389ـ خطبة الجمعة: قولوا لمن أفطر شهر رمضان

389ـ خطبة الجمعة: قولوا لمن أفطر شهر رمضان

 

 389ـ خطبة الجمعة: قولوا لمن أفطر شهر رمضان

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ، لقد عَظُمَت نِعمَةُ اللهِ عزَّ وجلَّ عَلَينَا بأن بَلَّغَنا شَهرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، وقد شَرَحَ صُدُورَنَا للإسلامِ، وَحَبَّبَ إلى قُلُوبَنَا الإيمَانَ، هذهِ النِّعمَةُ العَظِيمَةُ التي حُرِمَها الكَثِيرُ من النَّاسِ اليَومَ، حَيثُ بَلَّغَهُم رَبُّنَا عزَّ وجلَّ شَهرَ رَمَضَانَ، ولكن كَانَت صُدُرُهُم ضَيِّقَةً حَرِجَةً، فما شُرِحَت صُدُورُهُم للصَّلاةِ والصِّيَامِ والقِيَامِ، هؤلاءِ هُم من أشقَى خَلْقِ اللهِ تعالى إذا مَاتُوا على ذلكَ بِدُونِ تَوبَةٍ للهِ عزَّ وجلَّ.

يَا عِبَادَ اللهِ، كم هيَ نِعمَةُ اللهِ تعالى عَظِيمَةً عَلَينَا، بِحَيثُ وَفَّقَنَا للصِّيَامِ والقِيَامِ مَعَ الشَّدَائِدِ والمِحَنِ والحَربِ التي تَمُرُّ على بَلَدِنَا هذا، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ؟

نَحنُ في نِعمَةٍ ـ واللهِ الذي لا إلهَ غَيرُهُ ـ لو سَجَدنا على جَمرَةٍ من نَارٍ حتَّى تَخرُجَ أروَاحُنا من أجسَادِنا لما أدَّينَا اللهَ تعالى حَقَّهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ، من شَقَاوَةِ العَبدِ أن يُبَلِّغَهُ اللهُ تعالى شَهرَ رَمَضَانَ، ثمَّ يُعرِضَ هذا العَبدُ عن اللهِ عزَّ وجلَّ، من شَقَاوَةِ العَبدِ أن يَكُونَ شَهرُ رَمَضَانَ شَاهِدَاً عَلَيهِ.

يَا عِبَادَ اللهِ، من رَعَى شَهرَ رَمَضَانَ رَعَاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ، ومن ضَيَّعَهُ ضَيَّعَهُ اللهُ تعالى.

شَهرُ رَمَضَانَ شَهرُ مِحنَةٍ واختِبَارٍ:

يَا عِبَادَ اللهِ، لقد شَاءَ اللهُ عزَّ وجلَّ أن يَجعَلَ شَهرَ رَمَضَانَ شَهراً دَورِيَّاً، فَتَارَةً يَأتِي في فَصلِ الصَّيفِ، وتَارَةً في فَصلِ الشِّتَاءِ، وتَارَةً في فَصلِ الخَرِيفِ، وتَارَةً في فَصلِ الرَّبِيعِ، وما ذاكَ إلا لِحِكمَةٍ بَالِغَةٍ.

يَا عِبَادَ اللهِ، إذا جَاءَ شَهرُ رَمَضَانَ في فَصلِ الصَّيفِ كَانَ شَهرَ مِحنَةٍ واختِبَارٍ، يَمِيزُ اللهُ تعالى بِهِ الخَبِيثَ من الطَّيِّبِ، ويُفَرِّقُ بَينَ الصَّادِقِ والكَاذِبِ، وبَينَ المُؤمِنِ والمُنَافِقِ، قال تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، جَاءَنَا الآنَ شَهرُ رَمَضَانَ في فَصلِ الصَّيفِ، وفي هذهِ الأزمَةِ لِيَكُونَ اختِبَاراً وامتِحَاناً للأُمَّةِ، فمن رَأَى نَفسَهُ أنَّهُ مَوَفَّقٌ بِفَضْلِ اللهِ تعالى فَليَحمَدِ اللهَ تعالى، وعِندَما يَأتِي شَهرُ رَمَضَانَ في الشِّتَاءِ يَكُونُ غَنِيمَةً بَارِدَةً، ولكن في فَصلِ الصَّيفِ يَكُونُ الأجرُ مُضَاعَفاً إن شَاءَ اللهُ تعالى، لأنَّ الأجرَ على قَدْرِ المَشَقَّةِ.

الصِّيامُ والقُرآنُ شَافِعَانِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، يا من وَفَّقَكُمُ اللهُ تعالى للصِّيَامِ وتِلاوَةِ القُرآنِ أَبشِرُوا، وذلكَ من خِلالِ قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ.

وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ.

قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ» رواه الحاكم والإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما.

هَنِيئَاً لَكَ أَيُّها الصَّائِمُ القَائِمُ التَّالِي للقُرآنِ العَظِيمِ بِشَفَاعَةِ الصِّيَامِ والقُرآنِ لَكَ يَومَ القِيَامَةِ، هَنِيئَاً لَكَ أَيُّها الصَّائِمُ القَائِمُ وأنتَ تَعِيشُ هذهِ الأزمَةَ مَعَ شِدَّةِ الكَربِ ـ ولا أَتَأَلَّى على اللهِ عزَّ وجلَّ ـ هَنِيئَاً لَكَ الجَنَّةَ.

بَابُ الرَّيَّانِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، أَبشِرُوا بِبِشَارَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الشيخان عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ.

يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟

فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ».

قولوا لمن أفطَرَ شَهرَ رَمَضَانَ:

يَا عِبَادَ اللهِ، قولوا لمن أفطَرَ شَهرَ رَمَضَانَ، وأعرَضَ عن اللهِ عزَّ وجلَّ، وخَافَ على نَفسِهِ من التَّعَبِ والنَّصَبِ وشِدَّةِ العَطَشِ في شَهرِ رَمَضَانَ: لقد أعرَضتَ عن شَرعِ اللهِ تعالى، وأعرَضتَ عن الصِّيَامِ خَوفَاً من عَطَشِ سَاعَاتٍ مَعدُودَةٍ، وتَجَرَّأتَ على عِصيَانِ أمرِ اللهِ تعالى، واللهِ إن لم تَتُبِ إلى اللهِ تعالى، ولم تُدرِكْ رَحمَةَ اللهِ تعالى، فَسَوفَ يَأتِيكَ يَومٌ تَقِفُ فِيهِ في أرضِ المَحشَرِ، وتَدنُو الشَّمسُ من الرُّؤُوسِ بِمِقدَارِ مِيلٍ، وسَوفَ تَخُوضُ في عَرَقِكَ، ويَشتَدُّ عَلَيكَ العَطَشُ، ولن تَجِدَ مَاءً يُروِي ظَمَأَكَ، وإن اقتَرَبتَ من حَوضِ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فإنَّ المَلائِكَةَ سَتَطرُدُكَ شَرَّ طَردٍ ـ والعِياذُ باللهِ تعالى ـ

يَا عِبَادَ اللهِ، قولوا لمن خَسِرَ نَفسَهُ وأعرَضَ عن ذِكرِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، وجَاهَرَ بالإفطَارِ نَهَاراً بِدُونِ استِحيَاءٍ من اللهِ تعالى، ولا من عِبَادِ اللهِ تعالى: تَعالَ واسمَعْ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، قولوا: يا رَبَّنَا لَكَ الحَمدُ أن وَفَّقتَنَا للصِّيَامِ، ولَكَ الحَمدُ أن بَلَّغتَنَا بِدَايَةَ شَهرِ رَمَضَانَ، ولا نَدرِي هل نَبْلُغُ آخِرَ شَهرِ رَمَضَانَ أم لا؟

هل يا تُرَى يَنتَهِي أَجَلُنَا قَبلَ نِهَايَةِ شَهرِ رَمَضَانَ، أم يُبَلِّغُنا رَبُّنَا عزَّ جلَّ آخِرَهُ؟ أَعمَارُنَا بِيَدِ اللهِ تعالى، لا نَدرِي مَتَى تَنتَهِي، وهذهِ جَنَازَةٌ بَينَ أظهُرِنَا.

أسأَلُ اللهَ تعالى أن يَجعَلَهَا ذِكرَى لَنَا. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 6/رمضان /1435هـ، الموافق: 4/تموز / 2014م

 2014-07-04
 17137
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 121 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 121
12-04-2024 738 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 738
09-04-2024 579 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 579
04-04-2024 696 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 696
28-03-2024 593 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 593
21-03-2024 1050 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1050

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413000800
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :