447ـ خطبة الجمعة: هل سمعت هذا الحديث الشريف؟

447ـ خطبة الجمعة: هل سمعت هذا الحديث الشريف؟

 

 447ـ خطبة الجمعة: هل سمعت هذا الحديث الشريف؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبَادَ اللهِ، اِنْعِدَامُ الرَحْمَةِ نَتِيجَةٌ طَبِيعِيَّةٌ للابْتِعَادِ عن اللهِ عزَّ وجلَّ، ونَتِيجَةٌ طَبِيعِيَّةٌ لِقَسْوَةِ القَلْبِ، وصِفَةٌ من صِفَاتِ الجَاهِلِيَّةِ، وهذهِ حَقِيقَةٌ لا يُنَازِعُ فيهَا إلا مَرِيضٌ لَمْ يَنْقَهْ، أو مُغْرِضٌ لا يَفْقَهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ، خُلُقُ الرَّحْمَةِ مِفْتَاحُ القَبُولِ لَدَى القَلُوبِ، ولا جَرَمَ أَنَّ فِقْدَانَ الرَّحْمَةِ بَيْنَ النَّاسِ فِقْدَانٌ للحَيَاةِ الهَانِئَةِ، وإحْلالٌ للجَاهِلِيَّةِ الجَهْلاءِ، والأَثَرَةِ العَمْيَاءِ.

الإِسْلامُ دِينُ الرَّحْمَةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، الإِسْلامُ دِينُ الرَّحْمَةِ، وإِنِّي لَنْ أَمَلَّ عن تَذْكِيرِ الأُمَّةِ بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَن خُلُقِ الرَّحْمَةِ، لَعَلَّهَا تَسْتَيْقِظُ من سُبَاتِهَا، ويَنْشُلُهَا اللهُ تعالى من هذهِ الأَزْمَةِ القَاسِيَةِ، روى الإمام مسلم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ».

وروى كذلكَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ.

فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتَ؟

فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ.

فَقَالَتْ: كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ؟

فَقَالَ: مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئَاً، إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ، وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ، وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ.

فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئَاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئَاً فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ».

وروى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».

رَحْمَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالحَيَوَانِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وتَجَلَّتْ رَحْمَتُهُ بالخَلْقِ، حَتَّى تَعَدَّتْ نِطَاقَ البَشَرِيَّةِ إلى نِطَاقِ الحَيَوَانَاتِ والعَجْمَاوَاتِ، روى أَبُو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثَاً لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدَاً مِن النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفَاً أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ.

قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطَاً لِرَجُلٍ مِن الْأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ.

فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذُفْرَيْهِ فَسَكَتَ؛ فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟».

فَجَاءَ فَتَىً مِن الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ: «أَفَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ».

أَيْنَ نَحْنُ من هذهِ الرَّحْمَةِ؟

هَلْ سَمِعْتَ هذا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ يَا رَاعِيَ الأُسْرَةِ؟

هَلْ سَمِعْتَ هذا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ يَا رَاعِيَ العَمَلِ؟

هَلْ سَمِعْتَ هذا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ يَا رَاعِيَ الأُمَّةِ؟

هَلْ سَمِعْتَ هذا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ يَا رَاعِيَ الكَهْرُبَاءِ والمَاءِ؟

هَلْ سَمِعْتَ هذا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ يَا رَاعِيَ المَعُونَاتِ؟

هَلْ سَمِعْتَ هذا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ يَا رَاعِيَ المُسْتَشْفَيَاتِ؟

هَلْ سَمِعْتَ هذا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ يَا رَاعِيَ القَرَارَاتِ؟

هَلْ سَمِعْتَ هذا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ يَا أَيُّهَا الذي آمَنَ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ؟

لَقَد جَاعَتِ الأُمَّةُ وعَطِشَتْ، ولَقَد تَشَرَّدَتِ الأُمَّةُ، لَقَد فُرِّقَ بَيْنَ الوَالِدِ وَوَلَدِهِ، لَقَد تَبَاعَدَتْ أَسْفَارُنَا، لَقَد كَثُرَتْ أَمْرَاضُنَا، لَقَد كَثُرَتْ هُمُومُنَا وأَحْزَانُنَا، لَقَد ضَاقَتْ عَلَيْنَا أَنْفُسُنَا.

يَا عِبَادَ اللهِ، أَفَلا نَتَّقِي اللهَ في أَنْفُسِنَا، أَفَلا نَتَّقِي اللهَ في سَوَادِ الأُمَّةِ؟ أَفَلا نَتَّقِي اللهَ فِيمَنْ مَلَّكَنَا اللهُ عَلَيْهِ؟

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، لَئِنْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ انْتَقَلَ إلى الرَّفِيقِ الأَعْلَى فَلَا نَصِلُ بالشَّكْوَى إلَيْهِ حَسَبَ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ رَبَّنَا عزَّ وجلَّ حَيٌّ لا يَمُوتُ، ولا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ، فَإِنَّهُ يَرَانَا جَمِيعَاً ويَسْمَعُنَا، يَرَى الظَّالِمَ والمَظْلُومَ، يَرَى القَوِيَّ والضَّعِيفَ، ويُؤَخِّرُ الجَمِيعَ إلى أَجَلٍ لا رَيْبَ فِيهِ ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، لَقَد طَغَى طُوفَانُ المَادَّةِ الجَافَّةِ، فَأَغْرَقَ جُسُومَ الرَّحْمَةِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى، وأَخَذَ البَعْضُ يُنَادِي ويَقُولُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ ذِئْبَاً أَكَلَتْكَ الذِّئَابُ، وإِنْ لَمْ تَجْهَلْ يُجْهَلُ عَلَيْكَ، وإِنْ لَمْ تَتَغَدَّ بِزَيْدٍ تَعَشَّى بِكَ.

يَا عِبَادَ اللهِ، أَمَا آنَ لهذهِ الأُمَّةِ، ولأَهْلِ هذا البَلَدِ الحَبِيبِ، المُقِيمِ فِيهِ والخَارِجِ مِنْهُ، أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْرِ اللهِ ومَا نَزَلَ من الحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ؟

نَسْأَلُكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ أَنْ لا تَنْزِعَ الرَّحْمَةَ من قُلُوبِنَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 8/شوال/1435هـ، الموافق: 24/ تموز/ 2015م

 2015-07-24
 2095
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 207 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 207
09-04-2024 480 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 480
04-04-2024 647 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 647
28-03-2024 533 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 533
21-03-2024 939 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 939
14-03-2024 1604 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1604

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412414703
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :