أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8452 - ﴿لَا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ﴾

04-11-2017 1492 مشاهدة
 السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعَاً عَلِيمَاً﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8452
 2017-11-04

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى في سُورَةِ النِّسَاءِ: ﴿لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعَاً عَلِيمَاً﴾. يَعْنِي أَنَّ اللهَ تعالى لَا يُحِبُّ الجَهْرَ بِالسُّوءِ، وَلَا غَيْرَ الجَهْرِ بِهِ أَيْضَاً، مِنَ القَوْلِ القَبِيحِ، مِنْ سَبٍّ، أَو شَتْمٍ، أَو لَعْنٍ، أَو قَذْفٍ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، إِلَّا مَن كَانَ مَظْلُومَاً فَلَهُ أَنْ يُقَابِلَ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَا يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ» مَعْنَاهُ أَنَّ إِثْمَ السِّبَابِ الوَاقِعِ مِنِ اثْنَيْنِ مُخْتَصٌّ بِالبَادِئِ مِنْهُمَا كُلَّهُ، إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الثَّانِي قَدْرَ الانْتِصَارِ فَيَقُولَ للبَادِئِ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ لَهُ.

هَذَا مِنْ بَابِ العَدْلِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾. وَلَكِنْ كَظْمُ الغَيْظِ وَالعَفْوُ وَالإِحْسَانُ لِمَن أَسَاءَ أَوْلَى، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾.

وبناء على ذلك:

فَاللهُ تعالى لَا يُحِبُّ الجَهْرَ بِالسُّوءِ وَلَا غَيْرَ الجَهْرِ بِهِ، وَيَمْقُتُ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ، وَيَشْمَلُ جَمِيعَ الأَقْوَالِ السَّيِّئَةِ التي تَسُوءُ وَتُحْزِنُ، كَالشَّتْمِ، وَالقَذْفِ، وَالسَّبِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَيُبْغِضُهُ اللهُ تعالى، وَلَكِنْ يُحِبُّ الحُسْنَ مِنَ القَوْلِ، وَالكَلَامَ الطَّيِّبَ اللَّيِّنَ.

إِلَّا مَن ظُلِمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَابِلَ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، بِدُونِ زِيَادَةٍ عَلَى مَظْلَمَتِهِ، وَلَا يَتَعَدَّى بِالقَوْلِ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ، وَلَكِنَّ العَفْوَ أَوْلَى ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.

روى الإمام أحمد في مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ، فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ.

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَ يَشْتُمُنِي وَأَنْتَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، غَضِبْتَ وَقُمْتَ.

قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ، فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، وَقَعَ الشَّيْطَانُ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ».

ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ، يُرِيدُ بِهَا صِلَةً، إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا كَثْرَةً، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ، يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً، إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً». هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
1492 مشاهدة