45ـ بمناسبة حلول شهر رمضان: أسئلة هامة في الصيام(1)

45ـ بمناسبة حلول شهر رمضان: أسئلة هامة في الصيام(1)

 

سؤال: هنالك من صام يوم السبت اعتماداً منه على رؤية هلال رمضان في بعض الأقطار الإسلامية، حيث ألزم ولي الأمر في سورية الأمة بصيام رمضان بدءاً من يوم الأحد، وكذلك ألزم ولي الأمر في سورية الأمة بصيام يوم الاثنين إتماماً لعدة رمضان ثلاثين يوماً، فما حكم الفطر يوم الاثنين في سورية لمن صام يوم السبت؟

الجواب: يجاب عن هذا الموضوع من خلال أمرين اثنين، الأمر الأول: هو إخبار المفتي بقول الأئمة في هذه المسألة. الأمر الثاني: هو من يملك حق إلزام الأمة بالصوم والفطر؟

أما الجواب عن الأمر الأول:

فهلال رمضان وهلال شوال إذا رؤي في قطر من الأقطار وجب الصوم على الأمة جميعاً، وكذلك وجب الفطر عليهم، وهذا عند الأئمة الثلاثة السادة الحنفية، والمالكية، والحنابلة، أما عند السادة الشافعية فلا يجب الصوم عندهم إلا إذا رؤي في نفس القطر.

فالمفتي يخبر الأمة بالأحكام الشرعية، وهذه هي وظيفته، وليس من حقه الإلزام.

وأما الجواب عن الأمر الثاني:

فالذي يلزم الأمة ببدء الصوم ونهايته هو ولي الأمر، وطاعته واجبة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59] فالمفتي يخبر وولي الأمر يلزم.

وطالما أن المسألة خلافية منذ الصدر الأول للإسلام إلى يومنا هذا، فبوسع ولي الأمر أن يختار أي الأقوال من أقوال الأئمة الثقات ويلزم الأمة بذلك وينهي الخلاف.

وبناء على ذلك:

فمن صام يوم السبت أخذاً برأي جمهور الفقهاء لا حرج عليه، وليس له أن يلزم الآخرين بذلك، ولا ينكر على من أفطر، لأن من أفطر يوم السبت أفطر بناء على قول السادة الشافعية رضي الله عنهم.

وإذا قال بعضهم: أين طاعة ولي الأمر من هذا الذي صام يوم السبت؟ نقول له: إنها متحققة في حقه، فولي الأمر ألزم الأمة بالصوم يوم الأحد بداية رمضان، فالذي صام يوم السبت هو ملتزم للأمر حيث صام يوم الأحد، وتعجل في ذلك ولا حرج عليه، ولا يعتبر أنه شق عصا الطاعة.

أما بالنسبة لمن أفطر يوم الإثنين أخذاً كذلك بقول الجمهور فلا حرج عليه في الفطر إن شاء الله، ولكنه وقع في مخالفة ولي الأمر، فإن علم ولي الأمر بفطره فمن حقه أن يعاقبه، لأنَّ وليَّ الأمر ما ألزم الأمة بناء على هوى منه، بل بناء على قول معتمد من أقوال الأئمة.

وليس من حق من أفطر يوم الاثنين أن يلزم أحداً بالفطر، لأنَّ من له الولاية العامة ألزم الأمة بالصوم، وهذا من حقه.

أما من صام يوم الأحد ـ موافقاً لأمر ولي الأمر في سورية ـ فلا يجوز له الفطر يوم الاثنين أخذاً بقول الجمهور، فإذا أفطر وجب عليه القضاء مع الكفارة وهي صيام ستين يوماً.

ومن قدم من بلد كان بدء الصوم عندهم يوم السبت، ودخل سورية وهو لا يعلم بالأحكام الشرعية التي ذكرناها، وجب عليه صوم يوم الاثنين بناء على وجوب طاعة ولي الأمر، وينقلب الزائد من صومه إلى نافلة. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: بعض الدول تثبت العيد أو رمضان اعتماداً على مراصد علمية، علماً بأنه في هذا اليوم قبل العيد بيوم أو يومين أعلنت دولة أن العيد هو يوم الجمعة، ودولة أخرى أنه يوم السبت. فما حكم الشرع في ذلك الذي يقول فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فالمعلوم عندكم أن بداية الصوم ونهايته لا تكون إلا من خلال قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) رواه البخاري ومسلم. فالرؤية رؤية بصرية، ولا يجوز الاعتماد فيها على المراصد، وهذا ما صدرت عنه المجامع الفقهية، ولكن لا مانع من الاستعانة بها ولكن بدون اعتماد عليها، وعلى كل حال نرجو الله أن يجمع شمل هذه الأمة على الحق.

وبناء على ذلك:

فالاحتياط في العبادة أفضل، فإذا لم تثبت الرؤية البصرية عليهم أن يتموا شهر رمضان ثلاثين يوماً، وألا يعتمدوا على الأرصاد الجوية. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: رجل أفطر أكثر من شهر من شهور رمضان، فماذا يترتب عليه؟ هل عليه القضاء مع الكفارة؟ أم القضاء فقط؟ وهل عليه فدية بتأخير القضاء أم لا؟

الجواب: حصر الفقهاء الآثار المترتبة على الإفطار في أمور، منها القضاء والكفارة والفدية، والإمساك بقية النهار.

أولاً: القضاء: من أفطر يوماً أو أياماً من رمضان، أو شهراً، أو عدة شهور، قضى بعدة ما فاته، لقوله تعالى: {ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 185]. فمن فاته صوم رمضان كله، قضاه بالعدد، إن كان ثلاثين، قضاه ثلاثين، وإن كان تسعة وعشرين، قضاه تسعة وعشرين، ويجوز أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف، ويجوز عكسه.

وقضاء رمضان على التراخي لا على الفور، بشرط أن لا يهل رمضان آخر، ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر من غير عذر، فان أخر فعليه الفدية، وهي إطعام مسكين لكل يوم مع القضاء.

وعند الحنفية يجب القضاء على التراخي، بدون شرط، وبدون فدية بتأخير القضاء لما بعد رمضان الجديد.

أما بالنسبة للكفارة، فإنها تجب على من أفطر عامداً في نهار رمضان بعد شروعه في الصيام بغير عذر ولا مرض ولا سفر، والكفارة هي: العتق ثم الصيام ثم الإطعام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: يارسول الله هلكت، قال: (ما لك؟). فقال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تجد رقبة تعتقها؟). قال: لا، قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟). قال: لا، قال: (فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟). قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك، أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق ـ مكيال يسع ستين مداً ـ فيها تمر، قال: (أين السائل؟). فقال: أنا، قال: (خذ هذا فتصدق به). فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله، فوالله ما بين لابتيها ـ يريد الجبال التي تحيط بالمدينة ـ أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: (أطعمه أهلك). أخرجه البخاري.

فخصال الكفارة هي العتق أو الصيام أو الإطعام، وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الكفارة مرتبة على الشكل التالي، عتق رقبة أولاً، إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإن لم يجد، فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن عجز فعليه إطعام ستين مسكيناً.

وذهب المالكية إلى أن كفارة إفساد الصوم على التخيير، أي المكفِّر يختار واحدة من ثلاثة، إما العتق وإما الصوم وإما الإطعام. والإطعام أفضل من العتق والصوم عند المالكية.

وخلاصة الجواب:

الواجب على هذا الأخ قضاء ما فاته مع الفدية عن كل يوم إطعام مسكين، ثم الكفارة، وهي صيام شهرين، وهذا عند جمهور الفقهاء. وإذا أراد أن يقلد السادة المالكية في الكفارة بإطعام ستين مسكيناً فلا حرج. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: رجل جامع امرأته في شهر رمضان بعد السحور، فسمع الأذان وهو يجامع فأنهى جماعه مباشرة، فما حكم صيامه وصيام زوجته؟ هل أفطرا أم لا؟

الجواب: الواجب على كل مسلم ومسلمة نويا الصوم أن يكفا عن كل مفطر، من أكل وشرب وجماع إذا دخل وقت الفجر، فإذا أذن المؤذن وكان لا يؤذن إلا عند طلوع الفجر وجب على المسلم أن يمسك عن كلِّ مفطر مباشرة، فإن استمر بطعامه وشرابه أو جماعه بعد قول المؤذن الله أكبر كان مفطراً، لأنه قد فعل المفطر في جزء من النهار، والله تعالى يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]. وهذا يُعلم بطلوع الفجر الصادق.

وبناء على هذا:

يترتب عليه وعلى زوجته إذا استمر في الجماع بعد قول المؤذن الله أكبر عند طلوع الفجر، إمساك بقية اليوم حُرمة لشهر رمضان، ووجب عليهما القضاء والكفارة، وهي صيام شهرين متتابعين.

وإذا نزع بمجرد قول المؤذن الله أكبر، وصار معه الإنزال لا شيء عليه، وصومه صحيح لأنه كالاحتلام، والأحوط لكل مسلم ومسلمة أن يمسكا عن جميع المفطرات قبل الفجر بعشر دقائق على الأقل، حتى يتحقق الإمساك عند طلوع الفجر الصادق. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: رجل صائم في شهر رمضان المبارك، فقبل زوجته في النهار، فما حكم هذا الصوم؟

الجواب: إذا كان التقبيل في نهار رمضان يحرك الشهوة يكره فعله، فإن فعل فأنزل فعليه القضاء دون الكفارة عند السادة الحنفية والشافعية، أما عند السادة المالكية عليه القضاء مع الكفارة، لأن فيه تعريضاً لإفساد العبادة، وورد في الحديث الصحيح: (من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه). متفق عليه. أما إذا كانت القبلة لا تحرك الشهوة فإنه لا بأس فيها عند جمهور الفقهاء.

وإذا كان بالقبلة ينتقل ريق المرأة إلى الرجل، وريق الرجل إلى المرأة، أو يتذوق كل من الزوجين طعم جلد الآخر ملوحة أو غير ذلك، فإن هذا مفطر، ويترتب على من تذوق شيئاً مما ذكر القضاء دون الكفارة ولو لم يكن إنزال. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: امرأة حامل وجسدها ضعيف ولا تقوى على صيام شهر رمضان المبارك، فما العمل؟ هل تفطر أم تصوم ولو أدى الصوم إلى ضررها والضرر بالمحمول؟

الجواب: أباح الشارع الشريف لمثل هذه المرأة الفطر، إذا كانت ضعيفة وهي حامل وتخشى على نفسها وحملها، ولا فدية عليها ولا كفارة لوجود العذر، ولكن عليها القضاء فقط بعد شهر رمضان عند استطاعتها، لقوله تعالى: {فمن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم). أخرجه أبو داود. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: هل الزينة للمرأة في نهار رمضان مفطرة أم لا؟

الجواب: الزينة لا تفطر الصائم إذا وُضعت على الجسم ولم تدخل إلى الجوف، أما إذا كان طعم الزينة تتذوقه المرأة مثل ـ أحمر شفاه ـ فهذا مفطر، ويجب على المرأة القضاء دون الكفارة.

والأولى في حق المرأة المسلمة أن لا تفعل ذلك، لأنه داعٍ إلى الإثارة، والصائم في عبادة، وينبغي لـه أن يجتنب كل ما يثير الشهوة، لذلك كره لها التطيب، وكذلك يكره الطيب للرجل أثناء صومه. فالأولى للمرأة المسلمة الابتعاد عن المساحيق أثناء صومها، وعندها الليل واسع للتجمل والتزين لزوجها. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: هل التحميلة الشرجية تفطر الصائم؟

الجواب: التحميلة الشرجية تفطر الصائم عند جمهور أهل العلم، لأنها عين تدخل إلى الجوف من منفذ مفتوح. وقد أخرج البيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إنما الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل، وإنما الفطر مما دخل وليس مما يخرج). هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: متى يجب على الصائم أن يمسك عن الطعام والشراب عند وقت الإمساك أم عند أذان الفجر؟

الجواب: إن الأكل والشرب في ليلة الصيام مباح إلى طلوع الفجر، لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر). رواه البخاري.

فأفاد ذلك أن غاية إباحة الأكل والشرب هي طلوع الفجر، وهو الفجر الصادق، فيحل لـه أن يأكل ويشرب إلى قبيل طلوعه بأيسر زمن، ويحرم عليه الأكل والشرب إذا طلع الفجر.

فإذا أكل وشرب على ظن عدم طلوعه، ثم ظهر أنه كان قد طلع فسد صومه، وعليه القضاء دون الكفارة، وأن يمسك بقية نهاره. أما إذا أكل وشرب مع يقينه بطلوع الفجر فعليه القضاء مع الكفارة ويمسك بقية يومه.

ويستحب تأخير السحور بحيث يكون بين الفراغ منه وبين طلوع الفجر مقدار قراءة خمسين آية من القرآن الكريم، كما ورد في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، وكان بين الأذان والسحور قدر خمسين آية. وهذا متفق عليه ينبغي العمل به، وعدم العدول عنه لكونه أفضل وأحوط.

ومنه يُعلم: أن الإمساك لا يجب إلا قبل طلوع الفجر، وأن المستحب أن يكون بينه وبين طلوع الفجر قدر قراءة خمسين آية، ويقدر ذلك زماناً بعشر دقائق. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: رجل صائم وفي لثته مرض، والدم يخرج منها فما حكم صيامه، إذا ابتلع شيئاً من دم لثته عن غير قصد؟

الجواب: عند السادة الحنفية رضي الله عنهم: إذا دميت لثته فدخل ريقُه حلقَه مخلوطاً بالدم ولم يصل إلى جوفه لا يفطر وإن كان الدم غالباً على الريق، لأنه لا يمكن الاحتراز منه، أما لو وصل إلى جوفه فإن كان الدم غالباً فسد صومه، وعليه القضاء دون الكفارة، وإن كان البصاق غالباً فلا شيء عليه، وإن تساويا فالأحوط قضاء اليوم.

ومذهب السادة الشافعية: الإفطار بابتلاع الريق المختلط بالدم، لتغير الريق، والدم نجس لا يجوز ابتلاعه، وإذا تحقق أنه لم يبتلع الدم لا يفطر، لأن الريق الذي لم تخالطه النجاسة لا يفطر الصائم. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: ما هو حكم الاستياك للصائم؟

الجواب: عند جمهور الفقهاء لا بأس بالاستياك بالسواك اليابس أوّلَ النهار، ويكره عند الحنفية والشافعية بعد الزوال، وعند غيرهم لا كراهة فيه بل هو سنة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خير خصال الصائم السواك). أخرجه ابن ماجه. ولقول عامر بن ربيعة رضي الله عنه: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مالا أحصي، يتسوك وهو صائم). رواه الترمذي.

فمن أراد استخدام السواك وهو صائم فلا حرج إن شاء الله تعالى بشرط أن يحترز عن ابتلاع شيء منه أو من رطوبته، وأن يترك الاستياك بعد الزوال خروجا ًمن الخلاف، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك). أخرجه البخاري. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: ما هو حكم الاكتحال للمرأة وهي صائمة؟

الجواب: لا يكره الاكتحال للصائم، بل هو جائز، ولا يفطر به الصائم ولو وجد طعمه في حلقه، لأن العين ليست بجوف، ولا منفذَ منها إلى الحلق، بدليل حديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (اكتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم). أخرجه ابن ماجه.

وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقـال: اشتكيت عيني، أفأكتحل وأنا صائم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم). أخرجه الترمذي. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: هل صحيح أنه من أصبح جنباً يجب عليه أن يفطر لأنه لا صوم لـه، لما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح جنباً فلا صوم له)؟

الجواب: أولاً: الحديث رواه البخاري بهذا المعنى، وأخرجه النسائي بلفظ: (من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصم).

ثانياً: هذا الحديث منسوخ، وإن لم يُقَل بنسخه فهو إرشاد إلى الأفضل والأكمل، لأنه يستحب أن يغتسل قبل الفجر، ليكون على طهارة من أول الصوم.

ثالثاً: استقر الإجماع على أن الصائم إذا نام فاحتلم لا يفسد صومه، بل يتمه إجماعاً، إذا لم يفعل شيئاً يحرم عليه، ويجب عليه الاغتسال. وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة والقيء والاحتلام). أخرجه الترمذي.

رابعاً: من أجنب ليلاً ثم أصبح صائماً فصومه صحيح، ولا قضاء عليه عند جمهور الفقهاء، وإن بقي جنباً كل اليوم، ولكنه يكون آثماً لتركه الصلاة.

عن السيدة عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما قالتا: (نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنْ كان ليصبح جنباً من غير احتلام، ثم يغتسل، ثم يصوم). متفق عليه. وفي صحيح البخاري (أن رسول صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر، وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم).

عُلم من ذلك: أن الإجماع على أن من أصبح جنباً باحتلام أو جماع وهو صائم فصومه صحيح ولا شيء عليه، والحديث إما منسوخ، وإما محمول على الإرشاد لما هو أفضل. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: متى يجوز للإنسان المسافر الفطر في شهر رمضان؟

الجواب: يشترط في السفر المرخص في الفطر ما يلي:

أولاً: أن يكون السفر طويلاً مما تقصر فيه الصلاة، أي ما يزيد على /81/ كم.

ثانياً: أن لا يعزم المسافر الإقامة في البلد التي يسافر إليها.

ثالثاً: أن لا يكون سفره في معصية بل في غرض صحيح.

أما وقت جواز الفطر للمسافر فله ثلاثة أحوال:

الأولى: أن يبدأ السفر قبل الفجر، أو يطلع عليه الفجر وهو مسافر وينوي الفطر، فهذا يجوز له الفطر إجماعاً.

الثانية: أن يبدأ السفر بعد الفجر، بأن يطلع الفجر وهو مقيم ببلده، ثم يسافر بعد طلوع الفجر، أو خلال النهار، فإنه لا يحل لـه الفطر بعدما أصبح صائماً، ويجب عليه إتمام ذلك اليوم.

ولا كفارة عليه إن أفطر في سفره عند الحنفية، ويحرم عليه الفطر عند الشافعية، وعليه القضاء دون الكفارة إن أفطر.

الثالثة: أن يفطر قبل مغادرة بلده، منع ذلك الجمهور، لأنه مقيم لم يشرع في السفر، وشاهد لرمضان، وقد قال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185]. فلا يكون مسافراً إلا بخروجه من البلد، لذلك له أحكام المقيمين الحاضرين فلا يجوز له أن يفطر. فإن أفطر قبل الشروع في السفر، ثم سافر، اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة، وعند الحنفية لا كفارة عليه. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: أيهما أفضل للمؤمن الفطر في رمضان أم الصوم لمن كان مسافراً ولم ينو الإقامة؟

الجواب: ذهب الأئمة الأربعة، وجماهير الصحابة والتابعين إلى أن الصوم في السفر جائز صحيح منعقد، وإذا صام وقع صيامه وأجزأه.

ولكن اختلفوا في أيهما أفضل، الصوم أم الفطر؟ أم هما متساويان؟

فذهب الحنفية والشافعية: إلى أن الصوم أفضل، بل هو مندوب. وقال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: والصوم أحب من الفطر في السفر لتبرئة الذمة إلا إذا كان يتضرر به، لقولـه تعالى: {وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 184]. فالصوم عزيمة والإفطار رخصة، ولا شك أن العزيمة أفضل.

ومذهب الحنابلة: أن الفطر في السفر أفضل، لحديث (ليس من البر الصوم في السفر). أخرجه البخاري. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: امرأة صائمة واحتاجت إلى فحص نسائي من قبل طبيبة للضرورة، فهل الفحص النسائي يفسد الصوم؟ وماذا يترتب عليها؟

الجواب: الأحوط والأولى للمرأة إذا كانت صائمة أن لا تتعرض للفحص الطبي، فإن فعلت للاضطرار وهي صائمة، وأدخلت الطبيبة يدها وهي مبتلة فإنها تفطر بذلك، ويجب عليها إمساك بقية اليوم احتراماً لشهر رمضان المبارك، وعليها القضاء، هذا إذا كان صوم الفريضة.

أما إذا كانت صائمة نفلاً أو قضاء فإنها تفطر، ولا تمسك بقية اليوم، وعليها القضاء، لقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [سورة محمد: 33].

وأما إذا أدخلت يدها ولم تكن مبتلة فلا شيء عليها، وصيامها صحيح، إن كان فرضاً أو نافلة. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: نسمع كثيراً من بعض الناس أن الذي يصوم ولا يصلي لا يقبل صومه، فهل هذا صحيح؟

الجواب: من يصوم رمضان ولا يؤدي الصلاة ينظر في حال هذا الإنسان، هل لا يؤدي الصلاة إنكاراً لوجوبها وجحوداً؟ أم تهاوناً وكسلاً؟

فإن كان تاركاً للصلاة إنكاراً أو جحوداً فهو كافر والعياذ بالله تعالى، ولا يُقبل منه عمل، لقوله تعالى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]. وأظن أنه لا يوجد مسلم ينكر الصلاة جحوداً واستخفافاً بها.

وأما إن كان تاركاً لها كسلاً مع الإقرار بفرضيتها ووجوبها عليه، فهذا إن أصر على تركها فهو فاسق وليس بكافر، والواجب نصيحة الاثنين ـ تاركها عمداً وجحوداً، وتاركها كسلاً ـ لأن الدين النصيحة.

أما بالنسبة لصيام المقر بفرضية الصلاة، وهو تارك لها كسلاً، فصيامه صحيح ويسقط عنه فرض الصوم، إلا أنه آثم بترك الصلاة التي هي عماد الدين، فلا تلازم بين الفريضتين، يصح منه ما أدى، ويأثم بما ترك وفرّط، نسأل الله لنا وله الاستقامة على شريعة الله، حتى نلقاه وهو راضٍ عنا. آمين آمين آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: ما حكم استعمال بخاخ الربو لمريض الربو في نهار رمضان؟

الجواب: البخاخ الذي يستعمله مرضى الربو هو محلول دواء في الماء تحت الضغط، فإذا أزيل الضغط خرجت ذراتة كالضباب، ودخل معظمها إلى الرئتين أثناء الشهيق، وعلق بعضها في البلعوم، وتدخل إلى المعدة عند البلع.

وقد أخرج البيهقي من حديث سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إنما الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل، وإنما الفطر مما دخل وليس مما خرج).

وبناء على هذا:

بخاخ الربو يفطر الصائم لأنه يدخل إلى الجوف عن طريق الفم قصداً، فإذا احتاج إليه مريض الربو فليأخذه ولا حرج عليه، لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ولقوله تعالى: {وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61].

ولكن عليه أن يمسك بقية نهاره حرمةً لشهر رمضان إلا إذا كان مضطراً لطعام أو شراب.

ثم إن منَّ الله تعالى عليه بالشفاء بعد رمضان وجب عليه قضاء الأيام التي استخدم فيها بخاخ الربو، وذلك لقوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].

وإن ـ لا قدر الله ـ لم يشف، أو كان ممن لا يرجو الشفاء من مرض الربو فعليه فدية إطعام مسكين عن كل يوم أفطر فيه، وذلك لقول الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]. وهذا هو الورع والاحتياط في الدين. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: ما حكم استعمال بخاخ الربو؟ هل يفطر الصائم أم لا؟

الجواب: طالما أن البخاخ لـه رذاذ فإنه يفطر الصائم، ويوجب القضاء، ويجب عليه أن يمسك بقية النهار، وإذا برئ من المرض عليه قضاء الأيام التي استخدم فيها البخاخ، وإذا لم يبرأ منه تماماً، وإنما يأتيه يوم دون يوم، وجب عليه القضاء عند الإمكان، فإن أمكنه القضاء ولم يقضِ وجبت عليه كفارة عن كل يوم إطعام مسكين.

وأما إذا استمر عذره حتى مات ولم يتمكن من القضاء فلا إثم عليه، ولا قضاء ولا كفارة، لأنه لم يحصل منه تفريط ولا تقصير في القضاء، ولأنه فرض لم يتمكن منه إلى الموت، فسقط حكمه كالحج إذا لم يستطع المسلم أداءه، والأحوط لدينه أن يطعم مسكيناً عن كل يوم. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: ما حكم وضع الحبة تحت اللسان لمرضى القلب في نهار رمضان؟ هل تفطر الصائم أم لا؟ وما حكم استعمال الأوكسجين كذلك لمريض في نهار رمضان؟

الجواب: وضع الحبة تحت اللسان مفطر للصائم مثل بخاخ الربو، فإذا اضطر المريض إليها يأخذها بدون حرج، ويمسك بقية نهاره تعظيماً لنهار رمضان، إلا إذا كان مضطراً للطعام وللشراب بسبب مرضه، وعليه قضاء هذا اليوم، فإن عجز عن قضائه وجبت عليه الفدية، وهي إطعام مسكين عن كل يوم يضطر فيه إلى وضع الحبة تحت لسانه ولا يستطيع قضاءه.

أما بالنسبة لأخذ الأوكسجين فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى، ولا يفطر الصائم لأنه هواء عادي. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: رجل توفاه الله تعالى وعليه قضاء أيام من رمضان، فهل يجوز أن يصوم عنه أحد، أم يجب إخراج فدية عنه؟

الجواب: إن كان الرجل الذي توفاه الله تعالى، قد أفطر في شهر رمضان بعذر لسفر أو مرض أو شيخوخة، واتصل العذر بالموت، فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يصام عنه، ولا كفارة فيه، لأنه فرض لم يتمكن من فعله إلى الموت، فسقط عنه، والأحوط أن يطعم مسكيناً عن كل يوم.

أما إذا أفطر لعذر، وتمكن من القضاء، ولم يقض حتى مات، فمذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية أنه لا يصام عنه، لأن الصوم واجب بأصل الشرع لا يقضى عنه كالصلاة.

ومذهب الحنابلة: يجوز لوليه أن يصوم عنه، وتبرأ به ذمة الميت إن شاء الله تعالى، وليس واجباً على وليه ذلك، بل هو مخير بين أن يصوم عنه أو يُكّفِّر، لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه). أخرجه البخاري.

أما في وجوب الفدية، عند السادة الحنفية: لو أخر قضاء رمضان بغير عذر ثم مات ولم يقضِ لزمه الإيصاء بكفارة ما أفطره.

وعند الشافعية: يجب في تركته لكل يوم إطعام مسكين ولو لم يوصِ. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: رجل صائم نفلاً، فأكل وشرب ناسياً أنه صائم، فهل يتم صومه، وصيامه صحيح، أم أنه أفطر؟

الجواب: لقد رفع الإسلام الحكم عن الناسي، فلم يؤاخذه على ما ارتكبه أثناء نسيانه، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا نسي أحدكم فأكل أوشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه). متفق عليه.

فمن أكل أو شرب ناسياً في صيام فرض كشهر رمضان، أو صيام واجب كقضاءٍ أو نذرٍ، أو صيام نافلةٍ، فصومه صحيح، ورزق ساقه الله تعالى إليه، ولكن عليه أن يلقي ما في فمه مباشرة. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: رجل سمع أذان الفجر وهو يريد الصوم، فأخذ شيئاً من الماء ونوى الصيام، فهل صيامه صحيح أم لا؟

الجواب: من أراد الصوم فرضاً أو نفلاً عليه أن يمتنع عن الطعام والشراب قبل أذان الفجر، فإذا أكل وشرب ومؤذن الفجر قال: الله أكبر عند طلوع الفجر فقد أفطر، وإذا لفظ ما في فمه ولم يبتلعه فصيامه صحيح إن شاء الله تعالى.

أما إذا ابتلع الطعام أو الشراب بعد سماع التكبير وكان ذلك عند طلوع الفجر فقد أفطر، فإن كان صومه فريضة فعليه إمساك بقية اليوم ثم قضاء هذا اليوم ثم الكفارة، وهي صيام شهرين متتابعين هذا عند السادة الحنفية، وعند السادة الشافعية عليه القضاء دون كفارة. وأما إذا كان صومه قضاء فلا يمسك بقية يومه ولكن عليه القضاء دون الكفارة.

وإذا كان يريد صيام نافلة فأكل أو شرب عند بداية الأذان فلا شيء عليه، ولا يعتبر صائماً. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: رجل صائم وقاء دون قصد، فهل يبقى صائماً؟ أم إنه أفطر؟

الجواب: الخارج من المعدة من غير قصد ولا استقاءة لا شيء فيه، ولا يفطر به الصائم إن لم يرجع منه شيء إلى المعدة، ويجب عليه القضاء إن رجع شيء إلى المعدة وكان بإمكانه قذفه إلى الخارج ولم يفعل، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه ـ أي سبقه وغلبه في الخروج ـ القيءُ فلا قضاء عليه، ومن استقاء ـ أي تكلفه ـ فعليه القضاء). أخرجه مسلم.

سؤال: هل يجوز لصائم أن يسبَح في بحر أو نهر؟ وهل يجوز أن يستحم من شدة الحر بالماء البارد؟

الجواب: الاغتسال بالماء البارد للتبرد، والسباحة في البحر، وكذلك التلفف بالثوب المبلول بالماء البارد، لا يفطر به الصائم، وإن وجد برد الماء في باطنه.

وأفتى الإمام أبو يوسف من الحنفية بعدم كراهته، لما رواه أبو داود في سننه من أنه صلى الله عليه وسلم صب الماء على رأسه وهو صائم من العطش والحرارة.

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يبل ثوبه ويلفه عليه وهو صائم، لأن في ذلك عوناً لـه على أداء الصوم، ودفع الضجر الطبيعي. ودخول جزء من الماء في الجسم بواسطة مسام الجلد لا تأثير لـه، لأن المفطّر إنما هو الداخل من المنافذ، ومسام الجلد ليست كذلك. والله تعالى أعلم.

سؤال: ما حكم سباحة المرأة وهي صائمة هل تفطر أم لا؟ لأن هناك من يقول: إن سباحة المرأة مفطرة لها لاحتمال دخول الماء عن طريق الفرج.

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلا تفسد سباحة المرأة الصائمة صومها، وإن أحست بالبرودة بسبب ذلك، لأن الجلد منفذ غير طبيعي للبدن، ولكن إن دخل بسبب ذلك ماء إلى الحلق عن طريق الفم أو الأنف فقد أفطرت بذلك.

ولو كان الأمر كما قال هذا البعض لأفطرت المرأة بغسل فرجها بعد التبول، والأمر على خلاف ذلك، لأن الفرج الخارجي الذي يدخل الماء إليه عند السباحة أو الاستنجاء لا يحصل الفطر بوصول الماء إليه، مثله مثل الأنف الخارجي لا يفطر المتوضئ به عند الاستنشاق في الوضوء أو غيره، ومثله مثل الفم عندما يمضمض الرجل في الوضوء أو غيره، ولذلك فإنني أرى عدم الفطر بسباحة المرأة أثناء الصوم. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: نسمع من بعض الناس أن التدخين في نهار رمضان لا يفطر الصائم، هل هذا صحيح؟

الجواب: اتفق الفقهاء على أن شرب الدخان أثناء الصوم يفسد الصيام، لأنه من المفطرات، كذلك يفسد الصوم لو أدخل الدخان حلقه من غير شرب، بل باستنشاقٍ له عمداً.

ومن تعمد شرب الدخان في نهار رمضان، وجب عليه القضاء مع الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكيناً. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: هل يجزئ الطعام قبل النوم عن السحور، فينال العبد المؤمن بذلك البركة التي وعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم المتسحرين؟

الجواب: من سنن الصوم السحور، ووقت السحر هو الثلث الأخير من الليل، فمن أكل قبل النوم بقصد السحور، وكان في وسط الليل، لم ينل بركة الدعاء للمتسحرين، فعن سيدنا أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تسحروا فإن في السحور بركة). أخرجه البخاري. ووقته قبل الفجر بقليل، كما جاء في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور، قال: قدر خمسين آية). أخرجه البخاري.

كما يستحب للصائم تأخير السحور كذلك يستحب لـه تعجيل الفطر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر). أخرجه البخاري.

ويستحب أن يكون الفطر على تمرات، لحديث أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء). أخرجه الترمذي.

ويستحب لـه الدعاء لحديث: (إن للصائم دعوة لا تُرد). أخرجه ابن ماجه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: (ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى). أخرجه أبو داود. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: زوجان أفطرا في نهار رمضان بالمعاشرة، ومات الزوج ولم يؤدِّ كفارة الصيام، فماذا يترتب عليه؟

الجواب: مما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة معاً في نهار رمضان، قضاء شهوة الفرج كاملة، وهو الجماع، سواء الفاعل والمفعول به، ولو بمجرد التقاء الختانين وغياب الحشفة وإن لم يُنْزِل، وهذا بالإجماع بين الفقهاء، وذلك للحديث الصحيح المتفق عليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: (ما لك؟) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تجد رقبة تعتقها؟) قال: لا، قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟) قال: لا، فقال: (فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟) قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر، والعرق المكتل، قال: أين السائل؟ فقال: أنا، قال: (خذ هذا فتصدق به). فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها ـ يريد الحرتين ـ أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: (أطعمه أهلك).

وبناء على ذلك:

1ـ وجب على كلٍّ من الزوجين قضاء ذلك اليوم.

2ـ وجب على كلٍّ من الزوجين الكفارة، وهي عتق رقبة أولاً، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطيعا فإطعام ستين مسكيناً.

3ـ وطالما أن الزوج قد مات، وجب أن يخرج من ماله مقدار إطعام ستين مسكيناً، هذا عند السادة الشافعية، سواء أوصى الميت بذلك أم لم يوص. أما عند السادة الحنفية فلا يخرج من ماله شيء إلا إذا كان قد أوصى بذلك، فإن لم يوص فلا يجب على الورثة أن يخرجوا شيئاً من المال إلا برضاهم، وإذا كان في الورثة قُصَّر، فلا يجوز إخراج شيء من مالهم.

4ـ وجب على الزوجة صيام شهرين متتابعين، فإن عجزت فإطعام ستين مسكيناً. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: امرأة أفطرت بعض الأيام في شهر رمضان، هل يجب عليها قضاء هذه الأيام مباشرة، أم يجوز تأخير القضاء؟

الجواب: قضاء رمضان لا يجب على الفور، بل هو على التراخي، وإن كان الأولى تعجيله لمن لم يكن له عذر.

وقيد الشافعية والحنابلة والمالكية هذا التراخي بأن لا يهل رمضان آخر من غير عذر، فإذا دخل رمضان آخر ولم تقض المرأة أيامها من غير عذر أثمت وعليها الفدية، وهي إطعام مسكين لكل يوم، مع القضاء.

أما إذا تأخرت في قضائها لعذر فلا إثم عليها ولكن عليها الفدية.

ودليل الجمهور على هذا، قول السيدة عائشة رضي الله عنها: (كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان لمكان النبي صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري. وفي هذا الحديث دلالة على أن وقت القضاء موسع، ويصير في شعبان مضيقاً. وأن حق الزوج من العشرة والخدمة مقدم على سائر الحقوق ما لم يكن فرضاً محصوراً في الوقت.

وفي الحديث دلالة على أن المرأة لا تصوم إلا بإذن زوجها، فإذا ضاق عليها الوقت صامت.

أما مذهب الحنفية في قضاء رمضان فهو: وجوب القضاء على التراخي بلا قيد، فلو جاء رمضان آخر، ولم تقض الفائت، فلا إثم عليها ولا فدية، وذلك لقول الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] والنص مطلق.

وبناء على هذا:

يجوز للمرأة أن تؤخر قضاء أيامها، وخاصة إذا كانت متزوجة، إلى ما قبل رمضان الآخر، فإن أخرته إلى ما بعد رمضان الآخر، وجب عليها القضاء عند الجميع ومع الفدية عند الشافعية والمالكية والحنابلة ما عدا الحنفية. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: إنسان مريض لا يرجى شفاؤه من حيث الأسباب الظاهرة ـ والله على كل شيء قدير ـ وجاءه شهر رمضان وهو عاجز عن الصيام لمرضه، فهل يجوز أن يعجل الفدية عن شهر رمضان؟

الجواب: نسأل الله العفو والعافية لجميع مرضى المسلمين. إذا كان المريض لا يرجو شفاءً من مرضه، وكان الصوم يجهده ويشق عليه مشقة شديدة له أن يفطر، ولا حرج عليه لقول الله تعالى: {وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61] ولقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].

فإذا أفطر فعليه الفدية وجوباً عند السادة الحنفية والحنابلة والأصح عند الشافعية لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] ولقول سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه: (من أدركه الكبر فلم يستطع صيام شهر رمضان فعليه لكل يوم مد من قمح) رواه الدارقطني والبيهقي.

وأجاز الحنفية دفع الفدية في أول الشهر عن الشهر كله، كما يجوز دفعها في آخره. هذا والله تعالى أعلم.

سؤال: هل يحق للمرأة المرضع أن تفطر في شهر رمضان، خشية على طفلها؟ مع العلم أنه بوسع الزوج أن يشتري للطفل الرضيع الحليب المجفف عوضاً عن حليب الأم؟.

الجواب: القول قول الطبيب المسلم العدل المتخصص، فإن قال: إن الإرضاع لا يؤذيها، ولا يؤذي ولدها، أو قال: إنَّ الحليب المجفف يغني الولد عن إرضاعها له من غير ضرر عليه، وكان الحليب المجفف متوفراً، وبوسع الزوج شراء الحليب، فلا يجوز لها الفطر.

أما إذا قال: إنَّ الحليب المجفف لا يغني الطفل، أو لم يكن الزوج ميسور الحال، وأن إرضاعها للطفل يؤذيها أو يؤذي الطفل في حال صومها، فيجوز لها الفطر في رمضان بقدر ذلك، ثم بعد فطامه عليها القضاء بعدد الأيام التي أفطرت فيها، بدون كفارة. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: هل يجوز للمرأة أن تأخذ حبوب لتأخير الدورة الشهرية أثناء رمضان كي لا تفطر أثناء الشهر الفضيل؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن مسألة الحيض شيء كتبه الله على بنات آدم، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا سرف طمثت، ـ أي حاضت ـ فدخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: ما يبكيك؟ قلت: لوددت والله أني لم أحج العام. قال: لعلك نَفِسْتِ؟ قلت: نعم قال: (فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) رواه البخاري.

فلماذا تحاول المرأة أن تغير من طبيعتها التي فطرها الله تعالى عليها؟

وعلى كل حال: يجوز للمرأة أن تأخذ الدواء لتأخير الدورة الشهرية، فإذا انقطع الدم عنها بسبب الدواء وصامت فصيامها صحيح ولا شيء عليها.

ولكن بشرط ألا يضرها الدواء. أما إذا كان يضرها فلا يجوز أن تأخذه، فإن أخذته مع وجود الضرر، وانقطع الدم عنها، وصامت فصيامها صحيح، ولكنها آثمة بجلب الضرر لنفسها. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: بالنسبة لمسألة حبوب تأخير الدورة الشهرية يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) فأنتم يا سماحة الشيخ قد أفتيتم بجواز تناول هذه الحبوب، فما رأيكم؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن إفطار المرأة أثناء حيضها ونفاسها ليس رخصة إن شاءت صامت وإن شاءت أفطرت، بل باتفاق الفقهاء يحرم عليها الصوم مطلقاً فرضاً أو نفلاً، وعدم صحته منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلنا: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها.

وإذا ارتفع عنها دم الحيض والنفاس وجب عليها بعد الاغتسال الصوم والصلاة.

وبناء على ذلك:

1ـ ترك الصوم والصلاة للحائض والنفساء ليس رخصة، بل هو عزيمة.

2ـ إذا أخذت المرأة الدواء لرفع دم الحيض ولم يكن مضرّاً بصحتها فهو جائز، والأولى تركه، فإذا أخذته وانقطع دم الحيض ورأت الطهر وجب عليها الصوم والصلاة. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: أنا شاب في السادسة عشرة من العمر، في رمضان الماضي كنت أمارس الاستنماء خلال الصيام وأصوم وأصلي الصلوات الخمس والتراويح، وفيما بعد علمت أن هذا لا يجوز فماذا يجدر بي أن أفعل؟ وفي هذا اليوم كنت نائماً قبل صلاة العصر فاستيقظت وخرج مني من فرجي بمجرد أني حاولت تخليصه من الشعر العالق به، فهل ذهب صيام هذا اليوم؟ وكيف أكفره إن ذهب؟ ولك جزيل الشكر.

الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

الحمد لله الذي هداك للتوبة وشرح صدرك لها، وهذا دليل إن شاء الله على محبة الله لك، وإني أقول لك: عليك أن تقضي الأيام التي أفطرت فيها في رمضان الماضي بعملية الاستمناء، بدون كفارة، وأرجو الله أن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، وأن يكرمنا وإياكم بالاستقامة.

وأما عما حصل معك اليوم فإن كنت قد استمنيت بيدك فعليك قضاء هذا اليوم، أما إذا كنت محتلماً فلا شيء عليك، وصيامك صحيح. وأنا أنصحك بالابتعاد عن قرناء السوء، وعليك بغض البصر وحفظ الفرج واللسان. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: لي أخ في الإسلام لم يصم رمضان عدة سنوات، وفي رمضان المقبل سوف ينوي صيام رمضان هذا، وفي نفس الشهر سينوي صيام الشهر نفسه تكفيراً لشهر السنة السابقة، فهل يجوز ذلك؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أخي الكريم، لماذا التسويل والتسويف في قضاء رمضان؟ الواجب على المسلم أن يبادر إلى التوبة قبل الموت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر) رواه الترمذي.

وعلى هذا الأخ الكريم أن يسرع في التوبة والإنابة، وأن يسرع لقضاء الأيام التي أفطر فيها في شهر رمضان، ثم عليه أن يصوم شهرين متتابعين كفارة لفطره.

ولا يجوز أن يجمع بين صيام رمضان وقضاء الأيام التي أفطر فيها، لأن رمضان زمان لا يتسع غيره. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: جدتي توفيت في 14 رمضان وكانت في الأربعة عشر يوم التي عاشتها في رمضان مريضة فهل يجب على أحد أن يقضي عنها الأربعة عشر يوم التي أفطرتها؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فنسأل الله لنا ولكم حسن العزاء والأجر على المصيبة، ونرجوه تعالى أن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة.

أما بالنسبة للأيام التي أفطرتها جدتك في رمضان فإنه يجب عليكم أن تؤدوا عن كل يوم من هذه الأيام فدية، وهي إطعام مسكين، ولا يجوز أن يصوم أحد عنها، وذلك لما ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا سئل عن الرجل يموت وعليه صيام من رمضان أو نذر يقول: لا يصوم أحد عن أحد، ولكن تصدقوا عنه من ماله للصوم عن كل يوم مسكيناً. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لا يصوم أحد عن أحد، ويطعم عنه. الحديثان رواهما البيهقي في السنن الكبرى. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: تشتد الإقياءات الحملية في الفترة الأولى من الصباح، وبعض النساء تُعاني الإقياء طيلة النهار خصوصاً عندما تكون المعدة فارغة. السؤال هو: هل يتوجب قضاء صيام أيام رمضان في هذه الحالة؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد فرق الفقهاء بين القيء إذا خرج بنفسه، وإذا خرج بإرادة الإنسان.

فإذا غلب القيء على الإنسان وخرج بنفسه، فلا خلاف بين الفقهاء في عدم الإفطار به، قلَّ القيء أم كثر، كان بملء الفم أو أقل. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ) رواه الترمذي.

أما إذا كان القيء عمداً، فإنه مفسد للصوم وموجب لقضاء اليوم. هذا إذا كان القيء ملء الفم عند الحنفية، وإذا كان أقل من ملء الفم وجب عليه القضاء عند جمهور الفقهاء.

وبناء عليه:

فلا قضاء على المرأة التي قاءت في شهر رمضان إذا لم يكن بقصد منها. هذا ، والله تعالى أعلم.

سؤال: أنا لما كنت في سن الثالثة عشر والرابعة عشر والخامسة عشر والسادس عشر والسابع عشر كنت أفطر بعض رمضان وكنت أترك بعض الصلوات، ولما هداني ربي والحمد لله سمعت شيخاً يقول: إن التوبة والندم وعدم العودة ليست كافية، بل إن علي أن أقضي، ولكن كيف أقضي وأنا لا أعرف كم تركت وكم لم أترك؟ وكيف أطعم كل يوم مسكين وأنا ليس بمقدوري أن أفعل ذاك؟

الجواب: الحمد لله رب وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالحمد لله الذي هداك وشرح صدرك للإسلام، ونرجو الله عز وجل لنا ولك الحفظ والسلامة، وأن يبعد عنا وعنك الأصحاب الأشرار الذين يزينون المعاصي لشبابنا اليوم. فكن على حذر من صحبة الأشرار وعليك بصحبة الأخيار. هذا أولاً.

ثانياً: عليك أن تحصي الأيام التي أفطرتها في أشهر رمضان الماضية، وكذلك عدد الصلوات التي فاتتك، فإذا لم تستطع إحصاء الأيام وعدد الصلوات، فغلِّب الظن، وقدِّر عدد الأيام التي أفطرتها، وعدد الصلوات التي فاتتك.

فإذا قدَّرت عدد الأيام فصم عن كل يوم أفطرته يوماً مكانه، ولا يشترط التتابع في هذه الحالة، بل يجوز أن تقضي هذه الأيام متفرقة، ثم بعد ذلك صم ستين يوماً متتالية، وذلك كفارة عن إفطارك في شهر رمضان من غير رخصة ولا عذر، وبإمكانك أن تجعل صيام الكفارة في فصل الشتاء هذا، لأن النهار قصير، وإن شاء الله ربنا يعينك على ذلك.

أما بالنسبة للصلوات التي فاتتك، فأحصها إذا كان هذا بإمكانك كما قلت لك، وإلا غلِّب ظنك واقض مع كل صلاة حاضرة وقتاً أو وقتين، واجعل القضاء مكان السنن، وعليك كذلك قضاء صلاة الوتر.

وأرجو الله عز وجل أن يعينك على ذلك، ونسأله أن يتقبل منك، وأبارك لك صدق نيتك، وأبشرك بقول الله عز وجل: {إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا}. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: امرأة تريد أن تصوم قضاءً الأيام التي ستفطرها في شهر رمضان بسبب العادة الشهرية، فهل يصح تعجيل القضاء قبل وجوبه عليها، حتى تتمكن من صيام ستة أيام من شوال براحتها؟

الجواب: لا يجوز القضاء قبل وجوبه، لأن القضاء لا يكون إلا لشيء وجب في وقتٍ، فخرج الوقتُ ولم يؤد فيه، أما إذا لم يأت وقته فإنه لا يجوز فعله قبل وقته، ولا تقديم قضائه عليه.

فكل العبادات لها أوقات محددة، كما في قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185]. وقوله تعالى في الصلاة: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} [النساء: 103]. وقوله جل جلاله في الحج: {الحج أشهر معلومات} [البقرة: 197]. فلا سبيل للمرء أن يقدم عبادة عن وقتها، فإن فعل فإنه لم يؤد العبادة المطلوبة.

أما إذا أخَّر العبادة حتى خرج وقتها، فلا بد من قضائها بعد خروج وقتها حتى تبرأ ذمته أمام الله تعالى، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اقضُوا اللهَ، فاللهُ أحق بالوفاء). أخرجه البخاري و مسلم.

وأما حرص المرأة على صيام ستة أيام من شوال، فهذا شيء حسن، ولكن صيام هذه الأيام سنة، فإن استطاعت أن تؤديها فبها ونعمت، وإلا فلا حرج عليها.

فإذا لم تقدر على القضاء وصيام الست في شهر شوال فعليها أن تؤدي القضاء، ولعل الله تعالى أن يؤجرها على صيام الست كما يرى بعض أهل العلم من المالكية والشافعية.

والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه). رواه مسلم. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: ما حكم صيام ستة أيام من شوال؟ وهل السنة أن تكون بعد يوم العيد؟ وهل يستحب فيها التتابع؟

الجواب: صيام ستة أيام من شوال سنة، ويستحب أن تكون بعد اليوم الأول منه، أي بعد يوم عيد الفطر، لقولـه: صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر). رواه مسلم. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها). رواه ابن ماجه. فصيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام الست بستين يوماً، وهذا تمام السَّنة، فإذا استمر الصائم على ذلك فكأنه صام دهره كله.

وفي الحديثين الشريفين دليل على استحباب صوم الست بعد اليوم الذي يفطر فيه الصائم وجوباً وهو يوم العيد، لأن صوم يوم العيد يحرم، فالمستحب للمسلم أن لا يفصل بين صيام رمضان وصيام الست إلا يوم العيد، لأن صومه حرام.

وكذلك يتبادر من الحديثين الشريفين أن تكون الست متتابعة، وإن كان يجوز أن تكون متفرقة في شوال، فإذا صامها متتابعة من اليوم الثاني إلى آخر السابع فقد أتى بالأفضل، وإذا صامها مجتمعة، أو متفرقة في شوال في غير هذه المدة كان آتياً بأصل السنة، ولا خلاف في ذلك. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: ما هو الوقت المقصود به في الآية الكريمة: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}؟ هل هو وقت أذان الفجر تماماً أم بعده بقليل؟ أي إذا أكل من أراد الصيام في رمضان أو النوافل مع أذان الفجر فهل يقبل صيامه أم لا؟

الجواب: إن ركن الصوم بالاتفاق هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق، حتى غروب الشمس، وذلك لقوله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}. والمراد من النص بياض النهار وظلمة الليل، لا حقيقة الخيطين.

وبناء عليه:

فمن أكل أو شرب مع أذان الفجر عامداً، وكان الأذان عند طلوع الفجر الصادق فعليه القضاء مع الكفارة. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: رجل عمله من الأعمال الشاقة، ولا يستطيع أن يستغني عن الماء بسبب الجهد المبذول، فهل يجوز أن يفطر شهر رمضان ثم يقضي هذه الأيام في فصل الشتاء؟

الجواب: من المعلوم قول الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}. وقول الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَيَسِّرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدَّلْجَةِ) رواه النسائي وابن حبان.

وذكر الفقهاء بأن أصحاب الأعمال الشاقَّة الذين ليس لهم عمل غير هذه الأعمال، ولم يكن عندهم ما يكفيهم في شهر رمضان، أو كانت هذه الأعمال من الأعمال الضروريَّة للأمة لا يمكن الاستغناء عنها، ولا يمكن تأخيرها إلى ما بعد الإفطار، فإن هؤلاء العمّال يبدؤون نهارهم صائمين، ثم إذا حصل لهم عطش أو جوع شديد، أو جوع يخاف منه الضرر، جاز لهم الفطر، وعليهم القضاء فقط بعد شهر رمضان، وإلا فلا يجوز لهم الفطر. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: ما هي نصيحتكم لمن يصلي التراويح /8/ ركعات ويرى أن الزيادة بدعة؟

الجواب: صلاة التراويح اتفق الفقهاء على سنيتها، وهي سنة مؤكدة للرجال والنساء، وهي من أعلام الدين الظاهرة، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَرَضَ صِيَامَ رَمَضَانَ عَلَيْكُمْ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) رواه النسائي، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري ومسلم.

وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى أن التراويح عشرون ركعة، وقد واظب الخلفاء الرّاشدون والمسلمون من زمن عمر رضي الله تعالى عنه على صلاة التّراويح جماعةً ، وكان عمر رضي الله تعالى عنه هو الّذي جمع النّاس فيها على إمام واحد.

عن عبد الرّحمن بن عبد القاريّ، قال: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: (نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ) يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. رواه البخاري.

وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال: سألت أبا حنيفة عن التّراويح وما فعله عمر، فقال: التّراويح سنّة مؤكّدة، ولم يتخرّص عمر من تلقاء نفسه، ولم يكن فيه مبتدعاً، ولم يأمر به إلاّ عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سنّ عمر هذا وجمع النّاس على أبيّ بن كعب فصلاها جماعةً، والصّحابة متوافرون من المهاجرين والأنصار، وما ردّ عليه واحد منهم، بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك. انظر فتح القدير، والاختيار، والمغني.

وقد مالك عن يزيد بن رومان والبيهقيّ عن السّائب بن يزيد قيام النّاس في زمان عمر رضي الله تعالى عنه بعشرين ركعةً، وجمع عمر النّاس على هذا العدد من الرّكعات جمعاً مستمرّاً، قال الكاسانيّ: جمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان على أبيّ بن كعب رضي الله تعالى عنه فصلّى بهم عشرين ركعةً، ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعاً منهم على ذلك. كما جاء في بدائع الصنائع.

وبناء على ذلك:

فقول الرجل: الزيادة بدعة نعم قول صحيح، ولكن كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: (نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ)، فسيدنا عمر رضي الله عنه يقول: (نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ)، والصحابة لا ينكرون، وهذا يقول بدعة، ولكنه ينظر إليها على أنها كل بدعة ضلالة، فلمن نصدق؟ لا شك نصدق سيدنا عمر رضي الله عنه الذي قال لنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وأخيراً أنصحكم بترك الجدل. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: هل يرخص للمسافر الجماع إذا أفطر بدون تتبع الحيل؟

الجواب: إذا سافر الصائم السفر الذي تُقصر فيه الصلاة ويجوز للصائم الفطر فيه ومعه زوجته، فلا حرج من مجامعتها في النهار، وإن كان الأولى للمسافر الصوم لا الفطر في سفر وخاصة إذا كان لا يجد مشقة، والأولى كذلك أن لا يعاشر زوجته إن أفطر تعظيماً لهذا الشهر، إلا إذا خشي على نفسه من الفتنة. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: ماتت جدتي بعد صراع مع المرض دام 23 يوماً من شهر رمضان. فهل يجب الصيام عنها الشهر كاملاً أم الإطعام؟

الجواب: أسأل الله تعالى أن يُعظم أجركم في مصابكم، وأن يكون مرض جدتكم كفارةً لها إن شاء الله تعالى، ورفعاً في درجاتها.

أما بالنسبة للأيام التي أفطرتها في مرضها في شهر رمضان وماتت قبل انقضاء شهر رمضان، فعند جمهور الفقهاء لا يُصام عنها ولا يُطعم عنها، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري ومسلم، وبكونها ماتت قبل تمكّنها من قضاء ما عليها فلا شيء عليها إن شاء الله تعالى. وقال طاووس وقتادة: يجب أن يطعم عنها لكلِّ يوم مسكيناً، لأنه صومٌ واجب سقط بالعجز عنه، فوجب الإطعام عنه، كالشيخ الهرم إذا ترك الصيام لعجزه عنه.

وبناء عليه:

فعند جمهور الفقهاء لا يجب الصوم عنها ولا الإطعام، ولكن الأحوط إطعام مسكين عن كل يوم أفطرته من رمضان، لا عن الشهر كلِّه، للحديث الشريف: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِين) رواه الترمذي وابن ماجه.

ولقول السيدة عائشة رضي الله عنها: يطعم عنه في قضاء رمضان ولا يصام عنه.

وإذا كان الإطعام عنها سيكون من مالها ولها ورثة بالغون فيجب أن يكون برضاهم، وأما إذا كانوا قُصَّراً فلا يجوز الإطعام من مالها إلا إذا أوصت فعندها يُطعم عنها بدون إذن من الورثة ولو وجد فيه قُصَّر، كذلك بشرط أن لا يتجاوز ثلث التركة. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: كنت قد أهملت قضاء الأيام التي أفطرت فيها في رمضان يعني من سن البلوغ للآن والمجموع عشر سنوات لم أقض صياماً فيها، وأنا الآن ندمت وتبت إلى الله فأريد أن أعرف هل يجوز دفع كفارة دون الصيام أم مع الصيام؟ وإن وجب الصيام فكم يوماً؟ أنا وسطياً كنت أفطر سبعة أيام، وكم مقدار الكفارة؟ وكم المدة التي يجب أن أقضي فيها كل هذه الأيام؟

الجواب: الواجب عليك أن تُحصي الأيام التي أفطرتيها في السنوات الماضية من سنّ البلوغ إلى الآن، وتصومي عن كلِّ يومٍ يوماً واحداً، ولا كفّارة عليك.

فإن عجزتِ عن إحصاء الأيام بشكل مضبوط، فليكن على غلبة الظن، فأنت تقولي: مجموع الأعوام عشر سنوات، والغالب على ظنّك أنك كنت تفطرين في كلِّ رمضان سبعة أيام، إذاً وجب عليك قضاء سبعين يوماً، ولا يُشترط فيها التتابع، ولكن كلَّما أسرعت في القضاء يكون أولى، لأن العبد لا يدري متى ينتهي أجَله.

وإن كان بوسعك أن تجعلي عن كلِّ يومٍ فِديةً ـ وهي طعام مسكين ـ يكون خيراً إن شاء الله تعالى، وإن لم يكن بوسعك هذا فالقضاء وحده يكفي. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: رجل خرج من بلدته في اليوم الثلاثين من رمضان وهو صائم، ودخل بلدة أخرى أهلها مفطرون لرؤية هلال شوال عندهم، فماذا يترتّب عليه؟ هل الفطر أم إمساك بقية اليوم؟

الجواب: يجب على المسلم أن يوافق حال البلد الذي حلَّ فيه، فلو سافر في اليوم الثلاثين من شهر رمضان المبارك من بلده الذي ما زال أهله صائمين فيه، إلى بلد رُئِيَ فيه هلال شوال، فإنه يجب عليه الفطر معهم، ولا قضاء عليه، وهذا عند جمهور الفقهاء عدا الشافعية في بعض أقوالهم .

مع العلم بأنه إذا ثبتت رؤية هلال رمضان وهلال شوال في أحد الأقطار بطريق شرعي وجب على جميع المسلمين أن يتبعوا ذلك، وهذا عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وفي أحد أقوال الشافعية.

وبناء عليه:

فعند جمهور الفقهاء يجب على هذا المسافر الفطر إذا دخل إلى بلد رُئِيَ فيه هلال شوال بطريق شرعي ولا قضاء عليه. وفي قول للسادة الشافعية يجب عليه الإمساك بقية اليوم لأنه خرج من بلده بعد فجر يوم الثلاثين من شهر رمضان المبارك. هذا، والله تعالى أعلم.

سؤال: أفطرت عشرة أيام بعذر شرعي، وجاء رمضان الذي بعده ولم أقض هذه الأيام لأني كنت أرضع ولدي، ثم حملت بولد آخر ولم أستطع القضاء، وجاء رمضان آخر ولم أقضِ أيضاً، فماذا يترتَّب عليَّ هل القضاء فقط؟ أم القضاء مع الفدية؟

الجواب: اتفق الفقهاء على أن الحامل والمرضع لهما أن تفطرا في رمضان بشرط أن تخافا على أنفسهما أو على ولدهما المرضَ أو زيادتَه، أو الضرر أو الهلاك، فالولد من الحامل بمنزلة عضو منها، فالإشفاق عليه من ذلك كالإشفاق على بعض أعضائها، وذلك لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلاةِ، وَعَنْ الْحَامِلِ أَوْ الْمُرْضِعِ الصَّوْمَ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وفي رواية للبيهقي: (وَعَنِ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ).

وبناء على ذلك:

فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى في فطرك أيام العذر الشرعي وأيام الحمل والإرضاع، وعليك قضاء هذه الأيام، وكلَّما تعجَّلتِ في قضاء هذه الأيام يكون أولى.

والقضاء لما فات من رمضان يكون بالعدد، وذلك لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.

وعند جمهور الفقهاء لا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان آخر من غير عذر، ومن أخَّر يأثم بذلك وعليه الفدية، وهي إطعام مسكين لكلِّ يوم مع وجوب القضاء. وأما عند الحنفية فعليه القضاء بدون فدية.

وأنتِ مُخَيَّرَةٌ بين الأخذ بقول الجمهور بوجوب قضاء الأيام التي أفطرتيها مع الفدية، وهي إطعام مسكين عن كل يوم، وبين الأخذ بقول الحنفية بوجوب القضاء بدون فدية.

وإذا كانت أمورك المادية ميسَّرة فالأخذ بقول جمهور الفقهاء أولى. هذا، والله تعالى أعلم.

(تابع)

 

 2008-08-30
 44071
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 200 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 200
26-05-2022 641 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 641
26-05-2022 469 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 469
29-04-2022 362 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 362
29-04-2022 745 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 745
29-04-2022 852 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 852

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411953783
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :