450ـ خطبة الجمعة: بادروا بالأعمال

450ـ خطبة الجمعة: بادروا بالأعمال

 

450ـ خطبة الجمعة: بادروا بالأعمال

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبَادَ اللهِ، الإِيمَانُ باللهِ تعالى واليَوْمِ الآخِرِ لَيْسَ كَلِمَةً تُقَالُ، إِنَّمَا هُوَ حَقِيقَةٌ ذَاتُ تَكَالِيفَ وأَمَانَةٍ، وذَاتُ أَعْبَاءٍ وجِهَادٍ، يَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ وجُهْدٍ، ويَحْتَاجُ إلى احْتِمَالٍ، والفِتْنَةُ والاخْتِبَارُ هِيَ دَلِيلٌ على صِدْقِ الإِيمَانِ ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، وَنَحْنُ لا نَشُكُّ  أَبَدَاً أَنَّنَا في زَمَنِ الفِتَنِ والأَحْدَاثِ العَظِيمَةِ الجَلِيلَةِ، ولَكِنْ عِنْدَمَا نَنْظُرُ بِنُورِ اللهِ تعالى، ونَسْتَهْدِي بِهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، تَنْكَشِفُ لَنَا الحَقَائِقُ، وتَتَبَدَّى الظُّلُمَاتُ، ونَكُونُ على حَذَرٍ من إِغْوَاءِ شَيَاطِينِ الإِنْسِ والجِنِّ.

وَصْفُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لِزَمَانِنَا:

يَا عِبَادَ اللهِ، وَاقِعُنَا المَرِيرُ، وحَالَتُنَا الرَّاهِنَةُ، من تَكَالُبِ الأَعْدَاءِ على هذهِ الأُمَّةِ، ومن تَفَرُّقِ الآرَاءِ، وكَثْرَةِ الجَهْلِ، قَد وَصَفَهُ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ».

قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟

قَالَ: «الْقَتْلُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

هَلْ تَرَوْنَ صُورَةً أَوْضَحَ وأَدَقَّ في وَصْفِ أَحْوَالِنَا اليَوْمَ في تَقَارُبِ الزَّمَانِ، ومَوْتِ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وفَقْدِهِم، وذَهَابِ المُخْلِصِينَ الصَّادِقِينَ مِنْهُم إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى، وظُهُورِ الفِتَنِ التي تُرَقِّقُ التي قَبْلَهَا، وظُهُورِ الشُّحِّ والبُخْلِ، وكَثْرَةِ الهَرْجِ والقَتْلِ.

يَا عِبَادَ اللهِ، اُنْظُرُوا إلى صُورَةٍ أَوْضَحَ من ذلكَ في مَسْأَلَةِ الفِتَنِ، روى الشيخان عَنْ أُسَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَشْرَفَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ». أَلَيْسَ قَطْرُ المَطَرِ يُصِيبُ كُلَّ شَيْءٍ، لَقَد عَمَّتِ البَلْوَى، وشَاعَتِ الفِتَنُ.

«بَادِرُوا بالأَعْمَالِ»:

يَا عِبَادَ اللهِ، لِنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَيَّامَ الفِتَنِ، والتي كَادَتْ أَنْ تُصِيبَ المُؤْمِنَ في دِينِهِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ، فِتَنَاً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنَاً وَيُمْسِي كَافِرَاً، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنَاً وَيُصْبِحُ كَافِرَاً، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِن الدُّنْيَا».

يَا عِبَادَ اللهِ، واللهِ لَكَأَنَّا نَرَى ذلكَ رَأْيَ العَيْنِ، ونَرَى مَن اسْمُهُ من أَسْمَاءِ المُسْلِمِينَ، وسَمْتُهُ من سَمْتِهِم، ثمَّ نَرَى فِعْلَهُ وقَالَهُ وحَالَهُ وكَأَنَّهُ لا عَلاقَةَ لَهُ بالإِسْلامِ، بَلْ رُبَّمَا أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ أَشَدَّ من أَفْعَالِ الكَافِرِينَ في الفَسَادِ، ومَا ذَاكَ إلا لِتَعَلُّقِهِ بالدُّنْيَا وحِرْصِهِ عَلَيْهَا.

يَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُحَرِّمَاً لِدَمِ أَخِيهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ، وَيُمْسِي مُسْتَحِلَّاً لَهُ، وَيُمْسِي مُسْتَحِلَّاً لَهُ، وَيُصْبِحُ مُحَرِّمَاً لَهُ.

ثمَّ يَقُولُ: فَوَاللهِ لَقَد رَأَيْنَاهُم صُوَرَاً ولا عُقُولَاً، وَأَجْسَامَاً ولا أَحْلَامَاً، فَرَاشَ نَارٍ، وَذُبَابَ طَمَعٍ، يَغْدُو يَبِيعُ دِينَهُ بِدِرْهَمَيْنِ، يَغْدُونَ بِدِرْهَمَيْنِ وَيَرُوحُونَ بِدِرْهَمَيْنِ، يَبِيعُ أَحَدُهُم دِينَهُ بِثَمَنِ العَنْزِ، واللهِ لَقَد رَأَيْنَاهُم.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، هذهِ الأَزْمَةُ فَرَّقَتْ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ، وبَيْنَ المُنَافِقِينَ الزَّائِفِينَ، وأَظْهَرَتْ مَكْنُونَاتِ مَا في قُلُوبِ النَّاسِ، وأَخْرَجَتْ دَخَائِلَ نُفُوسِهِم، وأَظْهَرَتْ خَوَاطِرَ عُقُولِهِم، وكَشَفَتْ ذلكَ في فَلَتَاتِ أَلْسِنَتِهِم، في كَثِيرٍ من أَحْوَالِهِم وأَقْوَالِهِم وأَفْعَالِهِم، قَالَ تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا باللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾.

اِبْتِلاءٌ يَسِيرٌ، ومِحْنَةٌ عَارِضَةٌ، تَرَى البَعْضَ انْسَلَخَ مِن دِينِهِ، وتَجَرَّدَ من إِيمَانِهِ، وشَكَّ في قُدْرَةِ رَبِّهِ رَبِّ الأَرْبَابِ، وَمَلِكِ المُلُوكِ، وجَبَّارِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، ونَسِيَ أَنَّ أَمْرَ اللهِ تعالى بَيْنَ الكَافِ والنُّونِ.

بِابْتِلاءٍ يَسِيرٍ، ومِحْنَةٍ عَارِضَةٍ، اِنْقَلَبَ على وَجْهِهِ، خَسِرَ الدُّنْيَا والآخِرَةَ، قَالَ تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾.

نَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَعْصِمَنَا من الذُّنُوبِ والخَطَايَا، وأَنْ لا نَضِيعَ مَعَ الضَّائِعِينَ، ولا نَزِيغَ مَعَ الزَّائِغِينَ، ولا نَهْلَكَ مَعَ الهَالِكِينَ، وأَنْ يُنَجِّيَنَا من جَمِيعِ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ. آمين.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 29/شوال/1435هـ، الموافق: 14/آب / 2015م

 2015-08-14
 4623
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 193 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 193
12-04-2024 879 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 879
09-04-2024 603 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 603
04-04-2024 708 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 708
28-03-2024 621 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 621
21-03-2024 1114 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1114

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413629057
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :