104ـ آدابه    في مجالسه (2)

104ـ آدابه    في مجالسه (2)

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

104ـ آدابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مجالسه (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: آدَابُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مَجَالِسِهِ:

وَكَانَ مَجْلِسُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَ أَمَانَةٍ عَلَى أَسْرَارٍ أَسَرَّهَا الجُلَسَاءُ إلى بَعْضِهِمْ، أَو كَانَ مُقْتَضَى الحَالِ كِتْمَانُهَا أَو خَفَاؤُهَا إلى حِينٍ آخَرَ).

لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ (وَذَلِكَ للوَعِيدِ الشَّدِيدِ الذي هَدَّدَ اللهُ تعالى بِهِ المُؤْمِنِينَ، حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾.

وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ خَافَ الصَّحَابَةُ مِنَ الوُقُوعِ في هَذَا النَّهْيِ، فَالْتَزَمُوا في مَجْلِسِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَفْضَ الصَّوْتِ، وَكَثْرَةَ الصَّمْتِ، وَكَانُوا يَتَوَاصَوْنَ بِذَلِكَ، وَيُعَلِّمُونَ الجَاهِلَ، وَيُذَكِّرُونَ الغَافِلَ.

فَفِي الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِ بِصَوْتٍ لَهُ جَهُورِيٍّ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ.

فَقُلْنَا: وَيْلَكَ، اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ، فَإِنَّكَ قَدْ نُهِيتَ عَنْ هَذَا.

قَالَ: لَا وَاللهِ حَتَّى أَسْمَعَهُ.

فقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَاؤُمُ».

فقَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ رَجُلَاً أَحَبَّ قَوْمَاً، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ أَيْ: يُحِبُّهُمْ وَلَكِنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَهُمْ، فَهَلْ تَنْفَعُهُ مَحَبَّتُهُ؟ ـ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»).

وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ (الأَبْنُ: بِفَتْحِ الهَمْزَةِ هُوَ: العَيْبُ، وَالحُرَمُ: جَمْعُ حُرْمَةٍ، وَهِيَ: مَا يُحْتَرَمُ وَلَا يَحِلُّ انْتِهَاكُهُ، وَمَا يَحْمِيهِ الرَّجُلُ مِنَ الأَهْلِ، وَمَا يَصُونُهُ وَيَحْفَظُهُ.

وَالمَعْنَى: أَنَّ مَجْلِسَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا تُعَابُ فِيهِ حُرَمُ النَّاسِ، وَلَا تُنْتَهَكُ بِقَذْفٍ أَو غِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا، بَلْ مَجْلِسُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَصُونٌ عَنْ كُلِّ قَوْلٍ قَبِيحٍ، وَعَنْ كُلِّ فِعْلٍ سَيِّءٍ).

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ (الفَلَتَاتُ: جَمْعُ فَلَتَةٍ، وَهِيَ: مَا يَبْدُرُ مِنَ الرَّجُلِ مِنْ سَقْطَةٍ أَو هَفْوَةٍ، أَوْ زَلَّةٍ، وَمَعْنَى: لَا تُنْثَى: أَيْ: لَا تُشَاعُ وَلَا تُذَاعُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَثَا الحَدِيثَ: إِذَا حَدَّثَ بِهِ وَأَشَاعَهُ.

وَالمَعْنَى: كَمَا قَالَ العُلَمَاءُ في شَرْحِ هَذِهِ الجُمْلَةِ: أَنَّهُ لَا فَلَتَاتَ في مَجْلِسِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْلَاً، فَلَا يَصْدُرُ مِنْ جُلَسَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ زَلَّاتٌ في مَجْلِسِهِ حَتَّى تُذَاعَ، بَلِ المَجْلِسُ حَصِينٌ بِالأَدَبِ وَالكَمَالِ، وَعَلَى هَذَا فَالنَّفْيُ مُنْصَبٌّ عَلَى الفَلَتَاتِ. أَو المَعْنَى: إِنْ صَدَرَتْ هَفْوَةٌ مِنْ أَحَدِ الجُلَسَاءِ، فَلَا تُذَاعُ وَلَا تُنْقَلُ عَنِ المَجْلِسِ، بَلْ يُنَبَّهُ إِلَيْهَا صَاحِبُهَا، وَتُسْتَرُ عَلَيْهِ فَلَا تُعَادُ أَصْلَاً).

مُتَعَادِلِينَ، بَلْ كَانُوا يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى (أَيْ: مُتَسَاوِينَ بَيْنَهُمْ وَمُتَوَافِقِينَ مَعَ بَعْضِهِمْ، فَلَا يَتَكَبَّرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا يَفْخَرُ أَحَدٌ مِنَ الجُلَسَاءِ عَلَى أَحَدٍ بِحَسَبٍ أَو نَسَبٍ، بَلْ كَانُوا يَتَفَاضَلُونَ في مَجِلْسِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالتَّقْوَى، فَأَيُّهُمْ أَتْقَى فَهُوَ الأَفْضَلُ عِنْدَهُمْ.

وَفِي رِوَايَةٍ: يَتَعَاطَفُونَ، بَدَلَاً مِنْ: يَتَفَاضَلُونَ، وَالمَعْنَى كَمَا قَالَ العَلَّامَةُ الخَفَاجِيُّ: يَعْطِفُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيُشْفِقُ عَلَيْهِ وَيَرْحَمُهُ بِسَبَبِ تَقْوَى اللهِ، لَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً، وَلَا خَوْفَاً وَاتِّقَاءَ شَرٍّ).

مُتَوَاضِعِينَ، يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، ويَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الحَاجَةِ، ويَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ (يُؤْثِرُونَ ذَا الحَاجَةِ فَيُقَدِّمُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ في تَقْرِيبِهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِيَقْضِيَ لَهُ حَاجَتَهُ، أَو يُجْيبَهُ عَنْ مَسْأَلَتِهِ، كَمَا أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَهُ بِقَضَائِهَا لَهُ، وَإِعَانَتِهِ عَلَيْهَا، وَلَو كَانُوا في الحَاجَةِ مِثْلَهُ، وَيَحْفَظُونَ حَقَّ الغَرِيبِ وَكَرَامَتِهِ). اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 30/ جمادى الآخر /1440هـ، الموافق: 4/ آذار / 2019م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  من كتاب سيدنا محمد رسول الله   

20-03-2021 2680 مشاهدة
203ـ تمسح الملائكة بالقبر الشريف

رَوَى الدَّارَمِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ كَعْبَاً ـ أَيْ: كَعْبَ الأَحْبَارِ ـ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ كَعْبٌ: مَا مِنْ يَوْمٍ يَطْلُعُ ... المزيد

 20-03-2021
 
 2680
12-03-2021 1498 مشاهدة
202ـ إفاضة القبر الشريف بالأسرار والأنوار

بَابُ مَا أَكْرَمَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ المَدِينَةِ قَحْطَاً شَدِيدَاً، ... المزيد

 12-03-2021
 
 1498
19-02-2021 1009 مشاهدة
201ـ بكاء الصحابة لتذكرهم عهوده صلى الله عليه وسلم

عَادَ خَبَّابَاً نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَبْشِرْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَرِدُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَوْضَ! ... المزيد

 19-02-2021
 
 1009
20-11-2020 4192 مشاهدة
200ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (2)

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ... المزيد

 20-11-2020
 
 4192
13-11-2020 1929 مشاهدة
199ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ ... المزيد

 13-11-2020
 
 1929
06-11-2020 996 مشاهدة
198ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (5)

بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِأَلَمِ فِرَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ مَجَالِسِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ... المزيد

 06-11-2020
 
 996

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412429793
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :