أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6869 - رفض السماوات والأرض والجبال حمل الأمانة

04-05-2015 2706 مشاهدة
 السؤال :
في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومَاً جَهُولاً}. فهل يعتبر عصياناً؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6869
 2015-05-04

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: المَقْصُودُ بالأَمَانَةِ التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ، وأَعْظَمُهَا الإِيمَانُ، والتي يُجَازَى عَلَيهَا العَبدُ ثَوَابَاً أو عِقَابَاً.

ويُؤَيِّدُ هذا، ما رواه البيهقي عَن ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَرْفُوعَاً قَالَ: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا إلَّا الْأَمَانَةَ.

قَالَ: يُؤْتَى بِالْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقَالُ: أَدِّ أَمَانَتَك.

فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ ذَهَبَت الدُّنْيَا؟

قَالَ: فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا بِهِ إلَى الْهَاوِيَةِ، فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إلَى الْهَاوِيَةِ، وَتُمَثَّلُ لَهُ أَمَانَتُهُ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ دُفِعَتْ إلَيْهِ، فَيَرَاهَا فَيَعْرِفُهَا، فَيَهْوِي فِي أَثَرِهَا حَتَّى يُدْرِكَهَا، فَيَحْمِلَهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ خَارِجٌ زَلَّتْ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَهُوَ يَهْوِي فِي إِثْرِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ.

ثُمَّ قَالَ: الصَّلَاةُ أَمَانَةٌ، وَالْوُضُوءُ أَمَانَةٌ، وَالْوَزْنُ أَمَانَةٌ، وَالْكَيْلُ أَمَانَةٌ، وَأَشْيَاءُ عَدَّدَهَا، وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ.

فَأَتَيْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قُلْت: أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ؟

قَالَ: كَذَا، قَالَ: كَذَا؟

قَالَ: صَدَقَ، أَمَا سَمِعْت اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا﴾.

وروى الترمذي الحكيم عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللهُ لآدَمَ: يَا آدَمُ، إِنِّي عَرَضْتُ الأَمَانَةَ على السَّمَوَاتِ والأَرْضِ والجِبَالِ فَلَمْ يُطِقْنَهَا، فَهَل أَنْتَ حَامِلُهَا بِمَا فِيهَا؟

قَالَ: وَمَا فِيهَا يَا رَبِّ؟

قَالَ: إِنْ حَمَلْتَهَا أُجِرْتَ، وَإِنْ ضَيَّعْتَهَا عُذِّبْتَ.

قَالَ: فَأَنَا أَحْمِلُهَا بِمَا فِيهَا.

قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ في الجَنَّةِ إلا قَدْرَ مَا بَيْنَ صَلاةِ الأُولَى إلى العَصْرِ، حَتَّى أَخْرَجَهُ الشَّيْطَانُ مِنهَا».

ثانياً: السَّمَاوَتُ والأَرضُ والجِبَالُ لا يُمْكِنُهُمُ العِصْيَانُ، قَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعَاً أَوْ كَرْهَاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾.

واللهُ تَبَارَكَ وتعالى عَرَضَ طَاعَتَهُ على السَّمَاوَتِ والأَرضِ والجِبَالِ على أَنَّهَا إِنْ أَحْسَنَتْ أُثِيبَتْ وجُزِيِتَ، وإِنْ ضَيَّعَتْ عُوقِبَتْ، فَأَبَتْ حَمْلَهَا شَفَقَةً مِنهَا أَنْ لا تَقُومَ بالوَاجِبِ الذي عَلَيهَا، وقُلْنَ: لا، نَحنُ مُسَخَّرَاتٌ لأَمْرِكَ، لا نُرِيدُ ثَوَابَاً ولا عِقَابَاً.

وبناء على ذلك:

 

فالأَمَانَةُ هيَ التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ وعلى رَأْسِهَا الإِيمَانُ، ولا تُعْتَبَرُ السَّمَاوَتُ والأَرضُ والجِبَالُ رَفَضْنَ أَمْرَ اللهِ تعالى، وَوَقَعْنَ في العِصْيَانِ، لأَنَّ اللهَ تعالى عَرَضَ عَلَيهِنَّ عَرْضَاً، فَاعْتَذَرْنَ، ولَكِنْ عِنْدَمَا أَمَرَهُنَّ بِقَولِهِ: ﴿ائْتِيَا طَوْعَاً أَوْ كَرْهَاً﴾ فَأَجَابَتَا: ﴿أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾. هذا، واللهُ تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2706 مشاهدة