373ـ خطبة الجمعة: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟

373ـ خطبة الجمعة: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟

 

 373ـ خطبة الجمعة: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله، ابتِلاءاتُ الله تعالى لِعِبادِهِ ولِخَلْقِهِ في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا سُنَّةٌ كَونِيَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لا تَتَخَلَّفُ ولا تَتَوَقَّفُ في لَحظَةٍ من اللَّحَظاتِ، وهيَ تَجري على المُؤمِنينَ كما تَجري على الكَافِرينَ، وتَجري على الطَّائِعينَ كما تَجري على العَاصِينَ، قال تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُون * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين﴾.

والابتِلاءاتُ من الله تعالى تَارَةً تَكونُ بالخَيرِ، وتَارَةً أُخرَى تَكونُ بالشَّرِّ فيمَا يَبدُو لنا، قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾. وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن * كَلا﴾. فالابتِلاءاتُ سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ لا تَتَوَقَّفُ، فَتَارَةً تَكونُ بالخَيرِ، وتَارَةً تَكونُ بالشَّرِّ.

أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟:

يا عباد الله، أشَدُّ النَّاسِ ابتِلاءً هُمُ الأنبِياءُ والمُرسَلونَ والصِّدِّيقونَ والصَّالِحونَ من هذهِ الأُمَّةِ، ومِصداقُ هذا ما جاءَ في الأحادِيثِ الشَّريفَةِ، فَلْيَسْمَعْ أصحَابُ الابتِلاءاتِ اليَومَ الذينَ ابتَلاهُمُ اللهُ عزَّ وجلَّ بِنَوعٍ من أنواعِ الابتِلاءاتِ، لِيَسْمَعْ من تَهَدَّمَ بَيتُهُ، ومن سُفِكَ دَمُهُ، ومن سُلِبَ مَالُهُ، لِيَسْمَعْ هؤلاءِ وأمثَالُهُم حَديثَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهُم يَجِدونَ لأنفُسِهِم سُلواناً.

روى الإمام البخاري عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ.

قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟

قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، والله لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، أَو الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».

يا عباد الله، يا من ضَاقَ صَدْرُهُ في هذهِ الأزمَةِ، يا من أُصيبَ فيها، من أنا ومن أنتَ بِجَانِبِ أصحَابِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ أينَ مَقَامُنا من مَقَامِهِم، وخاصَّةً بَعدَ قَولِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»؟ رواه الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فلا يَضِقْ صَدْرُكَ في هذهِ الأزمَةِ، لقد سَألَ الصَّحبُ الكِرامُ رَضِيَ اللهُ عنهُم سَيِّدَنا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يَستَنصِرَ لَهُم، وأن يَدعُوَ اللهَ تعالى لَهُم من شِدَّةِ الأزمَةِ التي مَرَّت عَلَيهِم، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما قالَ.

نَتيجَةُ المُؤمِنِ بَعدَ الأزمَةِ:

يا عباد الله، الأزمَةُ لا بُدَّ إلا وتَنتَهي، والأمنُ سَيَعودُ بإذنِ الله تعالى، والمِحنَةُ والأزمَةُ مهما طَالَ أمَدُها فهوَ قَصيرٌ، والفَرَحُ آتٍ لا مَحَالَةَ إن شاءَ اللهُ تعالى، والمُؤمِنُ سَيَخرُجُ من هذهِ الأزمَةِ بإذنِ الله تعالى وهوَ أَصلَبُ عُوداً، وأقوَى قَلباً، وأكثَرُ إيماناً واطمِئناناً.

نَعَم يا عباد الله، المُؤمِنُ يَعتَريهِ الخَوفُ، ويُصيبُهُ القَلَقُ والضِّيقُ، ويَشعُرُ بالأسَى والحُزنِ، فَقَلبُهُ يَحزَنُ لما يَجرِي، وعَينُهُ تَدمَعُ لما حَلَّ بالأُمَّةِ، ولكنَّهُ صَابِرٌ مُحتَسِبٌ ثَابِتٌ ثُبوتَ الرَّاسِياتِ، لا يَتَزَعزَعُ ولا يَتَغَيَّرُ، ولا يَتَلاعَبُ بِكِتابِ الله تعالى، ولا بِسُنَّةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولا يَتَلاعَبُ بالأحكامِ الشَّرعِيَّةِ، فَيُحِلُّ ما حَرَّمَ اللهُ تعالى، أو يُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللهُ تعالى، ولا يَخرُجُ عن جَادَّةِ الصَّوابِ، كُلُّهُ اتِّباعٌ وانقِيادٌ لأمرِ الله تعالى، ولأمرِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

بل ويَزدادُ حُبَّاً لله عزَّ وجلَّ، وحُبَّاً لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَذَرَّاتُهُ تُحِبُّ وتَعشَقُ مَولاهُ الفَعَّالُ لما يُريدُ.

فَوَعِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعلَمُ أَنَّ قَلبي يُحِبُّكَ:

يا عباد الله، اُنظُروا إلى سَلَفِنا الصَّالِحِ إذا حَلَّت بِهِمُ الشَّدَائِدُ كَيفَ يَكونُ حَالُهُم، فهذا سَيِّدُنا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ حِينَ اشتَدَّ به نَزْعُ المَوتِ، فَنُزِعَ نَزْعاً لم يُنْزَعْهُ أحَدٌ، وكانَ كُلَّما أفاقَ من غَمْرَةٍ فَتَحَ عَينَيهِ ثمَّ قالَ: رَبِّ اخنُقْني خَنقَتَكَ، فَوَعِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعلَمُ أَنَّ قَلبي يُحِبُّكَ. رواه البزار.

يا عباد الله، قالَ سَيِّدُنا مُعاذٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ هذهِ الكَلِمَةَ وهوَ في أزمَةٍ شَديدَةٍ، وهوَ في سَكَراتِ المَوتِ التي لا يَعرِفُ حَقيقَتَها إلا اللهُ تعالى، ثمَّ الذي ذَاقَها.

روى الإمام البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالَت: إِنَّ مِنْ نِعَمِ الله عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي ـ أي: مَاتَ وهوَ مُستَنِدٌ لِصَدْرِهَا ما بَينَ جَوفِهَا وعُنُقِهَا ـ وَأَنَّ اللهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ.

فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟

فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ.

فَتَنَاوَلْتُهُ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟

فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ.

فَلَيَّنْتُهُ، فَأَمَرَّهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ ـ أَوْ عُلْبَةٌ ـ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ.

يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ». ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى». حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ.

وروى الإمام أحمد وابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَمُوتُ وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ».

يا عباد الله، آخِرُ كَربٍ يَمُرُّ على العَبدِ المُؤمِنِ هوَ سَكَراتُ المَوتِ، هل يَقولُ الوَاحِدُ منَّا ما قالَهُ سَيِّدُنا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ في الأزَماتِ، والتي أشَدُّها عِندَ سَكَراتِ المَوتِ: رَبِّ اخنُقْني خَنقَتَكَ، فَوَعِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعلَمُ أَنَّ قَلبي يُحِبُّكَ؟

من أينَ جَاءَ هذا الحُبُّ؟

يا عباد الله، من أينَ جَاءَ هذا الحُبُّ لله عزَّ وجلَّ، حتَّى قالَ سَيِّدُنا مُعاذٌ ما قالَهُ وهوَ في أشَدِّ الأزَماتِ؟

لقد جَاءَهُ هذا من ماءِ اليَقينِ الذي شَرِبَهُ من سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «عَجَباً لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

جَاءَهُ هذا من اليَقينِ من قَولِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُون﴾.

يا عباد الله، لقد وَقَعَ سَلَفُنا الصَّالِحُ رَضِيَ اللهُ عنهُم في الأزَماتِ، وأصَابَهُمُ اللهُ تعالى بما أصَابَهُم من الشَّدَائِدِ والمِحَنِ التي لا يَعلَمُها إلا اللهُ تعالى، ولكن ما نَطَقَت ألسِنَتُهُم إلا بما يُرضي رَبَّنا عزَّ وجلَّ.

ونَحنُ نَتَشَبَّهُ بالسَّلَفِ الصَّالِحِ ونَقولُ: إنَّ القَلبَ لَيحزَنُ على ما يَجري، وإنَّ العَينَ لَتَدمَعُ على ما حَلَّ بالأُمَّةِ، ولا نَقولُ إلا ما يُرضي رَبَّنا: ﴿إِنَّا لله وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون﴾.

﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ﴾:

يا عباد الله، يا أصحَابَ الابتِلاءاتِ، كونوا على يَقينٍ بأنَّ هذا هوَ الخَيرُ في حَقِّنا، فَلْنَكُنْ شَاكِرينَ صَابِرينَ حَامِدِينَ قَائِلِينَ: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ﴾.

هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ بِقَولِهِ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾.

وهذا ما وَعَدَنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» رواه الإمام أحمد عن فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها.

يا عباد الله، لا تُغَيِّروا ولا تُبَدِّلوا في الأزَماتِ، وكونوا رِجالاً بِكُلِّ ما تَحمِلُهُ هذهِ الكَلِمَةُ من المَعنى، رَجاءَ أن نَدخُلَ تَحتَ قَولِهِ تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾. أحِلُّوا ما أحَلَّ اللهُ، وحَرِّموا ما حَرَّمَ اللهُ، في الرَّخاءِ والشَّدَائِدِ، كونوا وَقَّافِينَ عِندَ حُدودِ الله عزَّ وجلَّ، فلا تَظلِموا إن ظُلِمتُم، ولا تُسيئُوا إن أُسيءَ إلَيكُم.

يا عباد الله، الأزمَةُ تَكشِفُ حَقيقَةَ المُؤمِنِ فَيَقولُ: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ﴾. وتَزيدُهُ إيماناً ﴿وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾.

وأمَّا العَبدُ المُنافِقُ فالأزمَةُ تَفضَحُهُ وتَكشِفُ حَقيقَتَهُ، قال تعالى في حَقِّ المُنافِقينَ في الأزَماتِ: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُوراً﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

 يا عباد الله، لقد أظهَرَتِ الأزمَةُ مَعَادِنَ النَّاسِ، وحَقيقَةَ إيمانِهِم، فَكَم هوَ الفَارِقُ كَبيرٌ بَينَ قَائِلٍ يَقولُ: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ﴾. وقَائِلٍ يَقولُ:  ﴿ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُوراً﴾؟

لِنَقُلْ جَميعاً في هذهِ الأزمَةِ: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ﴾. ولنَقُلْ: يا رَبِّ، اِفعَلْ بنا ما تَشاءُ، فَوَعِزَّتِكَ وجَلالِكَ وسُلطانِكَ وكِبرِيائِكَ إنَّ قُلوبَنا تُحِبُّكَ، ولكن، لا تُحَمِّلْنا ما لا طَاقَةَ لنا به، ولكن، عَافِيَتُكَ أوسَعُ لنا، يا ربِّ، لقد آمَنَّا وصَدَّقْنا أنَّ ما أصَابَنا لم يَكُنْ لِيُخطِئَنا، وما أخطَأَنا لم يَكُن لِيُصِيبَنا، فَلَكَ الحَمدُ على كُلِّ حَالٍ، ونَعوذُ بكَ من حَالِ أهلِ النَّارِ. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 13/جمادى الأولى/1435هـ، الموافق: 14/آذار/ 2014م

 2014-03-14
 17292
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 38 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 38
12-04-2024 661 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 661
09-04-2024 560 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 560
04-04-2024 680 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 680
28-03-2024 570 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 570
21-03-2024 1001 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1001

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412826143
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :