْعَلُ لَكَ رَصِيدَاً إِنْ وَقَعْتَ أُغِثْتَ.

إِغَاثَةُ المَلْهُوفِ تَجْعَلُ دُعَاءَكَ مُسْتَجَابَاً.

إِغَاثَةُ المَلْهُوفِ نَجَاةٌ لَكَ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ.

إِغَاثَةُ المَلْهُوفِ تُنَجِّيكَ مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، لِأَنَّ صَنَائِعَ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 5/ جمادى الأولى /1440هـ، الموافق: 11/ كانون الثاني / 2019م

 2019-01-11
 6834
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-03-2024 17 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 17
21-03-2024 623 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 623
14-03-2024 961 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 961
08-03-2024 861 مشاهدة
903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ ... المزيد

 08-03-2024
 
 861
09-02-2024 2556 مشاهدة
902ـ خطبة الجمعة: حاله صلى الله عليه وسلم في شعبان

إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَتَقَلَّبُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَمُدُّ اللهُ تعالى لَهُ في أَجَلِهِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَبْقَاهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ غَنِيمَةٌ لَهُ لِيَتَزَوَّدَ مِنْهُ لِآخِرَتِهِ، وَيَحْرُثَ فِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، ... المزيد

 09-02-2024
 
 2556
02-02-2024 2255 مشاهدة
901ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾

لِنَكنْ جَمِيعًا عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا سَنَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. أَلَا وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ في الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّ ... المزيد

 02-02-2024
 
 2255

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411981687
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :