289ـمع الحبيب المصطفى : ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾

289ـمع الحبيب المصطفى : ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾

 

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

289ـ ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلَّمَا جَاءَ الأُسْبُوعُ الأَخِيرُ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ الفَرْدِ يَتَذَكَّرُ المُسْلِمُونَ سِيرَةَ نَبِيِّهِمْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيَتَذَكَّرُونَ مُعْجِزَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، يَتَذَكَّرُونَ هَذَا الحَدَثَ العَظِيمَ الذي هَزَّ العَالَمَ، يَتَذَكَّرُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلَاً مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾. وَيَتَذَكَّرُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾.

كَانَ الحَدَثُ مِنْحَةً بَعْدَ مِحْنَةٍ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الرِّحْلَةُ المُبَارَكَةُ التي ابْتَدَأَتْ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلى المَسْجِدِ الأَقْـصَى، وَمِنَ المَسْجِدِ الأَقْصَى إلى السَّمَاوَاتِ العُلَا، إلى مُسْتَوَىً لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ تعالى.

حَتَّـى بَلَغْتَ سَمَاءً لَا يُطَارُ لَهَا   ***   عَلَى جَنَاحٍ وَلَا يُسْعَى عَلَى قَدَمِ

وَقِيلَ كُـلُّ نَـبِيٍّ عِـنْدَ رُتْـبَـتِهِ   ***   وَيَـا مُحَمَّدُ هَذَا العَرْشُ فَاسْتَلِمِ

لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، حَتَّى بَلَغَ مُسْتَوَىً لَمْ يَبْلُغْهُ بَشَرٌ قَبْلَهُ، وَلَنْ يَبْلُغَهُ بَشَرٌ بَعْدَهُ؛ لَقَدْ أَكْرَمَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في المِعْرَاجِ بِأَنِ اسْتَقْبَلَهُ الأَنْبِيَاءُ المُوَزَّعُونَ عَلَى السَّمَاوَاتِ مُرَحِّبِينَ بِهِ وَمُسَلِّمِينَ عَلَيْهِ، بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِهِمْ جَمِيعَاً إِمَامَاً في المَسْجِدِ الأَقْصَى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ هَذَا الحَدَثُ العَظِيمُ بَعْدَ مِحْنَةٍ شَدِيدَةٍ وَقَاسِيَةٍ، حَيْثُ نَالَ مِنْ إِعْرَاضِ الخَلْقِ عَنْهُ مَا نَالَ، وَمِنْ إِيذَائِهِمْ لَهُ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ تعالى، فَأَرَادَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى أَنْ يُؤَانِسَ فُؤَادَهُ، وَأَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْ هَذِهِ المِحْنَةِ القَاسِيَةِ مِنْحَةً عَظِيمَةً لَا يَعْلَمُ قَدْرَهَا إِلَّا اللهُ تعالى.

لَقَدْ كَانَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ مُكَافَأَةً رَبَّانِيَّةً عَلَى مَا لَاقَاهُ مِنْ مِحَنٍ وَمَصَائِبَ وَابْتِلَاءَاتٍ، لَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ مُكَافَأَةً عَلَى صَبْرِهِ عَلَى حِصَارٍ دَامَ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ في شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ، وَمَا لَاقَى أَثْنَاءَ الحِصَارِ مِنْ جُوعٍ وَحِرْمَانٍ، لَقَدْ كَانَ هَذَا الحَدَثُ بَعْدَ فَقْدِ النَّاصِرِ الحَمِيمِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَفَقْدِ أُمِّنَا السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ الكُبْرَى الزَّوْجَةِ البَارَّةِ الوَفِيَّةِ التي مَا عَرَفَتِ البَشَرِيَّةُ زَوْجَةً صَالِحَةً مِثْلَهَا بَارَّةً وَفِيَّةً لِزَوْجِهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا؛ وَأَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللهَ تعالى كَافَأَهَا بِبَيْتٍ في الجَنَّةِ لَا نَصَبَ فِيهِ وَلَا صَخَبَ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَيْهَا، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.

لَقَدْ كَانَ هَذَا الحَدَثُ بَعْدَ أَنْ لَاقَى مَا لَاقَاهُ مِنْ ثَقِيفِ أَهْلِ الطَّائِفِ حَيْثُ سَلَّطُوا عَلَيْهِ السُّفَهَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالمَجَانِينَ وَالعَبِيدَ.

بَعْدَ هَذِهِ السَّنَوَاتِ العَصِيبَةِ كَافَأَ الحَبِيبُ حَبِيبَهُ، فَرَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَقَرَّبَهُ مِنْهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ مِنْ حُلَلِ الرِّضَا مَا أَنْسَاهُ كُلَّ مَا لَاقَاهُ، وَكُلَّ مَا سَيُلَاقِيهِ، لَقَدْ كَانَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ تَعْوِيضَاً عَظِيمَاً، وَجَائِزَةً قَيِّمَةً عَلَى صَبْرِهِ وَمُصَابَرَتِهِ في تَبلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

مُقَارَنَةٌ بَيْنَ السَّفَرَيْنَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَارِنُوا بَيْنَ السَّفَرِ الأَوَّلِ الذي كَانَ مِنْ مَكَّةَ إلى الطَّائِفِ، وَبَيْنَ السَّفَرِ الثَّانِي الذي كَانَ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلى المَسْجِدِ الأَقْصَى إلى السَّمَاوَاتِ العُلَا.

لَقَدْ كَانَ سَفَرُهُ الأَوَّلُ مِنْ مَكَّةَ إلى الطَّائِفِ مَشْيَاً عَلَى الأَقْدَامِ، وَكَانَ في صُحْبَةِ مَوْلَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وفي الطَّائِفِ اسْتَقْبَلَهُ بَنُو عَبْدِ يَالِيلَ بِالسُّخْرِيَةِ وَالاسْتِهْزَاءِ، وَأَغْرَوْا بِهِ العَبِيدَ وَالسُّفَهَاءَ وَالمَجَانِينَ.

أَمَّا سَفَرُهُ الثَّانِي، فَقَدْ كَانَ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلى المَسْجِدِ الأَقْـصَى رُكُوبَاً عَلَى البُرَاقِ، وَكَانَ في صُحْبَتِهِ سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفي الأَقْصَى اسْتَقْبَلَهُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ وَصَلَّى فِيهِمْ إِمَامَاً، وَلَمَّا عُرِجَ بِهِ إلى السَّمَاوَاتِ اسْتَقْبَلَتْهُ المَلَائِكَةُ الكِرَامُ مَعَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ المُوَزَّعِينَ في السَّمَاوَاتِ، وَحَيَّوْهُ أَعْظَمَ تَحِيَّةٍ.

لَقَدْ كَانَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ دَرْسَاً عَمَلِيَّاً لِكُلِّ مُؤْمِنٍ صَادِقٍ مَظْلُومٍ، بِأَنَّ بَعْدَ المِحْنَةِ مِنْحَةً، وَكُلَّمَا عَظُمَتِ المِحْنَةُ عَظُمَتِ المِنْحَةُ؛ فَهَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْتَضِيفُهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ، لِيَكُونَ مُقَدَّمَاً عَلَيْهِمْ جَمِيعَاً، وَيَقِفَ الجَمِيعُ عَلَى عُلُوِّ شَأْنِهِ وَرِفْعَتِهِ وَمَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللهِ تعالى.

﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بَعْدَ المِحَنِ القَاسِيَةِ جَاءَتِ المِنَحُ الغَالِيَةُ، في لَيْلَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى، مَا قَرَّتْ بِهِ عَيْنُهُ، وَقَوِيَ بِهِ يَقِينُهُ، وَصَارَ الإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ أَكْبَرَ مُعْجِزَاتِهِ بَعْدَ القُرْآنِ العَظِيمِ، لَقَدْ كَانَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ اللهِ تعالى لِرَسولِهِ وَمُصْطَفَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ فَرِحَ بِهَا أَهْلُ الإِيمَانِ، وَاغْتَاظَ مِنْهَا أَهْلُ الكُفْرِ وَالعِصْيَانِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾. وَهِيَ رُؤْيَا بَصَرِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ مَنَامِيَّةً، لِأَنَّ الإِسْرَاءَ وَالمِعْرَاجَ كَانَ بِالرُّوحِ وَالجَسَدِ يَقَظَةً، وَلَو كَانَ الإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ مَنَامَاً لَمَا كَانَ لَهُ أَثَرٌ في نُفُوسِ أَهْلِ الكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ وَالشِّرْكِ.

لَقَدْ رَأَى بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَلَائِكَةَ وَالأَنْبِيَاءَ وَالمُرْسَلِينَ، وَرَأَى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَرَأَى عَرْشَ الرَّحْمَنِ، وَسِدْرَةَ المُنْتَهَى، وَرَأَى مَا رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى، حَتَّى رَأَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى﴾. ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾. قَالَ: قَدْ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رواه الترمذي.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعَاً وَنَحْنُ نَذْكُرُ حَادِثَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ أَنْ نَشْكُرَ اللهَ تعالى عَلَى هَذَا الإِكْرَامِ الذي كَانَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ نَشْكُرَ اللهَ تعالى عَلَى نِعْمَةِ الصَّلَاةِ التي مَا عَرَفَ قَدْرَهَا إِلَّا مَنْ ذَاقَ حَلَاوَتَهَا، وَعَرَفَ مَنْزِلَتَهَا في دِينِ اللهِ تعالى، فَالصَّلَاةُ مَا فَرَضَهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ في عَالَمِ الأَرْضِ، بَلْ فَرَضَهَا في عَالَمِ السَّمَاءِ، حَيْثُ كَانَتْ للأُمَّةِ مِعْرَاجَاً تَعْلُو بِهَا أَرْوَاحُهَا إلى اللهِ تعالى. هَذَا أَوَّلَاً.

ثانياً: يَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعَاً وَنَحْنُ نَذْكُرُ حَادِثَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ أَنْ نَكُفَّ عَنِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ التي تُسْخِطُ عَلَّامَ الغُيُوبِ، لَا سِيَّمَا تِلْكَ الذُّنُوبَ التي شَاهَدَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهَا وَهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابَاً تَلِينُ مِنْ هَوْلِهِ القُلُوبُ؛ وَمِنْ تِلْكُمُ الذُّنُوبِ:

1ـ الرِّبَا، الذي قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾.

الرِّبَا الذي قَالَ فِيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رَجُلَاً يَسْبَحُ فِي نَهَرٍ وَيُلْقَمُ الْحِجَارَةَ، فَسَأَلْتُ مَا هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: آكِلُ الرِّبَا» رواه الإمام أحمد عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وفي رِوَايَةِ ابْنِ ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ، فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرَائِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا».

2ـ الغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ، لَقَدْ رَأَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَذَابَ أَهْلِ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، روى أبو داود عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ».

3ـ مُخَالَفَةُ الأَفْعَالِ للأَقْوَالِ، لَقَدْ رَأَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَذَابَ الذينَ خَالَفَتْ أَفْعَالُهُمْ أَقْوَالَهُمْ، روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قُلْتُ: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ؟».

وَمَا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ وَخَاصَّةً في هَذِهِ الفِتْنَةِ وَالمِحْنَةِ التي تَمُرُّ بِهَا بِلَادُ الشَّامِ، حَيْثُ نَسْمَعُ كَلَامَاً يَـسُرُّ، وَنَرَى فِعْلَاً يَغِيظُ، القَوْلُ في وَادٍ، وَالفِعْلُ في وَادٍ آخَرَ ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ هَذِهِ الذِّكْرَى ذِكْرَى الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ سَبَبَاً للتَّفَاؤُلِ بِكَشْفِ هَذِهِ الغُمَّةِ، بِشَرْطِ أَنْ نُحَافِظَ عَلَى أَوَامِرِ اللهِ تعالى، وَأَنْ نَجْتَنِبَ مَعَاصِيَ اللهِ تعالى.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 27/ رجب /1438هـ، الموافق: 24/ نيسان / 2017م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2268 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2268
20-06-2019 1369 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1369
28-04-2019 1149 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1149
28-04-2019 1158 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1158
21-03-2019 1722 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1722
13-03-2019 1596 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1596

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3152
المكتبة الصوتية 4740
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411761931
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :