أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

5077 - المشاركة في تشييع جنازة نصراني

21-04-2012 38326 مشاهدة
 السؤال :
هل تجوز المشاركة في تشييع جنازة رجل نصراني؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 5077
 2012-04-21

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: لقد جَعَلَ الإسلامُ حُقوقاً على المسلمينَ فيما بين بعضهم البعض، ومن جملةِ هذهِ الحُقوقِ تَشييعُ جنازَةِ الرَّجلِ المسلمِ، وذلك لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ سِتٌّ، قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ) رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَذَهَبَ جمهورُ الفقهاءِ إلى أنَّ تَشييعَ جنازَةِ المسلمِ سُنَّةٌ، لحديث البراء بن عازب رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: (أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ) رواه الإمام البخاري. والأمرُ هنا لِلنَّدبِ لا لِلوُجوبِ باتِّفاقِ الفقهاءِ.

وقال الحنفية: اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ أَفْضَلُ مِنَ النَّوَافِلِ، إذَا كَانَ لِجِوَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ صَلاحٍ مَشْهُورٍ، والأفضلُ لِمشَيِّعِ الجنازَةِ المشيُ خَلْفَها، لِما رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (الجَنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلا تَتْبَعُ، وَلَيْسَ مِنْهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا).

ويقول سيدنا عليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (الاتِّبَاعُ لا يَقَعُ إلا عَلَى التَّالِي، وَلا يُسَمَّى المُقَدَّمُ تَابِعًا، بَلْ هُوَ مَتْبُوعٌ).

ويقول رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (قَدِّمْهَا بَيْنَ يَدَيْك، وَاجْعَلْهَا نُصْبَ عَيْنَيْك، فَإِنَّمَا هِيَ مَوْعِظَةٌ وَتَذْكِرَةٌ وَعِبْرَةٌ) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه.

ثانياً: مِن فَضْلِ اللهِ تعالى على عبدِهِ المؤمنِ أن شَرَعَ له الصَّلاةَ عليه عند انقِضاءِ أجلِهِ، ليكونَ المصلُّونَ شُفَعَاءَ له، روى ابن ماجه والطبراني والدارقطني عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: قال الله تعالى: ( يَا بْنَ آدَمَ: اثْنَتَانِ لَمْ تَكُنْ لَكَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، جَعَلْتُ لَكَ نَصِيبًا مِنْ مَالِكَ حِينَ أَخَذْتُ بِكَظَمِكَ لأُطَهِّرَكَ بِهِ وَأُزَكِّيَكَ، وَصَلاةُ عِبَادِي عَلَيْكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِكَ).

ثالثاً: إذا ماتَ العبدُ على الكفرِ ـ والعياذُ باللهِ تعالى ـ فهوَ مطرودٌ من رحمةِ اللهِ تعالى، ولا يجوزُ الدعاءُ له بالرحمةِ، ولا الاستغفارُ له، ولا القيامُ على قبرِهِ، قال تعالى: {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللهُ}. وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم}. وقال تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ}.

وبناء على ذلك:

 فلا يجوزُ تَشييعُ الرَّجلِ النَّصرانيِّ بعد موتِهِ، وخاصَّةً في هذا الوقتِ، لِوُجودِ المنكراتِ فيه، وهذا عند جمهورِ أهلِ العلمِ.

أمَّا إذا كانَ النَّصرانيُّ الميتُ قريباً لِلرَّجلِ المسلمِ، فَذَهَبَ بعضُ الفقهاءِ إلى جوازِ حُضورِ جنازتِهِ، على أن يكونَ أمامَ الجنازَةِ لا خَلْفَها.

رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: أنَّهُ ماتَ رجلٌ نصرانيٌّ وله ابنٌ مُسلمٌ، فلمْ يَتبَعهُ، فقال ابنُ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (كانَ يَنبَغِي لهُ أنْ يَتبعَهُ ويَدفِنَهُ ويَستَغفِرَ لهُ في حَياتِهِ) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.

وجاء في المجموع: وَيَجوزُ للمسلمِ اتِّبَاعُ جنازَةِ قريبِهِ الكافرِ. اهـ.

وروى الإمام أحمد عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: (لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، فَقَالَ: انْطَلِقْ فَوَارِهِ).

وروى الدارقطني أنَّه جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَحْضُرَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (اِرْكَبْ دَابَّتَكَ وَسِرْ أَمَامَهَا، فَإِنَّكَ إِذَا كُنْتَ أَمَامَهَا لَمْ تَكُنْ مَعَهَا).

وجاء في مصنف ابن أبي شيبة عن أبي وائل رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: مَاتَت أمِّي وهيَ نَصرانِيَّةٌ، فَأَتيتُ عُمَرَ، فَذَكَرتُ ذلكَ لهُ، فقال: (اِرْكَبْ دَابَّتَكَ وَسِرْ أَمَامَهَا). نسألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخِتام. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
38326 مشاهدة