أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

7597 - الصدقة أم الأضحية؟

24-09-2016 1045 مشاهدة
 السؤال :
أيهما أفضل: الصدقة أم الأضحية في عيد الأضحى؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 7597
 2016-09-24

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَبْلَ الإِجَابَةِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ، لَا بُدَّ مِنَ الإِشَارَةِ إلى بَعْضِ الأَحْكَامِ التي تَخُصُّ الأُضْحِيَّةَ:

أولاً: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً لِأَنْ يُضَحِّيَ فَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَحْضُرْ مُصَلَّانَا» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وروى الإمام مسلم عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْتُ الْأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ بِالنَّاسِ نَظَرَ إِلَى غَنَمٍ قَدْ ذُبِحَتْ، فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ، فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ».

مِنْ خِلَالِ هَذَا ذَكَرَ الفُقَهَاءُ أَنَّ الأُضْحِيَّةَ يَدُورُ حُكْمُهَا التَّكْلِيفِيُّ بَيْنَ الوُجُوبِ وَالسُّنَّةِ المُؤَكَّدَةِ، وَهِيَ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ في أَيَّامِ النَّحْرِ، وَالمَطلُوبُ مِنَ المُسْلِمِ أَنْ يُعَظِّمَ شَعَائِرَ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾. وَأَنَّهَا مِنْ أَحَبِّ الأَعْمَالِ إلى اللهِ تعالى بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ مِنْ حَدِيثِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسَاً» رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

ثانياً: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَنَا: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾.

وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَكَ الأُضْحِيَّةَ في كُلِّ عَامٍ حَتَّى الْتَحَقَ بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى، وَضَحَّى الخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ.

ثالثاً: نَصَّ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ على أَنَّ الأُضْحِيَّةَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَذَلِكَ للأَحَادِيثِ المَشْهُورَةِ في فَضْلِ الأُضْحِيَّةِ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، جَاءَ في المَجْمُوعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى؛ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ.

وَجَاءَ في مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ في الفِقْهِ عِنْدَ المَالِكِيَّةِ: الْـمَشْهُورُ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا، وَمِنَ الْعِتْقِ، لِأَنَّ الضَّحِيَّةَ سُنَّةٌ، وَالْعِتْقَ وَالصَّدَقَةَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَحَبٌّ.

وَجَاءَ في شَرْحِ زَادِ المُسْتَنْقَعِ للحَنَابِلَةِ: فَذَبْحُ الأُضْحِيَّةِ أَفْضَلُ مِنَ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِهَا لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِثَمَنِهَا ذَرِيعَةٌ لِتَرْكِ سُنَّتِهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْتَارُ الأُضْحِيَّةَ على الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا؛ فَكَانَ يُضَحِّي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَعَلَى ذَلِكَ الأَفْضَلُ أَنْ يُضَحِّيَ؛ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَعِنْدَ الحَنَفِيَّةِ قَطْعَاً الأُضْحِيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ، لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَهُمْ، رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيعِ.

وبناء على ذلك:

فَالأُضْحِيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَهْلِ العِلْمِ، بِمَا فِيهِمْ أَبِي حَنِيفَةِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ، وروى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: لَأَنْ أُضَحِّيَ بِشَاةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ.

وَقَالَ الحَافِظُ بْنُ عَبْدِ البَرِّ: الضَّحِيَّةُ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ، لِأَنَّ الأُضْحِيَّةَ سُنَّةٌ وَكِيدَةٌ كَصَلَاةِ العِيدِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَلَاةَ العِيدِ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ النَّوَافِلِ، وَكَذَلِكَ صَلَوَاتُ السُّنَنِ أَفْضَلُ مِنَ التَّطَوُّعِ كُلِّهِ.

وَالأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تُبْنَى على العَوَاطِفِ، كَمَنْ يَقُولُ: لَو رَأَيْنَا إِنْسَانَاً بِحَاجَةٍ إلى صَدَقَةٍ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ إِلَيْهَا، فَأَنَا أَدْفَعُ لَهُ ثَمَنَ الأُضْحِيَّةِ وَأَنَالُ بِذَلِكَ الأَجْرَ.

لَا شَكَّ أَنَّهُ يَنَالُ أَجْرَ الصَّدَقَةِ الذي هُوَ أَقَلُّ بِكَثِيرٍ مِنْ أَجْرِ الأُضْحِيَّةِ «فَإِنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا يُغْفَرُ لَكِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبُكَ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَكَذَلِكَ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ إِيثَارُ الصَّدَقَةِ على الأُضْحِيَّةِ يُفْضِي إلى تَرْكِ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْكِ شَعِيرَةٍ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ.

وَقَد أَضَافَ أُستاذُنا الدُّكتور أَحْمَد الَحجِّي الكُردي حَفِظَهُ اللهُ تَعَالى عَلى الجَوابِ مَا يَلي:

[وَرُبَّمَا كَانَ الأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ التَّضْحِيَةُ بِالشَّاةِ وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا كُلِّهِ أَوْ بُعْضِهِ]. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
1045 مشاهدة