أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8541 - ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيَاً﴾

08-12-2017 3588 مشاهدة
 السؤال :
ما هو تفسير قول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيَاً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولَاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8541
 2017-12-08

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ تَكْلِيمَ اللهِ تعالى لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، فَقَالَ: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيَاً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولَاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾.

فَالوَحْيُ مِنَ اللهِ تعالى لِرُسُلِهِ لَهُ أَشْكَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ، مِنْهَا الوَحْيُ الذي قَدْ يَكُونُ يَقَظَةً أَو مَنَامَاً، وَمِنْهَا التَّكْلِيمُ مُبَاشَرَةً مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَمِنْهَا عَنْ طَرِيقِ سَيِّدِنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

هَذَا هُوَ التَّكْلِيمُ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَلَيْسَ هُوَ التَّكْلِيمُ الخَاصُّ الذي خَصَّ بِهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ بَعْضَ رُسُلِهِ، قَالَ تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ﴾. وَهَذَا تَكْلِيمٌ خَاصٌّ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللهُ تعالى، ثُمَّ الرَّسُولُ الذي خُصَّ بِهَذَا التَّكْلِيمِ الخَاصِّ.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ أَوْحَى اللهُ تعالى إِلَيْهِ يَقَظَةً وَمَنَامَاً، وَكَلَّمَهُ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ تَكْلِيمَاً خَاصَّاً، وَنَزَلَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَصَلَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

وبناء على ذلك:

فَتَكْلِيمُ اللهِ تعالى للأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ إِمَّا عَنْ طَرِيقِ الوَحْيِ يَقَظَةً أَو مَنامَاً، وَإِمَّا عَنْ طَرِيقِ التَّكْلِيمِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِمَّا عَنْ طَرِيقِ سَيِّدِنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

أَمَّا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ كَلَّمَهُ اللهُ تعالى عَنْ طَرِيقِ الوَحْيِ، وَكَلَّمَهُ التَّكْلِيمَ العَامَّ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ سَيِّدَنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَزَادَهُ تَبَارَكَ وتعالى بِأَنْ كَلَّمَهُ تَكْلِيمَاً خَاصَّاً لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، عِنْدَمَا رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى.

وَلَا غَرَابَةَ في أَنْ يكَلِّمَهُ اللهُ تعالى كِفَاحَاً؛ فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى كَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ حَرَامٍ كِفَاحَاً، فَلَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

روى الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرَاً»؟

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالَاً وَدَيْنَاً.

قَالَ: «أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللهُ بِهِ أَبَاكَ»؟

قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدَاً قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحَاً؛ فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ.

قَالَ: يَا رَبِّ، تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً.

قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ».

قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتَاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
3588 مشاهدة