أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8028 - ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى﴾

10-05-2017 1258 مشاهدة
 السؤال :
كيف نوفق بين قول الله تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى﴾. وقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾. وبين قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ»؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8028
 2017-05-10

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى﴾. تَشْبِيهٌ مِنَ اللهِ تعالى للكُفَّارِ الأَحْيَاءِ أَنَّهُمْ كَالأَمْوَاتِ، لَا مِنْ حَيْثُ انْعِدَامُ الإِدْرَاكِ وَالحَوَاسِّ، بَلْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ قَبُولِهِمُ الهُدَى وَالإِيمَانَ، وَلَيْسَ المَقْصُودُ أَنَّهُ يُخَاطِبُ المَوْتَى في قُبُورِهِمْ لِيَدْعُوَهُمْ إلى اللهِ تعالى.

وَهَذَا مُسَطَّرٌ في القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتَاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. هَذَا كَانَ مَيْتَاً، أَيْ: في الضَّلَالَةِ، هَالِكَاً جَائِرَاً، فَأَحْيَاهُ اللهُ تعالى بِالإِيمَانِ، وَهَدَاهُ وَوَفَّقَهُ لِاتِّبَاعِ الرُّسُلِ ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾.

وَهَذِهِ الآيَةُ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾.

ثانياً: أَمَّا سَمَاعُ المَوْتَى وَهُمْ في البَرْزَخِ، فَهَذَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ، كَمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ أَهْلَ القَلِيبِ بِقَوْلِهِ: «يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقَّاً، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقَّاً؟».

قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وفي رِوَايَةٍ: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لَا يُجِيبُونَ».

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ القُبُورِ بِقَوْلِهِ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ يَسْمَعُ وَيَعْقِلُ، فَلَو كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ، لَقَالَ: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ المَقْبَرَةِ.

وبناء على ذلك:

فَالآيَةُ الكَرِيمَةُ: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى﴾. المَقْصُودُ بِهِمُ الكُفَّارُ، فَهُمْ أَمْوَاتُ الأَحْيَاءِ، فَهَؤُلَاءِ لَا يَسْمَعُونَ سَمَاعَ هِدَايَةٍ، لِأَنَّ اللهَ تعالى لَو عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرَاً لَأَسْمَعَهُمْ.

أَمَّا سَمَاعُ المَوْتَى في قُبُورِهِمْ فَهَذَا مُحَقَّقٌ، أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ»؟ رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَالآيَةُ تَتَحَدَّثُ عَنِ الكُفَّارِ، وَلَا عَلَاقَةَ لَهَا بِالمَوْتَى الذينَ مَاتَتْ أَجْسَادُهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
1258 مشاهدة