197ـ مع الحبيب المصطفى: الله يتولى الدفاع عن نبيه    (2)

197ـ مع الحبيب المصطفى: الله يتولى الدفاع عن نبيه    (2)

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

197ـ الله يتولى الدفاع عن نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ من الأُمُورِ الثَّابِتَةِ المُقَرَّرَةِ التي لا مَجَالَ للشَّكِّ فِيهَا والارْتِيَابِ، أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هوَ إِمَامُ المُتَّقِينَ، وصَفْوَةُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِينَ، وأَفْضَلُ الأَنبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ، وبِهِ خَتَمَ اللهُ تعالى النَّبِيِّينَ، وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ، وصَاحِبُ اللِّوَاءِ المَعْقُودِ، والمَقَامِ المَحْمُودِ، والحَوْضِ المَوْرُودِ، وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ من تَنْشَقُّ عَنهُ الأَرضُ يَومَ البَعْثِ والنُّشُورِ، وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ من يَدْخُلُ الجَنَّةَ، وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ شَافِعٍ وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، وهوَ صَاحِبُ الشَّفَاعَةِ العُظْمَى للخَلْقِ أَجْمَعِينَ.

لا يَتِمُّ الإِيمَانُ إلا بِتَعْظِيمِهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ طَاعَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وتَعْظِيمَهُ وتَقْدِيرَهُ واحْتِرَامَهُ حَيَّاً ومَيْتَاً من أَعْظَمِ الوَاجِبَاتِ التي لا يَتِمُّ الإِيمَانُ إلا بِهَا، وإنَّ مَحَبَّتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ والدِّفَاعَ عَنهُ ونُصْرَتَهُ وفِدَاءَهُ بالنَّفْسِ والمَالِ والأَهْلِ دِينٌ يَدِينُ بِهِ المُسْلِمُ للهِ تعالى.

أمَّا كَرَاهِيَتُهُ وبُغْضُهُ والاسْتِهْزَاءُ بِهِ وبِدِينِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فهذا كُفْرٌ ورِدَّةٌ عن دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، يُوجِبُ العُقُوبَةَ واللَّعنَةَ والطَّرْدَ من رَحمَةِ اللهِ تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابَاً مُهِينَاً﴾.

المَحْرُومُ من حُرِمَ نِعْمَةَ الإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد مَنَّ اللهُ عزَّ وجلَّ عَلينَا بِبِعْثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وبِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِهِ، وجَعَلَهُ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ، وأَفْضَلَ الخَلِيقَةِ على الإِطْلاقِ، واخْتَارَهُ واصْطَفَاهُ، وجَمَعَ لَهُ بَينَ الخُلَّةِ والتَّكْلِيمِ، والنُّبُوَّةِ والرِّسَالَةِ، وجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنبِيَاءِ، وأَكْثَرَهُم أَتبَاعَاً، وأَعلاهُم قَدْرَاً ومَقَامَاً، ورَسُولاً للعَالَمِينَ أَجْمَعِينَ، والمَحْرُومُ من حُرِمَ نِعْمَةَ الإِيمَانِ بهذا الحَبِيبِ الأَعْظَمِ، والأَشْقَى مِنهُ من أَسَاءَ إِلَيهِ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

أيُّها الإخوة الكرام: لقد اسْتَقَرَّتْ مَحَبَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في النُّفُوسِ، وأَجَلَّتْهُ القُلُوبُ، وشَهِدَ بِعَدْلِهِ وفَضْلِهِ وصِدْقِهِ وَوَفَائِهِ وأَخْلاقِهِ وكَمَالِ شَخْصِيَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَرِيبُ والبَعِيدُ، والصَّدِيقُ والعَدُوُّ، ولا يَزَالُ أَتْبَاعُهُ في ازْدِيَادٍ وكَثْرَةٍ، وسَيَبْقَى ذِكْرُهُ خَالِدَاً إلى يَومِ الدِّينِ، رَغْمَ أَنْفِ من كَفَرَ بِهِ، ورَحِمَ اللهُ تعالى القَائِلَ:

أَلَمْ تَـرَ أَنَّ اللهَ أَخْلَدَ  ذِكْرَهُ   ***   إذْ قَالَ في الخَمْسِ المُؤَذِّنُ أَشْهَدُ؟

وشَقَّ لَهُ من اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ   ***   فَـذُو العَرْشِ مَحْمُودٌ، وهذا مُحَمَّدُ

لَمْ يَسْلَمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الإِيذَاءِ:

أيُّها الإخوة الكرام: مَعَ مَكَانَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ العَالِيَةِ عِنْدَ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، ومَعَ مَنْزِلَتِهِ الرَّفِيعَةِ، وأَخْلاقِهِ الحَمِيدَةِ، وفَضَائِلِهِ العَظِيمَةِ التي زَكَّاهَا القُرآنُ العَظِيمُ، وأَثْبَتَهَا لَهُ قَبْلَ النَّاسِ، وشَهِدَ بِهَا عُقَلاءُ البَشَرِ حَتَّى من اليَهُودِ والنَّصَارَى وأَهْلِ الكُفْرِ قَبْلَ البِعْثَةِ وبَعْدَهَا، إلا أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْلَمْ من الإِيذَاءِ والسُّخْرِيَةِ والاعْتِدَاءِ عَلَيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتَّنَقُّصِ والتَّهَكُّمِ بِهِ مُنْذُ بِعْثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى يَوْمِنَا هذا، شَأْنُهُ في ذلكَ شَأْنُ الأَنبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ الذينَ سَبَقُوهُ، حَيثُ كُذِّبُوا وأُوذُوا حَتَّى جَاءَهُم نَصْرُ اللهِ تعالى، وصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.

تَوَلَّى اللهُ تعالى حِمَايَتَهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: اِعْلَمُوا بِأَنَّ اللهَ تعالى كَتَبَ على نَفْسِهِ حِمَايَةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والدِّفَاعَ عَنهُ وحِفْظَهُ ونُصْرَتَهُ وخُذْلانَ مَن تَعَرَّضَ لَهُ وإِهْلاكَهُ وخُسْرَانَهُ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، وهذا وَاضِحٌ في القُرآنِ العَظِيمِ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ وُعُودٌ من اللهِ تعالى ثَابِتَةٌ صَادِقَةٌ لِرَسُولِهِ وخَلِيلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فلا يَضُرُّهُ كَيْدُ الكَائِدِينَ، ولا اسْتِهْزَاءُ المُسْتَهْزِئِينَ، وهذا هوَ التَّارِيخُ بِعِبَرِهِ وأَحْدَاثِهِ شَاهِدٌ لا يَكْذِبُ، فَإِنَّهُ مَا تَظَاهَرَ أَحَدٌ بِمُعَادَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ والاسْتِهْزَاءِ بِهِ وبِمَا جَاءَ بِهِ إلا أَهْلَكَهُ اللهُ تعالى وأَذَلَّهُ وخَذَلَهُ وأَمَاتَهُ شَرَّ مِيتَةٍ وبَتَرَ نَسْلَهُ.

﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: عِنْدَمَا يُرِيدُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ أن يَنْتَقِمَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنْتَقِمُ مِنْهُ بِجُنْدِيٍّ من جُنُودِهِ التي لا يَعْلَمُهَا إلا هوَ، قال تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾. فَمَا من شَيءٍ في السَّمَاوَاتِ وفي الأَرضِ إلا وهوَ جُنْدِيٌّ من جُنُودِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد سَوَّلَتْ نَفْسُ أَبِي لَهَبٍ وابْنِهِ عُتْبَةَ أن يُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ سَفَرِهِم إلى الشَّامِ، كَمَا ذَكَرَ ابنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ، روى ابنُ عَسَاكِرَ في تَرْجَمَةِ (عُتْبَةَ بنِ أَبِي لَهَبٍ) من طَرِيقِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَن عُثْمَانَ بنِ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيرِ، عَن أَبِيهِ، عَن هَبَّارِ بنِ الأَسْوَدِ قَالَ: كَانَ أَبُو لَهَبٍ وابْنُهُ عُتْبَةَ قَد تَجَهَّزَا إلى الشَّامِ، فَتَجَهَّزْتُ مَعَهُمَا، فَقَالَ ابنُهُ عُتْبَةَ: واللهِ لَأَنْطَلِقَنَّ إلى مُحَمَّدٍ وَلَأُوذِيَنَّهُ في رَبِّهِ ـ سُبْحَانَهُ ـ.

فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هوَ يَكْفُرُ بالذي دَنَى فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَو أَدْنَى.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ ابْعَثْ إِلَيهِ كَلْبَاً من كِلابِكَ».

ثمَّ انْصَرَفَ عَنهُ، فَرَجَعَ إلى أَبِيهِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، مَا قُلتَ لَهُ؟

فَذَكَرَ لَهُ ما قَالَ لَهُ.

قَالَ: فَمَا قَالَ لَكَ؟

قَالَ: قَالَ: «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيهِ كَلْبَاً من كِلابِكَ».

قَالَ: يَا بُنَيَّ، واللهِ مَا آمَنُ عَلَيكَ دُعَاءَهُ.

فَسِرْنَا حَتَّى نَزَلنَا الشراةَ، وهي مأْسَدَة، وَنَزَلْنَا إلى صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ.

فَقَالَ الرَّاهِبُ: يَا مَعْشَرَ العَرَبِ، مَا أَنْزَلَكُم هذهِ البِلادَ، فَإِنَّهَا تَسْرَحُ الأُسْدُ فِيهَا كما تَسْرَحُ الغَنَمُ؟

فَقَالَ لَنَا أَبُو لَهَبٍ: إِنَّكُم قَد عَرَفْتُمْ كِبَرَ سِنِّي وَحَقِّي، وَإِنَّ هذا الرَّجُلَ قَد دَعَا عَلى ابْنِي دَعْوَةً، واللهِ مَا آمَنُهَا عَلَيهِ، فَاجْمَعُوا مَتَاعَكُم إلى هذهِ الصَّوْمَعَةِ، وافْرُشُوا لابْنِي عَلَيهَا، ثمَّ افْرُشُوا حَوْلَهَا.

فَفَعَلْنَا، فَجَاءَ الأَسَدُ، فَشَمَّ وُجُوهَنَا، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ مَا يُرِيدُ تَقَبَّضَ، فَوَثَبَ، فإذا هوَ فَوقَ المَتَاعِ، فَشَمَّ وَجْهَهُ ثمَّ هَزَمَهُ هَزْمَةً فَفَضَخَ رَأْسَهُ.

فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: قَد عَرَفْتُ أَنَّهُ لا يَنْفَلِتُ عَن دَعْوَةِ مُحَمَّدٍ.

«لَو دَنَا مِنِّي لاخْتَطَفَتْهُ المَلائِكَةُ»:

أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا عزَّ وجلَّ هوَ القَائِلُ: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾. فَكَيفَ إذا كَانَ المُؤمِنُ سَيِّدَ الأَنبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ والمُؤْمِنِينَ، وسَيِّدَ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ، وحَبِيبَ رَبِّ العَالَمِينَ؟

واللهِ الذي لا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا تَعَرَّضَ أَحَدٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسُوءٍ، أو سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ بذلكَ، إلا قَصَمَهُ اللهُ تعالى، ودَقَّ رَقَبَتَهُ، وأَخْزَاهُ وأَذَلَّهُ في الدُّنيَا والآخِرَةِ.

هذا فِرعَونُ هذهِ الأُمَّةِ أَبُو جَهْلٍ عَلَيهِ لَعَنَاتُ اللهِ تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، أَرَادَ إِيذَاءَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَحَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ بَينَهُ وبَينَ ذلكَ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟

قَالَ: فَقِيلَ: نَعَمْ.

فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ.

قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ.

قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ.

قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟

فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقَاً مِنْ نَارٍ وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوَاً عُضْوَاً».

قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدَاً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَاً بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: هَل تَعْرِفُونَ كَيفَ كَانَت نِهَايَةُ هذا الرَّجُلِ الخَبِيثِ؟

روى الإمام البخاري عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِن الْأَنْصَارِ، حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ ـ أَقْوَى ـ مِنْهُمَا.

فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟

قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟

قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ ـ شَخْصِي شَخْصَهُ ـ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا؛ فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ.

فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا؛ فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي.

فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ؛ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ.

فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟».

قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ.

فَقَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟».

قَالَا: لَا.

فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: «كِلَاكُمَا قَتَلَهُ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: كُونُوا على يَقِينٍ بِأَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَحْمِيٌّ بِحِمَايَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومَعْصُومٌ بِعِصْمَةِ اللهِ تعالى، ومَكْفُولٌ بِرِعَايَتِهِ، واسْمَعُوا إلى هذهِ البَلاغَاتِ من اللهِ تعالى:

قال تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾.

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.

وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابَاً مُهِينَاً﴾.

وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: السَّعِيدُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ تعالى للإِيمَانِ بهذا الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأَعْطَى الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عن انْتِمَائِهِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بذلكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 10/جمادى الثانية /1435هـ، الموافق: 30/آذار/ 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2339 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2339
20-06-2019 1387 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1387
28-04-2019 1170 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1170
28-04-2019 1182 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1182
21-03-2019 1767 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1767
13-03-2019 1635 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1635

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412762924
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :