أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

575 - حكم ستر الوجه والكفين للمرأة

20-10-2007 108099 مشاهدة
 السؤال :
ما هو الوصف الشرعي للباس المرأة، وهل يجب عليها ستر الوجه والكفين؟ علماً أن هناك فتوى لفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في موقعه على الإنترنت في وصف اللباس الشرعي للمرأة ينص فيها على أن الوجه والكفين ليسا بعورة ولا يجب سترهما.
 الاجابة :
رقم الفتوى : 575
 2007-10-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أما بعد: فلا أدري هل سؤالكم عن حكم ستر الوجه أم عن لباس المرأة المسلمة؟ وكلام العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله تعالى وسائرَ علماءِ المسلمين، أنا مؤيد لقوله حفظه الله تعالى ـ وإن لم أكن أهلاً لذلك ـ فيما يتعلق بلباس المرأة إلا في مسألة الوجه والكفين، وخاصة في عصر مثل هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن.

وفي قوله: أما الغلو في حجب النساء عامة الذي عرف في بعض البيئات والعصور الإسلامية، فهو من التقاليد التي استحدثها الناس احتياطاً منهم، وسداً للذريعة في رأيهم، وليس مما أمر به الإسلام.

أقول: ليس هذا من الغلو في الحجاب، بل هو لرجحان الدليل عندهم في وجوب الستر، وكما تفضل سماحته احتياطاً، وسداً للذريعة، مع وجود الدليل.

وفي قوله: فقد أجمع المسلمون على شرعية صلاة النساء في المساجد مكشوفات الوجوه والكفين، على أن تكون صفوفهن خلف الرجال، وعلى جواز حضورهن مجالس العلم.

أقول: ليس فيه دليل على أن الوجه ليس بعورة، لأن صلاة المرأة في المسجد خلف الرجال لا إشكال فيه قطعاً، وحضورها مجالس العلم لا يدل على أن الوجه ليس بعورة وشهودها الغزوات لا يدل ذلك على أن الوجه ليس بعورة.

وإحرام المرأة في الحج والعمرة وجوب كشف وجهها وكفيها، وهذا دليل على أنه قبل إحرامها كانت ساترة لوجهها، وإلا كان تحصيلاً للحاصل، وأمُّنا السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقول: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله " محرمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا.

ومن الذي يستطيع أن يقول إحرام المرأة في الحج والعمرة ستر الوجه والكفين؟ فنحن مع ابن عقيل الحنبلي في فتواه هذه، ولكن ليس فيها نص على ما عدا حالة الإحرام، وإنما نص على حالة الإحرام، وأنه يجب كشف الوجه والكفين.

وإليك يا أخي الكريم ما كتبته في مسألة الوجه سائلاً المولى السداد لنا جميعاً.

سؤال: يرجى بيان الحكم الشرعي في مسألة ستر وجه المرأة، هل هو واجب عليها أم مندوب، مع ذكر الدليل؟

الجواب: أولاً: الإسلام حريص كل الحرص على طهارة المجتمع من أدران الفاحشة والتردي في ثورة الفساد والتحلل الخلقي. الإسلام يريد فتياناً صالحين ونساءً صالحات، ولا يريد فتياناً فاسقين ونساء طغاة. والنبي " يقول: (كيف بكم إذا فسق فتيانكم وطغى نساؤكم؟ قالوا: يا رسول الله وإن ذلك لكائن؟ قال: نعم وأشد، كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: يا رسول الله وإن ذلك لكائن؟ قال: نعم وأشد، كيف إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله وإن ذلك لكائن؟ قال: نعم وأشد، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) أخرجه رزين وأبو يعلى والطبراني.

الإسلام أمر الرجال بغض البصر وحفظ الفرج، وأمر النساء كذلك، وزاد عليهن بعدم إبداء الزينة لغير المحارم حفاظاً عليهن من النظرات الخائنة الجارحة، وقطعاً لمطامع الفجار من أصحاب الشهوات.

الإسلام أغلق نوافذ الفتن كلها، وأغلق أبواب الفواحش كلها، حرصاً منه على أعراضنا من فسق الفاسقين وفجور الفاجرين، وما أكثر الفساق والفجار في عصرنا، وما أكثر الدعوة إلى ذلك من خلال القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت الإباحية فضلاً عن المجلات والصحف الفاجرة.

الإسلام حرصاً منه على أعراضنا حرم على المرأة أن تضرب الأرض برجلها ليَعْلَم الرجال ما تخفي من زينتها، قال تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}.

الإسلام حرصاً منه على أعراضنا حرم على المرأة أن تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، فقال تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.

الإسلام حرصاً منه على أعراضنا حرم على المرأة أن تتعطر وتخرج إلى الشارع ليجد الناس ريحها، فقال النبي ": (أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية). رواه أحمد واللفظ له وأبو داود والترمذي وصححه.

الإسلام حرصاً منه على أعراضنا حرم على المرأة أن تخرج كاسية عارية، كما جاء في الحديث: (صنفان من أهل النار لم أرهما قط: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم.

الإسلام حرصاً منه على أعراضنا أوجب على المرأة أن تغطي قدمها، كما جاء في حديث ابن عمر أن النبي " قال: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة فكيف يصنعن النِّساءُ بِذُيولِهِنَّ؟ قالَ: يُرْخينَ شِبْرًا، فقالتْ: إِذاً تنكشف أقدامهنَّ قال فيُرْخينَهُ ذِراعًا لا يَزِدْنَ عليهِ) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.

ولا أدري أين تكمن الفتنة في الوجه أم في القدم؟

اسمع يا أخي، واسمعي يا أختاه بعض الأدلة على وجوب ستر الوجه.

روى الترمذي عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي ": (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان).

ومن الأدلة على وجوب ستر الوجه ما رواه البخاري في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزل قول الله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} يرحم الله نساء المهاجرات الأول شققن مروطهن فاختمرن بها. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: أي غطين وجوههن.

وروى البخاري ومسلم في قصة حديث الإفك عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: بينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فعرفني حين رآني، وقد كان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي.

وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله " محرمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا.

وروى الحاكم عن السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نتمشط قبل ذلك في الإحرام.

وروى البخاري ومسلم عن سيدنا أنس رضي الله عنه أن النبي " لما اصطفى صفية لنفسه من سبي خيبر قال الصحابة: ما ندري أتزوجها أم اتخذها أمَّ ولد، فلما أراد أن يركب حجبها وسترها وجعل رداءه على ظهرها ووجهها وجعلها بمنزلة نسائه.

وروى أبو داود في سننه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما نزلت {يدنين عليهن من جلابيبهن} خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية.

وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الله تعالى النساء نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة.

ورحمة الله تعالى ورضوانه على تلك المرأة المؤمنة الطاهرة التي تربت في أزكى القرون وأطهرها عندما استشهد ولدها في إحدى الغزوات مع سيدنا رسول الله "، فجاءت تبحث عن ولدها بين القتلى وهي متنقبة، فقيل لها: تبحثين عنه وأنت متنقبة؟ فأجابت بقولها: لأن أرزأ ولدي فلن أرزأ حيائي.

وأقول لسادتي العلماء حفظهم الله تعالى:

سادتي: اختلافكم في اجتهادكم في مسائل الفروع أراه من الابتلاء للسادة العلماء، أرى أن ينظروا إلى الواقع ويأخذوا من الأدلة ما فيه صلاح المجتمع وطهارته، يأخذوا من الأدلة ما يبعدون به المجتمع عن مواطن الفتن.

نعم تدرجوا في الأحكام مع النساء الكاسيات العاريات المتبرجات تبرجاً أشد من تبرج الجاهلية الأولى، ادعوهن إلى التستر والاحتشام وارتداء الحجاب الذي أمرهن الله به، وقولوا لهن: أمر الوجه والكفين فيهما سعة، حتى يذقن حلاوة الإيمان بالحجاب، ومن ذاقت حلاوة الإيمان بحجابها سوف تستر وجهها في هذا العصر العصيب التي أضرمت فيه نيران الشهوات.

دعوا سادتي السيدات الطاهرات اللواتي سترن وجوههن ولا تقولوا لهن: لا يجب ستر الوجه بحجة أن الوجه ليس بعورة، أقل ما يمكن أن تقولوا لهن: هذه مسألة خلافية بين العلماء، والأحوط لدينكن أن تسترن الوجه، لقول النبي ": (الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه...) فالأحوط أن تسترن وجهكن وخاصة في هذا المجتمع.

سادتي: ألا ترون أن الحديث عن كشف الوجه صار مركزاً عليه وخاصة في القنوات الفضائية؟ عدونا أراد من البقية الباقية من الصالحات أن يكشفن عن وجوههن.

سادتي: ربنا عز وجل يقول: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} لتكن الدعوة قائمة صباحاً ومساءً في إعانة هؤلاء الشباب على غض البصر، وخاصة أنهم لا يجدون سبيلاً إلى الزواج، أغلقت أمامهم سبل الزواج، وضعت العراقيل في طريقهم، لا يجدون رحمة من مجتمعهم، الآباء لا يزوجون الأبناء إلا بعد مراحل عدة إنهاء الدراسة، إنهاء خدمة العلم، تأمين البيت والمكتب والسيارة ورأس المال ـ ونيران الشهوات تحيط بهم من كل جانب.

فهل من المعقول أن تعطى الفتوى في جواز كشف الوجه في هذا المجتمع الذي لا تؤمن فيه الفتنة؟

وكلنا يعلم أن المجامع الفقهية التي عقدت صدرت على وجوب ستر الوجه إذا لم تكن الفتنة مأمونة.

ورحم الله من قال:

كل الحوادث مبداها من النظر والمرء ما دام ذا عين يقلِّبُها يسر مقلته ما ضرَّ مهجته كم نظرة فتكت في قلب صاحبها

 

ومعظم النار من مستصغر الشرر في أعين الغيد موقوف على خطر لا مرحباً بسرور جاء بالضرر فتك السهام بلا قوس ولا وتر

ثانياً: أما الأدلة التي يستدل بها من يقول إن الوجه ليس بعورة وبالتالي لا يجب ستره، فنقول وبالله التوفيق:

أما الحديث الأول الذي يستدلون به، فهو ما رواه أبو داود عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها دخلت على رسول الله " وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله " وقال: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى كفيه ووجهه. وهذا الحديث ضعيف لا يحتج به. ثم إن السيدة أسماء رضي الله عنها هي التي قالت - كما رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين -: كنا نغطي وجوهنا من الرجال.

وأما ما رواه البخاري ومسلم عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله " يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكَّرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكَّرهن، ثم قال: (تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم) فقامت امرأة من سطة الناس سفعاء الخدين فقالت: ولم يا رسول الله؟ قال: (لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير) قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن. فليس في هذا الحديث ما يدل على أن النبي " رآها وسكت عنها حتى رآها جابر، وغاية ما فيه أن جابراً رأى وجه تلك المرأة، فلعل جلبابها انحسر عن وجهها بغير قصد، فرآه جابر وأخبر عنه، ومن ادعى أن النبي " رآها كما رآها جابر وأقرها فعليه الدليل. ومما يدل على أن جابراً انفرد برؤيتها أن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبا هريرة وأبا سعيد رووا خطبة النبي " وموعظته للنساء ولم يذكر واحد منهم ما ذكره جابر من صفة خدي المرأة.

وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم وضيئة جاءت تستفتي رسول الله " فجعل الفضل ينظر إليها، وجعل النبي " يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر. فالجواب عنه:

أولاً: أن ابن عباس رضي الله عنه لم يكن حاضراً حين كان أخوه ينظر إلى الخثعمية وتنظر إليه، لأنه كان ممن قدمه النبي " مع الضعفة بليل كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما، وروايته للقصة إنما كانت من طريق أخيه الفضل بن عباس.

ثانياً: إن ابن عباس لم يصرح في حديثه أن المرأة كانت سافرة الوجه، وأن النبي " رآها وأقرها، وغاية ما فيه: أنه ذكر أن المرأة حسناء وضيئة، وإن كان الفضل قد رأى وجهها فرؤيته له لا تدل على أنها كانت مستديمة لكشفه، ولا أن النبي " رآها وأقرها على ذلك، وكثيراً ما ينكشف وجه المتحجبة بغير قصد منها بسبب انشغالها بشيء، أو بسبب ريح شديدة، فيرى وجهها من كان حاضراً عندها. ويوضح ذلك أن الذين شاهدوا قصة الفضل والخثعمية لم يذكروا حسن المرأة ووضاءتها، ولم يذكروا أنها كانت مسفرة عن وجهها، بل غاية ما في الحديث أنها تنظر إليه وينظر إليها، فدل هذا على أنها كانت مستترة عنهم.

ثالثاً: إن المرأة كانت محرمة بالحج، والمحرمة بالحج لا يجوز لها ستر وجهها لقول النبي ": (لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)، ومحل الخلاف في غير الحج، فالاستدلال بهذا الحديث على جواز الكشف استدلال في غير موضعه.

وأما حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي " صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يُعرفن من الغلس. فليس في الحديث ما يدل على جواز كشف الوجه، بل غاية ما فيه أن نساء الصحابة رضي الله عنهم كن يغطين وجوههن ويستترن عن نظر الرجال الأجانب، حتى إن من شدة مبالغتهن في التستر وتغطية الوجوه لا يعرف بعضهن بعضاً.

أرجع فأقول:

أولاً: أيهما أولى في هذا العصر في حق نسائنا؟ الكشف أم الستر؟ وإذا اختلف العلماء في الأدلة، فالواجب على المسلم أن يأخذ الأحوط في دينه.

ثانياً: أليس الأحوط في دين المرأة أن تسدل على وجهها لتعين الرجال على غض البصر. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
108099 مشاهدة