452ـ خطبة الجمعة: فضائل بلاد الشام
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا عِبَادَ اللهِ، بِلادُ الشَّامِ عُمُومَاً مُبَارَكَةٌ، وهُنَاكَ آيَاتٌ من القُرْآنِ المَجِيدِ يُسْتَشْهَدُ بِهَا لهذا الفَضْلِ، وكذلكَ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ إلى جَنَابِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يُسْتَشْهَدُ بِهَا كذلكَ، وآثَارٌ مَوْقُوفَةٌ عن الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ.
يَا عِبَادَ اللهِ، بِلادُ الشَّامِ مَهْدُ الرِّسَالاتِ، وهِيَ أَرْضُ المَحْشَرِ والمَنْشَرِ، وبِهَا يَنْزِلُ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ في آخِرِ الزَّمَانِ، وبِهَا يُهْلِكُ اللهُ تعالى شَيْخَ الضَّلالَةِ الكَذَّابَ الدَّجَّالَ.
روى الإمام أحمد عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنِّي عَبْدُ اللهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ ـ أَيْ مُلْقَىً عَلَى الْجَدَالَةِ وَهِيَ الْأَرْضُ ـ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، دَعْوَةِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةِ عِيسَى قَوْمَهُ، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ، وَكَذَلِكَ تَرَى أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ».
يَقُولُ العَلَّامَةُ ابْنُ كَثِيرٍ عِنْدَ هذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: وَتَخْصِيصُ الشَّامِ بِظُهُورِ نُورِهِ إِشَارَةٌ إلى اسْتِقْرَارِ دِينِهِ وَثُبُوتِهِ بِبِلَادِ الشَّامِ، وَلِهَذَا تَكُونُ الشَّامُ في آخِرِ الزَّمَانِ مَعْقِلَاً للإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَبِهَا يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إِذَا نَزَلَ بِدِمَشْقَ بالمَنَارَةِ الشَّرْقِيَّةِ البَيْضَاءَ مِنْهَا.
ولهذا جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ».
وفي صَحِيحِ الإمام البخاري: «وَهُمْ بالشَّامِ».
فَضَائِلُ بِلادِ الشَّامِ:
يَا عِبَادَ اللهِ، يَا مَنْ تَعِيشُونَ هذهِ الأَزْمَةَ، والكُلُّ يُفَكِّرُ في السَّفَرِ من هذا البَلَدِ إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى، اِسْمِعُوا إلى بَعْضِ أَحَادِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:
أولاً: روى الإمام أحمد عَن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ».
ثانياً: روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا».
قَالَ: قَالُوا وَفِي نَجْدِنَا؟
قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا».
قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟
قَالَ: «هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».
ثالثاً: روى البزَّارُ عَن أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «الشَّامُ أَرْضُ المَحْشَرِ والمَنْشَرِ».
رابعاً: روى الإمام أحمد عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، وَلَا يَزَالُ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ، لَا يُبَالُونَ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».
خامساً: عَن عَبدِ اللهِ بنِ حَوَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ خِرْ لِي بَلَداً أَكُونُ فِيْهِ، فَلَو أَعْلَمُ أَنَّكَ تَبْقَى لَمْ أَخْتَرْ عَنْ قُرْبِكَ شَيْئَاً.
فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِاْلشَّامِ، فَلَمَّا رَأَى كَرَاهِيَّتِي لِلشَّامِ قَالَ: أَتَدْرِي مَا يَقُولُ اللهُ فِي الشَّاْمِ؟ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُوْلُ: يَا شَامُ أَنْتِ صَفْوَتِي مِنْ بِلَادِيْ أُدْخِلُ فِيْكِ خِيْرَتِيْ مِنْ عِبَادِي. إِنَّ اللهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ». رَوَاهُ الإِمَامُ المُنْذِرِيُّ فِي التَّرغِيبَ والتَّرهِيبِ.
سادساً: روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَقْبَلَ بِي الشَّامَ، وَوَلَّى ظَهْرِيَ لِلْيَمَنِ، وَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، جَعَلْتُ مَا تُجَاهَكَ غَنِيمَةً وَرِزْقَاً، وَمَا خَلْفَ ظَهْرِكَ مَدَدَاً، وَلا يَزَالُ الإِسْلامُ يَزِيدُ، وَيَنْقُصُ الشِّرْكُ وَأَهْلُهُ، حَتَّى تَسِيرَ الْمَرْأَتَانِ لا تَخْشَيَانِ جَوْرَاً».
سابعاً: روى الإمام أحمد والطَّبَرَانِيُّ عن خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الْأَسَدِيِّ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ، وَلَنْ يَمُوتُوا إِلَّا هَمَّاً أَوْ غَيْظَاً أَوْ حُزْنَاً».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ، الحَشْرُ حَشْرَانِ، حَشْرٌ في الدُّنْيَا، وحَشْرٌ في الآخِرَةِ، أَمَّا حَشْرُ الدُّنْيَا فَسَيَكُونُ عَن طَرِيقِ النَّارِ التي تَخْرُجُ من عَدَنٍ فَتَحْشُرُ النَّاسَ إلى أَرْضِ الشَّامِ، روى البزَّارُ عَن أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «الشَّامُ أَرْضُ المَحْشَرِ والمَنْشَرِ».
وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عَمرُو رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ، لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ، تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللهِ، تَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ».
يَا عِبَادَ اللهِ، والسَّبَبُ في كَوْنِ أَرْضِ الشَّامِ هِيَ أَرْضَ المَحْشَرِ هُوَ أَنَّهُ عِنْدَمَا تَقَعُ الفِتَنُ في آخِرِ الزَّمَانِ تَكُونُ أَرْضُ الشَّامِ هِيَ مَحَلَّ الأَمْنِ والأَمَانِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ».
وأَمَّا حَشْرُ الآخِرَةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ بَعْدَ بَعْثِ النَّاسِ من القُبُورِ، وسَيَكُونُ هذا المَحْشَرُ في أَرْضٍ أُخْرَى غَيْرِ هذهِ الأَرْضِ، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُثَبِّتَنَا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفي الآخِرَةِ، وأَنْ لا يُحِيجَنَا للخُرُوجِ من بِلادِ الشَّامِ، فالأَمْرُ يَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ ومُصَابَرَةٍ. اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بالصَّبْرِ والمُصَابَرَةِ. آمين.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 13/ذو القعدة /1435هـ، الموافق: 28/آب / 2015م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد
فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد
هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ ... المزيد
إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَتَقَلَّبُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَمُدُّ اللهُ تعالى لَهُ في أَجَلِهِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَبْقَاهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ غَنِيمَةٌ لَهُ لِيَتَزَوَّدَ مِنْهُ لِآخِرَتِهِ، وَيَحْرُثَ فِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، ... المزيد
لِنَكنْ جَمِيعًا عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا سَنَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. أَلَا وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ في الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّ ... المزيد
مَنْ فَقَدَ الحَيَاءَ فَقَدَ كُلَّ شَيْءٍ، وَصَارَ مُجَرَّدًا مِنْ كُلِّ خُلُقٍ نَبِيلٍ فَاضِلٍ، فَاقِدُ الحَيَاءِ مَمْقُوتٌ خَائِنٌ لَا رَحْمَةَ عِنْدَهُ، بَلْ في غَالِبِ الأَمْرِ الأَعَمِّ تَجِدُهُ مَلْعُونًا عَلَى أَلْسِنَةِ بَعْضِ الخَلْقِ، ... المزيد