72ـ من ضحكه   

72ـ من ضحكه   

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

72ـ من ضحكه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَرَجَ تَاجِرَاً إِلَى بُصْرَى، وَمَعَهُ نُعَيْمَانُ وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَكِلَاهُمَا بَدْرِيٌّ، وَكَانَ سُوَيْبِطٌ عَلَى الزَّادِ، فَجَاءَهُ نُعَيْمَانُ، فَقَالَ: أَطْعِمْنِي.

فَقَالَ: لَا، حَتَّى يَأْتِيَ أَبُو بَكْرٍ.

وَكَانَ نُعَيْمَانُ رَجُلَاً مِضْحَاكَاً مَزَّاحَاً، فَذَهَبَ إِلَى نَاسٍ جَلَبُوا ظَهْرَاً (أَيْ: إِبِلَاً) فَقَالَ: ابْتَاعُوا (اشْتَرُوا) مِنِّي غُلَامَاً (عَبْدَاً) عَرَبِيَّاً فَارِهَاً (فَتِيَّاً) وَهُوَ ذُو لِسَانٍ، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ: أَنَا حُرٌّ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَارِكِيهِ لِذَلِكَ، فَدَعُونِي، لَا تُفْسِدُوا عَلَيَّ غُلَامِي.

فَقَالُوا: بَلْ نَبْتَاعُهُ مِنْكَ بِعَشْرِ قَلَائِصَ (أَيْ: نُوقٍ شَابَّةٍ) فَأَقْبَلَ بِهَا يَسُوقُهَا، وَأَقْبَلَ بِالْقَوْمِ حَتَّى عَقَلَهَا.

ثُمَّ قَالَ لِلْقَوْمِ: دُونَكُمْ هُوَ هَذَا.

فَجَاءَ الْقَوْمُ، فَقَالُوا: قَدِ اشْتَرَيْنَاكَ.

قَالَ سُوَيْبِطٌ: هُوَ (أَيْ: النُّعَيْمَانُ) كَاذِبٌ، أَنَا رَجُلٌ حُرٌّ.

فَقَالُوا: قَدْ أَخْبَرَنَا خَبَرَكَ، وَطَرَحُوا الْحَبْلَ فِي رَقَبَتِهِ، فَذَهَبُوا بِهِ.

فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأُخْبِرَ، فَذَهَبَ هُوَ وَأَصْحَابٌ لَهُ، فَرَدُّوا الْقَلَائِصَ وَأَخْذُوهُ.

فَضَحِكَ مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلَاً.  وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطـَّيَالِسِيُّ وَابْنُ مَاجَه في بَابِ المُزَاحِ.

وَفِي الجُزْءِ الثَّالِثِ مِنَ الإِصَابَةِ نَقْلَاً عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ: أَنَّ النُّعَيْمَانَ كَانَ لَا يَدْخُلُ المَدِينَةَ طُرْفَةٌ إِلَّا اشْتَرَى مِنْهَا، ثُمَّ جَاءَ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: هَا أَهْدَيْتُهُ لَكَ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا يَطْلُبُ نُعَيْمَانَ بِثَمَنِهَا، أَحْضَرَهُ النُّعَيْمَانُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: أَعْطِ هَذَا ثَمَنَ مَتَاعِهِ.

فَيَقُولُ: «أَوَلَمْ تُهْدِهِ لِي؟».

فَيَقُولُ: إِنَّهُ وَاللهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي ثَمَنُهُ، وَلَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَأْكُلَهَ.

فَيَضْحَكُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَيَأْمُرُ لِصَاحِبِهِ بِثَمَنِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ ضَحِكُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَمْرِ العَجِيبِ يَبْلُغُهُ:

رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَتَتْ سَلْمَى امْرَأَةُ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (أَيْ: عَتِيقَهُ) إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْتَأْذِنُهُ عَلَى أَبِي رَافِعٍ قَدْ ضَرَبَهَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي رَافِعٍ: «مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَبَا رَافِعٍ؟».

قَالَ: تُؤْذِينِي يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بِمَ آذَيْتِيهِ يَا سَلْمَى؟».

قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا آذَيْتُهُ بِشَيْءٍ، وَلَكِنَّهُ أَحْدَثَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ المُسْلِمِينَ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمُ الرِّيحُ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَقَامَ فَضَرَبَنِي.

فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ وَيَقُولُ: «يَا أَبَا رَافِعٍ، إِنَّهَا لَمْ تَأْمُرْكَ إِلَّا بِخَيْرٍ» انْظُرْ شَرْحَ المَوَاهِبِ.

وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: هَلْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُونَ؟

فَقَالَ: نَعَمْ، وَإِنَّ الإِيمَانَ في قُلُوبِهِمْ أَمْثَالُ الجِبَالِ، وَرُبَّمَا قَالَ: وَإِنَّ الإِيمَانَ في قُلُوبِهِمْ أَعْظَمُ مِنَ الجِبَالِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَأَمَّا الضَّحِكُ المَنْهِيُّ عَنْهُ شَرْعَاً: فَهُوَ مَا كَانَ مِنْ بَابِ السُّخْرِيَةِ بِالنَّاسِ، وَانْتِقَاصِهِمْ، أَو فِيهِ انْتِهَاكٌ لِحُرُمَاتِ الدِّينِ أَو المُسْلِمِينَ، أَو مَا كَانَ كَثِيرَاً، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ الرُّوحَانِيَّ الإِيمَانِيَّ، لِمَا تُـفْضِي إِلَيْهِ مِنَ الغَفْلَةِ المُورِثَةِ لِقَسْوَةِ القَلْبِ، وَتُمِيتُ القَلْبَ الجِسْمَانِيَّ، لِأَنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُضْعِفُ القَلْبِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ خَفَقَانِهِ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلى مَوْتِهِ.

قَالَ الإِمَامُ الغَزَالِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَثْرَةُ الضَّحِكِ وَالفَرَحِ بِالدُّنْيَا سُمٌّ قَاتِلٌ يَسْرِي إلى العُرُوقِ، فَيُخْرِجُ مِنَ القَلْبِ الخَوْفَ وَالحُزْنَ. اهـ.

رَوَى البُخَارِيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ وَابْنُ مَاجَه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُكْثِرُوا الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ»

وَهُنَاكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَرَدَتْ في النَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ الضَّحِكِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 25/محرم /1440هـ، الموافق: 5/ تشرين الأول / 2018م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  من كتاب سيدنا محمد رسول الله   

20-03-2021 2650 مشاهدة
203ـ تمسح الملائكة بالقبر الشريف

رَوَى الدَّارَمِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ كَعْبَاً ـ أَيْ: كَعْبَ الأَحْبَارِ ـ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ كَعْبٌ: مَا مِنْ يَوْمٍ يَطْلُعُ ... المزيد

 20-03-2021
 
 2650
12-03-2021 1470 مشاهدة
202ـ إفاضة القبر الشريف بالأسرار والأنوار

بَابُ مَا أَكْرَمَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ المَدِينَةِ قَحْطَاً شَدِيدَاً، ... المزيد

 12-03-2021
 
 1470
19-02-2021 995 مشاهدة
201ـ بكاء الصحابة لتذكرهم عهوده صلى الله عليه وسلم

عَادَ خَبَّابَاً نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَبْشِرْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَرِدُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَوْضَ! ... المزيد

 19-02-2021
 
 995
20-11-2020 4142 مشاهدة
200ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (2)

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ... المزيد

 20-11-2020
 
 4142
13-11-2020 1895 مشاهدة
199ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ ... المزيد

 13-11-2020
 
 1895
06-11-2020 980 مشاهدة
198ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (5)

بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِأَلَمِ فِرَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ مَجَالِسِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ... المزيد

 06-11-2020
 
 980

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411972623
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :