353ـ خطبة الجمعة: أفضل العبادة انتظار الفرج, ولكن سل نفسك

353ـ خطبة الجمعة: أفضل العبادة انتظار الفرج, ولكن سل نفسك

 

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبادَ الله، إنَّ شَرَّ ما مَنِيَتْ به النُّفوسُ يَأسٌ يُميتُ القُلوبَ، وقُنوطٌ تُظلِمُ به الدُّنيا، تَتَحَطَّمُ معَهُ الآمالُ، وإنَّ الأزَماتِ إذا استَحكَمَتْ، والخُطوبَ إذا تَوالَتْ، والمِحَنَ والمَصائِبَ والشَّدائِدَ والرَّزايا إذا ادلَهَمَّتْ، فلا مَخرَجَ منها إلا بالإيمانِ بالله تعالى وَحدَهُ، وبالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ، وبِحُسنِ الصَّبرِ والتَّصَبُّرِ، هذا هوَ الدِّرعُ الوَاقي من اليَأسِ والقُنوطِ أيَّامَ الشَّدائِدِ والمِحَنِ والأزَماتِ.

أينَ الرِّجالُ العَمالِقَةُ:

يا عِبادَ الله، إنَّ أثقالَ الحَياةِ وتَعَبَها ونَصَبَها وشِدَّتَها لا يُطيقُ على حَملِها الرِّجالُ الضِّعافُ، ولا يَذهَبُ بأعبائِها إلا الرِّجالُ العَمالِقَةُ الصَّابِرونَ أولو العَزمِ من النَّاسِ، إلا أصحابُ الهِمَمِ العالِيَةِ، إلا الذينَ سَمِعوا قَولَ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

فأينَ هؤلاءِ الرِّجالُ العَمالِقَةُ الصَّبَّارونَ في هذهِ الأزمَةِ؟

كم من مِحنَةٍ حَمَلَتْ في طَيَّاتِها مِنَحاً؟

يا عِبادَ الله، كم من مِحنَةٍ حَمَلَتْ في طَيَّاتِها مِنَحاً ورَحَماتٍ لهؤلاءِ العَمالِقَةِ من الرِّجالِ الصَّبَّارينَ في الشَّدائِدِ أولي العَزمِ من النَّاسِ، الذينَ كانَ إيمانُهُم بالله عزَّ وجلَّ أرسى من الرَّاسِياتِ، هؤلاءِ الرِّجالِ الذينَ كَانوا يَنتَظِرونَ الفَرَجَ مِنَ الله تعالى بَعدَ الشَّدائِدِ؟

يا عِبادَ الله، خُذوا على سَبيلِ المِثالِ سيِّدَنا يَعقوبَ عَلَيهِ السَّلامُ الذي دَخَلَ في مِحنَةٍ قاسِيَةٍ وشَديدَةٍ ذَهَبَ بها بَصَرُهُ من شِدَّتِها، كما قال تعالى: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيم﴾.

يا عِبادَ الله، سيِّدُنا يَعقوبُ عَلَيهِ السَّلامُ كانَ معَ الألَمِ يَعيشُ بالأمَلِ الذي ما عَرَفَ اليَأسَ ولا القُنوطَ، كانَ يَشكو هَمَّهُ إلى الله تعالى، ويَبُثُّ حُزنَهُ إلَيهِ، كما قال تعالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لا تَعْلَمُون﴾.

ما عَرَفَ اليَأسَ ولا القُنوطَ لأنَّهُ كانَ يَستَعينُ بالله تعالى على تِلكَ الشَّدائِدِ، فلقد قالَ في البَلاءِ الأوَّلِ عِندَما رَجَعَ أولادُهُ إلَيهِ بَعدَ إِلقاءِ سيِّدِنا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ في الجُبِّ: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون﴾.

وقالَ في البَلاءِ الثَّاني عِندَما رَجَعَ أولادُهُ من مِصرَ: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم﴾. لقد كَانَ في الابتِلاءِ الثَّاني أعظَمَ أمَلاً منهُ لأنَّ يَقينَهُ بالله تعالى أرسى من الجِبالِ، وعِلمَهُ بالله تعالى لا يَرقى إلَيهِ شَيءٌ من الشَّكِّ بأنَّ بَعدَ المِحنَةِ مِنحَةً.

نَعَم، يا عِبادَ الله، بَعدَ الضِّيقِ جاءَهُ الفَرَجُ، وبَعدَ المِحنَةِ جاءَتِ المِنحَةُ، وجَمَعَ اللهُ تعالى شَملَ العائِلَةِ، وتَحَقَّقَ لسيِّدِنا يوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ ما رَأى في المَنامِ، كما قال تعالى حِكايَةً عنهُ: ﴿يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِين﴾. وقال: ﴿يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقَّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم﴾.

الأزمَةُ لا تُذهِبُ نورَ الإيمانِ من القَلبِ:

يا عِبادَ الله، المُؤمِنُ الواثِقُ بِرَبِّهِ عزَّ وجلَّ لا تُفقِدُهُ الأزمَةُ ولا الشَّدائِدُ والمِحَنُ والمَصائِبُ نورَ الإيمانِ من قَلبِهِ، لأنَّهُ على يَقينٍ بأنَّهُ لا يَستَطيعُ أحَدٌ مهما أوتِيَ من قُوَّةٍ وجَبَروتٍ ومَنزِلَةٍ وعِلمٍ وقُدرَةٍ، ومهما بَلَغَتْ مَنزِلَتُهُ أن يَقطَعَ عنهُ رِزقَهُ، أو يَنتَقِصَ من أجَلِهِ شيئاً، لأنَّهُ على يَقينٍ من قَولِهِ تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. ومن قَولِهِ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً﴾.

هوَ على يَقينٍ بأنَّ رِزقَهُ لا يَجُرُّهُ حِرصُ حَريصٍ، ولا يَرُدُّهُ كَراهِيَةُ كارِهٍ، وهوَ على يَقينٍ بأنَّ أجَلَهُ بِيَدِ الله عزَّ وجلَّ لا يَستَطيعُ أحَدٌ من المَخلوقاتِ أن يُقَدِّمَهُ لَحظَةً أو يُؤَخِّرَهُ لَحظَةً.

يا عِبادَ الله، لذا نَرى العَبدَ المؤمِنَ في أيَّامِ الأزَماتِ يَدخُلُ أفضَلَ العِبادَةِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ». فهوَ يَلِجُ العِبادَةَ ـ عِبادَةَ انتِظارِ الفَرَجِ ـ أيَّامَ الأزَماتِ.

نَسألُ اللهَ تعالى أن يُعَجِّلَ بالفَرَجِ عن هذهِ الأمَّةِ.

إذا اشتَدَّ الحَبلُ انقَطَعَ:

يا عِبادَ الله، المُؤمِنُ الواثِقُ بِرَبِّهِ عزَّ وجلَّ يَنتَظِرُ الفَرَجَ أيَّامَ الشِّدَّةِ، فهوَ يُكثِرُ من الاستِرجاعِ: ﴿إِنَّا لله وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون﴾. ويُكثِرُ من قَولِ: (اللهُ المُستَعانُ) ويَحمَدُ اللهَ تعالى على كُلِّ حالٍ مُتَأسِّياً بسيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه ابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ: «الْحَمْدُ لله الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ» وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: «الْحَمْدُ لله عَلَى كُلِّ حَالٍ».

يا عِبادَ الله، لقد كانَ العَرَبُ يَقولونَ: إذا اشتَدَّ الحَبلُ انقَطَعَ؛ كِنايَةً عن الشَّدائِدِ بأنَّها لن تَدومَ، ولأنَّهُ من المُحالِ دَوامُ الحالِ.

يا عِبادَ الله، إذا اشتَدَّتِ الأزمَةُ فُرِجَتْ بِإذنِ الله تعالى، فانتَظِروا فَرَجَاً ومَخرَجاً، ونَحنُ على يَقينٍ بذلكَ إن شَاءَ اللهُ تعالى، وهذا اليَقينُ ما جاءَ من مَواقِفَ شَرقِيَّةٍ أو غَربِيَّةٍ، ما جاءَ من مَواقِفِ حُكَّامٍ ولا مَحكومينَ، بل جَاءَ من خِلالِ القُرآنِ العَظيمِ، والحَديثِ الشَّريفِ:

قال تعالى: ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾.

وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِين﴾.

وقال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد * وَمَن يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَام * وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُون﴾.

وروى الحاكم عَنِ الحَسَنِ في قَولِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾. قال: خَرَجَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوماً مَسروراً فَرِحاً وهوَ يَضحَكُ وهوَ يَقولُ: «لَن يَغلِبَ عُسرٌ يُسرَينِ ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾».

وروى الحاكم أيضاً عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: كانَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وبِحِيالِهِ جُحرٌ فقال: «لو جَاءَ العُسرُ فَدَخَلَ هذا الجُحرَ لَجَاءَ اليُسرُ فَدَخَلَ عَلَيهِ فَأخرَجَهُ». قال: فَأنزَلَ اللهُ تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾.

أفضَلُ العِبادَةِ انتِظارُ الفَرَجِ، ولكن سَلْ نَفسَكَ:

يا عِبادَ الله، أفضَلُ العِبادَةِ انتِظارُ الفَرَجِ، وأنا على يَقينٍ بأنَّ الأمَّةَ في هذا البَلَدِ تَنتَظِرُ الفَرَجَ من الله تعالى، ويَتَساءَلونَ فيما بَينَ بَعضِهِمُ البَعضِ: متى الفَرَجُ؟

وإذا رأى النَّاسُ رَجُلاً صالِحاً يَسألونَهُ هذا السُّؤالَ ظَنَّاً منهُم أنَّ عِندَهُ بِشارَةً، والحَقيقَةُ لا يَعلَمُ الغَيبَ إلا اللهُ تعالى، قال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ﴾.

نعم، يا عِبادَ الله، نَنتَظِرُ الفَرَجَ، ولكن لِيَسألْ كُلُّ واحِدٍ منَّا نَفسَهُ هذا السُّؤالَ: ماذا نَوَيتَ أن تَقولَ أو تَعمَلَ لو جاءَ الفَرَجُ؟

يا من يُكثِرُ الدُّعاءَ بِتَعجيلِ الفَرَجِ، ويَقولُ في السَّحَرِ، وفي أوقاتِ استِجابَةِ الدُّعاءِ:

الشِّدَّةُ أودَتْ بالمُهَجِ   ***   يا ربِّ فَعَجِّلْ بالفَرَجِ

ماذا تُريدُ أن تَفعَلَ بَعدَ الفَرَجِ؟ لأيِّ شَيءٍ تَستَعِدُّ لو جاءَكَ الفَرَجُ اليَومَ، واللهُ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ؟ سَلْ نَفسَكَ هذهِ الأسئِلَةَ:

أولاً: هل أنتَ عازِمٌ على التَّحَقُّقِ بالعُبودِيَّةِ لله تعالى بَعدَ هذهِ الأزمَةِ؟

ثانياً: هل أنتَ سَتَلتَزِمُ العِبادَةَ التي خُلِقتَ من أجلِها، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُون﴾؟

ثالثاً: هل إذا رَخُصَتِ الأسعارُ، وأطعَمَكَ اللهُ من جُوعٍ، وأمَّنَكَ من خَوفٍ، سَتَلتَزِمُ قَولَ الله تعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف﴾.

رابعاً: هل سَتَعزِمُ على أن لا تَعودَ إلى ما كُنتَ عَلَيهِ من مُخالَفاتٍ شَرعِيَّةٍ سُلوكِيَّةٍ كانَت أو أخلاقِيَّةٍ؟

خامساً: هل سَتَصطَلِحُ معَ الله تعالى؟ هل المرابي سَيَترُكُ الرِّبا؟ هل المُرتَشي سَيَترُكُ الرِّشوَةَ؟ هل الظَّالِمُ سَيَترُكُ ظُلمَهُ؟ هل العَاقُّ لِوالِدَيهِ سَيَترُكُ عُقوقَهُ؟ هل قَاطِعُ الرَّحِمِ سَيَترُكُ قَطيعَةَ الرَّحِمِ؟ هل..هل..هل.. ؟

يا عِبادَ الله، ما نَزَلَ بَلاءٌ إلا بِذَنبٍ، وما رُفِعَ إلا بِتَوبَةٍ، وهذهِ الأزمَةُ فَضَحَتِ العِبادَ وكَشَفَتْهُم على حَقيقَتِهِم، فهل من عَودَةٍ إلى الله تعالى؟

يا عِبادَ الله، مُصِيبَةُ المَصَائِبِ إذا كانَتِ الأمَّةُ تَنتَظِرُ الفَرَجَ لِتَرجِعَ إلى ما كانَتْ عَلَيهِ، من سُفورِ النِّساءِ، وطُغيانِ الشَّبابِ، وأكلِ الأموالِ بالبَاطِلِ، والجَورِ والظُّلمِ والحِقدِ والحَسَدِ وعَدَمِ الاحتِكامِ إلى كتابِ الله عزَّ وجلَّ؛ مُصيبَةُ المَصائِبِ إذا لم تُؤَدِّبْنا هَذهِ الأزمَةُ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يا عبادَ الله، أرَأيتُم مَريضاً دَخَلَ المَشفَى لإجراءِ عَمَلِيَّةٍ جِراحِيَّةٍ لهُ، يَنتَظِرُ الشِّفاءَ والتَّخَلُّصَ من ألَمِ العَمَلِيَّةِ لِيَرجِعَ إلى السَّبَبِ الذي كانَ مُوجِباً لِذاكَ المَرَضِ؟!

إنَّ العَبدَ المَريضَ الذي أُجرِيَتْ لهُ العَمَلِيَّةُ الجِراحِيَّةُ لِتَخليصِهِ من الدَّاءِ الذي حَلَّ به، إذا كانَ يَعيشُ بأمَلِ الشِّفاءِ من خِلالِ الألَمِ الذي ألَمَّ به لِيَرجِعَ إلى ما كانَ سَبَباً لِنُزولِ المَرَضِ به، والله ما هوَ إلا رَجُلٌ أخرَقُ لا عَقلَ لهُ.

ونَحنُ يا عِبادَ الله، ما جَعَلَ اللهُ تعالى بَأسَنا بَينَنا شَديداً إلا لإعراضِنَا عن كِتابِ الله عزَّ وجلَّ، وعن هَدْيِ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ الله وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ إِلَّا جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» رواه الحاكم وابن ماجه عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما.

نَسألُ اللهَ تعالى أن يَرُدَّنا إلى دِينِهِ رَدَّاً جَميلاً، وأن يَكشِفَ الغُمَّةَ عن هذهِ الأمَّةِ، وأن يُخرِجَنا من الهَمِّ والغَمِّ والكَربِ العَظيمِ عاجِلاً غَيرَ آجِلٍ. آمين.

أقولُ هَذا القَولَ، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 20 /ذو الحجة/1434هـ، الموافق: 25/تشرين الأول / 2013م

 2013-10-25
 25351
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 38 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 38
12-04-2024 664 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 664
09-04-2024 561 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 561
04-04-2024 680 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 680
28-03-2024 572 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 572
21-03-2024 1001 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1001

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412867909
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :