1-دروس رمضانية 1437هـ :رمضان يزرع فينا التقوى

1-دروس رمضانية 1437هـ :رمضان يزرع فينا التقوى

.

دروس رمضانية 1437هـ

1ـ رمضان يزرع فينا التقوى

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. فَشَهْرُ رَمَضَانَ يَزْرَعُ في نُفُوسِ الأُمَّةِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الغَايَةُ الأَسَاسِيَّةُ مِنَ الصِّيَامِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: شَهْرُنَا المُعَظَّمُ قَدْ حَلَّ، وَفُرْصَتُنَا للتَّزَوُّدِ حَانَتْ، وَالنَّاسُ في شَهْرِ رَمَضَانَ إِمَّا مُوَفَّقُونَ، وَإِمَّا مَخْذُولُونَ، وَسَيَبْكِي أُنَاسٌ أَسَىً وَنَدَمَاً على ضَيَاعِ اللَّيَالِي، وَفَوَاتِ الأَوْقَاتِ، في سَاعَةٍ لَا يَنْفَعُ فِيهَا نَدَمٌ وَلَا بُكَاءٌ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: رَمَضَانُ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَغْيِيرِ الأَحْوَالِ إلى مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ المُسْلِمُ عَلَيْهِ مِنْ تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُ مَا مِنْ عِبَادَةٍ شَرَعَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إلا لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، عَلِمَهَا مَنْ عَلِمَهَا، وَجَهِلَهَا مَنْ جَهِلَهَا، وَإِذَا جَهِلَ النَّاسُ الحِكْمَةَ في العِبَادَاتِ، فَلَيْسَ هَذَا دَلِيلَاً على أَنَّهُ لَا تُوجَدُ حِكْمَةٌ لَهَا، بَلْ هُوَ دَلِيلٌ على جَهْلِهِمْ عَنْ إِدْرَاكِ حِكْمَةِ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلَاً﴾.

وَصِيَّةُ اللهِ تعالى للأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدْ بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا الحِكْمَةَ مِنْ مَـشْرُوعِيَّةِ الصِّيَامِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. فَالصِّيَامُ سَبَبٌ لِحُصُولِ التَّقْوَى، وَهَذِهِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ مِنْ حِكَمِهِ العَظِيمَةِ.

هَذِهِ التَّقْوَى هِيَ وَصِيَّةُ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ﴾.

وَهِيَ وَصِيَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام أحمد والترمذي والحاكم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: التَّقْوَى هِيَ أَنْ نَتَّقِيَ غَضَبَ اللهِ تعالى في السِّرِّ وَالعَلَنِ؛ أَنْ نَتَّقِي اللهَ تعالى إِذَا كُنَّا في بُيُوتِنَا وَقَدْ غَلَّقْنَا الأَبْوَابَ، وَلَا يَرانَا أَحَدٌ إلا اللهُ تعالى.

حَقِيقَةُ التَّقْوَى:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَعْرِفَ حَقِيقَةَ التَّقْوَى، فَلْنَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ سَيِّدِنَا أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عِنْدَمَا سَأَلَهُ رَجُلٌ: مَا التَّقْوَى؟

قَالَ: أَخَذْتَ طَرِيقَاً ذَا شَوْكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعْتَ؟

قَالَ: إِذَا رَأَيْتُ الشَّوْكَ عَدَلْتُ عَنْهُ، أَوْ جَاوَزْتُهُ، أَوْ قَصُرْتُ عَنْهُ.

قَالَ: ذَاكَ التَّقْوَى.

إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَعْرِفَ حَقِيقَةَ التَّقْوَى، فَلْنَسْمَعْ إلى قَوْلِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، حَيْثُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلَاً مِنْ بَعْضِ الفُقَهَاءِ كَتَبَ إلى ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا يَقُولُ: أَلَا إِنَّ لِأَهْلِ التَّقْوَى عَلَامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا، وَيَعْرِفُونَهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، مَنْ رَضِيَ بِالقَضَاءِ، وَصَبَرَ على البَلَاءِ، وَشَكَرَ على النَّعْمَاءِ، وَصَدَقَ في اللِّسَانِ، وَوَفَّى بِالوَعْدِ وَالعَهْدِ، وَتَلَا لِأَحْكَامِ القُرْآنِ، وَإِنَّمَا الإِمَامُ سُوقٌ مِنَ الأَسْوَاقِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الحَقِّ حَمَلَ إِلَيْهِ أَهْلُ الحَقِّ حَقَّهُمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ البَاطِلِ حَمَلَ إِلَيْهِ أَهْلُ البَاطِلِ بَاطِلَهُمْ.

إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَعْرِفَ حَقِيقَةَ التَّقْوَى، فَلْنَسْمَعْ إلى قَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ العَبْدُ حَتَّى يَتَّقِيَهُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ وَحَتَّى يَتْرُكَ بَعْضَ مَا يَرَى أَنَّهُ حَلَالٌ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامَاً يَكُونُ حِجَابَاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَرَامِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: فَالغَايَةُ مِنَ الصِّيَامِ هِيَ أَنْ نُصْبِحَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى، وَإِذَا تَحَقَّقَتِ التَّقْوَى فِينَا فَإِنَّهَا تَمْحُو كُلَّ المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ نُفُوسِنَا، وَتَمْلَؤُهَا بِخَوْفِ اللهِ تعالى ورَجَائِهِ، وَبِذَلِكَ تُحْقَنُ الدِّمَاءُ، وَتُسْتَرُ الأَعْرَاضُ، وَتُصَانُ الجَوَارِحُ كُلُّهَا عَن مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الصَّوْمُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسُوق المُؤْمِنَ إلى تَقْوَى اللهِ سَوْقَاً، وَيَحْدُو بِهِ إلى العَمَلِ الصَّالِحِ وَالسَّعْيِ وَالمُسَارَعَةِ إلى الحَسَنَاتِ تَدَارُكَاً للزَّمَنِ الفَاضِلِ، وَمُبَادَرَةً قَبْلَ الفَوْتِ.

أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ لَا يَكُونَ صَوْمُنَا مُتَوَقِّفَاً عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَحَسْبُ مِنْ غَيْر زِيَادَةِ عَمَلٍ وَلَا مَزِيدٍ وَرَبْحٍ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 1 / رمضان /1437هـ، الموافق:6 / حزيران/ 2016م

 

 2016-06-06
 1074
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 329 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 329
26-05-2022 694 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 694
26-05-2022 519 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 519
29-04-2022 388 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 388
29-04-2022 821 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 821
29-04-2022 935 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 935

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413052872
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :