83ـ كلمات في مناسبات: محرومون من فضل الله في ليلة النصف من شعبان

83ـ كلمات في مناسبات: محرومون من فضل الله في ليلة النصف من شعبان

 

83ـ كلمات في مناسبات: محرومون من فضل الله في ليلة النصف من شعبان

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ تعالى وَرَحْمَتِهِ أَنْ جَعَلَ لَنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا مَحَطَّاتٍ نَتَزَوَّدُ فِيهَا بِالإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَتَمْحُو مِنْ قُلُوبِنَا آثَارَ الذُّنُوبِ وَالغَفَلَاتِ؛ مِنْ هَذِهِ المَحَطَّاتِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ.

روى البيهقي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ عَنْهُ ثَوْبَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَسْتَتِمَّ أَنْ قَامَ فَلَبِسَهُمَا، فَأَخَذَتْنِي غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ، ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَأْتِي بَعْضَ صُوَيْحِباتِي، فَخَرَجْتُ أَتْبَعَهُ فَأَدْرَكْتُهُ بِالْبَقِيعِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالشُّهَدَاءِ.

فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ فِي حَاجَةِ رَبِّكَ، وَأَنَا فِي حَاجَةِ الدُّنْيَا فَانْـصَرَفْتُ، فَدَخَلْتُ حُجْرَتِي وَلِي نَفَسٌ عَالٍ.

وَلَحِقَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا هَذَا النَّفَسُ يَا عَائِشَةُ؟».

فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي أَتَيْتَنِي فَوَضَعْتَ عَنْكَ ثَوْبَيْكَ، ثُمَّ لَمْ تَسْتَتِمَّ أَنْ قُمْتَ فَلَبِسْتَهُمَا، فَأَخَذَتْنِي غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ، ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَأْتِي بَعْضَ صُوَيْحِباتِي حَتَّى رَأَيْتُكَ بِالْبَقِيعِ تَصْنَعُ مَا تَصْنَعُ.

قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ، بَلْ أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: هَذِهِ اللَّيْلَةُ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَللهِ فِيهَا عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ بِعَدَدِ شُعُورِ غَنَمِ كَلْبٍ، لَا يَنْظُرُ اللهُ فِيهَا إِلَى مُـشْرِكٍ، وَلَا إِلَى مُشَاحِنٍ، وَلَا إِلَى قَاطِعِ رَحِمٍ، وَلَا إِلَى مُسْبِلٍ، وَلَا إِلَى عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ، وَلَا إِلَى مُدْمِنِ خَمْرٍ».

ثُمَّ وَضْعَ عَنْهُ ثَوْبَيْهِ، فَقَالَ لِي: «يَا عَائِشَةُ، تَأْذَنِينَ لِي فِي قِيَامِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟».

فَقُلْتُ: نَعَمْ بِأَبِي وَأُمِّي، فَقَامَ فَسَجَدَ لَيْلَاً طَوِيلَاً حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قُبِضَ فَقُمْتُ أَلْتَمِسْهُ، وَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى بَاطِنِ قَدَمَيْهِ فَتَحَرَّكَ فَفَرِحْتُ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ، وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، جَلَّ وَجْهُكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».

فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرْتُهُنَّ لَهُ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ تَعَلَّمْتِهِنَّ؟».

فَقُلْتُ: نَعَمْ.

فَقَالَ: «تَعَلَّمِيهِنَّ وَعَلِّمِيهِنَّ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَّمَنِيهِنَّ وَأَمَرَنِي أَنْ أُرَدِّدَهُنَّ فِي السُّجُودِ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: السَّعِيدُ مَنْ هَيَّأَ نَفْسَهُ للاسْتِفَادَةِ مِنْ تِلْكَ الفُرَصِ، وَالتي مِنْ جُمْلَتِهَا هَذِهِ اللَّيْلَةُ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا فَلَا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدَاً».

وروى كَذَلِكَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ للهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ».

الاهْتِمَامُ بِالقَلْبِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِنَفَحَاتِ اللهِ تعالى عَلَيْهِ أَنْ يَهْتَمَّ بِقَلبِهِ، وَأَن يَغْسِلَهُ مِنْ ظُلْمَةِ الشَّحْنَاءِ وَالبَغْضَاءِ وَالكَرَاهِيَةِ لِخَلْقِ اللهِ تعالى، لِأَنَّ القَلْبَ هُوَ مَلِكُ الأَعْضَاءِ، إِذَا صَلَحَ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ.

قُلُوبُ النَّاسِ اليَوْمَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى هِيَ قُلُوبٌ قَاسِيَةٌ، قُلُوبٌ بَعِيدَةٌ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قُلُوبٌ في حَالَةِ غَفْلَةٍ عَنِ اللهِ تعالى، قُلُوبٌ حَلَّتْ فِيهَا الأَمْرَاضُ المُسْتَعْصِيَةُ، قُلُوبٌ مَرِيضَةٌ بِالمَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وَمَا هَذِهِ الأَزْمَةُ التي تَمُرُّ فِيهَا بِلَادُنَا إِلَّا مِنْ نَتِيجَةِ هَذِهِ القُلُوبِ المَرِيضَةِ التي زَاغَت عَنِ الحَقِّ.

قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضَاُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾. هَذِهِ قُلُوبُ الكَافِرِينَ، قُلُوبُ المُنَافِقِينَ، فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ تَكُونَ قُلُوبُ المُؤْمِنِينَ كَهَذِهِ القُلُوبِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِقُلُوبِنَا وَبِصَلَاحِهَا، يَا مَنْ يَعْتَنِي بِجَسَدِهِ وَبِسَلَامَتِهِ، هَذَا شَيْءٌ حَسَنٌ، وَلَكِنْ هَلْ تَعْلَمُ بِأَنَّ مَرَضَ الأَجْسَادِ قَدْ يَرْفَعُكَ عِنْدَ اللهِ تعالى إلى عِلِّيِّينَ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنَ اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ المَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ» رواه الإمام أحمد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. فَابْتِلَاءُ الأَجْسَادِ تَطْهِيرٌ للسَّيِّئَاتِ، وَرَفْعٌ في الدَّرَجَاتِ.

أَمَّا مَرَضُ القُلُوبِ فَخَسَارَةٌ للدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَرُونِي صَاحِبَ قَلْبٍ مَرِيضٍ مَحْبُوبَاً بَيْنَ النَّاسِ، هَلِ الحَاقِدُ مَحْبُوبٌ؟ هَلِ المُبْغِضُ مَحْبُوبٌ؟ هَلِ المُتَكَبِّرُ مَحْبُوبٌ؟ هَلِ المُنَافِقُ ذُو الوَجْهَيْنِ مَحْبُوبٌ؟ هَلِ المُحِبُّ للفِتَنِ مَحْبُوبٌ؟ هَلِ الحَاسِدُ مَحْبُوبٌ؟ هَؤُلَاءِ مَنْبُوذُونَ في حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، خَاسِرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

يَـا خَـادِمَ الجِسْمِ كَـمْ تَشْقَى بِخِدْمَتِهِ   ***   أَتَطلُبُ الرِّبْـحَ فِيمَا فِيهِ خُــسْرَانُ

أَقْبِلْ عَلَى النَّفْسِ وَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا    ***   فَأَنْتَ بِالنَّفْسِ لَا بِالجِسْمِ إِنْسَـانُ

حَيَاةُ القُلُوبِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا مَرِضَتِ القُلُوبُ، وَأَهْمَلَهَا أَصْحَابُهَا قَدْ تَصِلُ إلى دَرَجَةِ المَوْتِ، وَبِذَلِكَ تَكُونُ الخَسَارَةُ، حَيْثُ تَسْهُلُ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتُ، وَتَصْعُبُ الطَّاعَاتُ وَالقُرُبَاتُ.

حَيَاةُ القُلُوبِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالإِقْبَالِ عَلَى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدَىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.

القُرْآنُ الكَرِيمُ شِفَاءٌ لِمَا في الصُّدُورِ: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾.

القُرْآنُ الكَرِيمُ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَا مَنْ تَعِيشُونَ حَيَاةَ القَلَقِ وَالاكْتِئَابِ، وَالمَصَائِبِ وَالأُمُورِ النَّفْسِيَّةِ، كُونُوا عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ لَا طُمَأْنِينَةَ للقُلُوبِ إِلَّا بِالإِقْبَالِ عَلَى اللهِ تعالى بِقُلُوبٍ صَادِقَةٍ تَقِيَّةٍ نَقِيَّةٍ، فَحَيَاةُ القُلُوبِ بِالإِيمَانِ وَبِتِلَاوَةِ القُرْآنِ ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتَاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾.

وَاللهِ مَا أُصِبْنَا بِالذي أُصِبْنَا بِهِ إِلَّا بِسَبَبِ خَوَاءِ القُلُوبِ مِنَ الإِيمَانِ، أَو ضَعْفِ الإِيمَانِ فِيهَا، لَقَدْ تَعَلَّقَتِ القُلُوبُ بِالمَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ حَتَّى فَسَدَتْ تِلْكَ القُلُوبُ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.

مَحْرُومُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ تعالى في لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هُنَاكَ شَرِيحَةٌ مِنَ النَّاسِ مَحْرُومُونَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، هَؤُلَاءِ الذينَ يَحْمِلُونَ في قُلُوبِهِمُ الحِقْدَ وَالغِلَّ وَالضَّغِينَةَ عَلَى إِخْوَانِهِمْ.

روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ والبيهقي عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَطْلُعُ عَلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي الْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدْعُوهُ».

وروى ابن ماجه عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صَفَاءُ القُلُوبِ وَنَقَاؤُهَا مِنَ الغِلِّ وَالحَسَدِ وَالبَغْضَاءِ مِنْ شِعَارِ المُؤْمِنِ الذي يَهْتَمُّ بِنَفْسِهِ قَبْلَ الآخَرِينَ.

يَـا أَيُّهَا الـرَّجُلُ الـمُـعَـلِّمُ غَـيْرَهُ   ***   هَـلَّا لِـنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِـيـمُ

وَنَـرَاكَ تُـلْقِـحُ بِالـرَّشَادِ عُقُولَنَا   ***   صِفَةً وَأَنْتَ مِنَ الرَّشَادِ عَـدِيـمُ

لَا تَـنْـهَ عَـنْ خُـلُـقٍ وَتَـأْتِيَ مِثْلَهُ   ***   عَارٌ عَـلَـيْكَ إِذَا فَعَلْـتَ عَظِيمُ

وَابْدَأْ بِـنَـفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا   ***   فَإِذَا انْتَهَتْ عَـنْـهُ فَـأَنْتَ حَكِيمُ

فَهُنَاكَ تُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى   ***   بِالْـقَـوْلِ مِـنْـكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَفَانَا فُرْقَةً وَخِلَافَاتٍ، الكُلُّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِجَمَاعَتِهِ، وَيَـنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ وَلِجَمَاعَتِهِ، الكُلُّ يَرَى نَفْسَهُ عَلَى الحَقِّ وَغَيْرَهُ عَلَى ضَلَالٍ، حَتَّى صَارَ النَّاسُ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ وَاضْطِرَابٍ، هَلَّا حَكَّمْنَا أَنْفُسَنَا جَمِيعَاً بِوَصْفِ اللهِ تعالى للذينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ حَتَّى نَعْلَمَ أَنْفُسَنَا عَلَى حَقٍّ أَمْ عَلَى بَاطِلٍ.

يَقُولُ اللهُ تعالى في حَقِّ الذينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. هَلْ هَذَا وَصْفُنَا؟ فَإِنْ كَانَ هَذَا وَصْفَنَا فَـلْنُبْشِرْ بِبِشَارَةِ اللهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَاً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ قُلُوبُنَا غَيْرَ هَذِهِ القُلُوبِ فَلْنَسْعَ لِإِصْلَاحِهَا بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ تعالى، وَمُجَاهَدَةِ أَنْفُسِنَا لِنَبْذِ الخِلَافَاتِ فِيمَا بَيْنَنَا حَتَّى نَكُونَ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، فَاللهُ تعالى يَرْحَمُ الأُمَّةَ المُتَمَاسِكَةَ المُتَرَاحِمَةَ المُتَحَابِبَةَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا كَذَلِكَ. آمين.

 

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 14/ شعبان /1438هـ، الموافق: 11/ أيار / 2017م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

28-09-2023 636 مشاهدة
141ـ كلمات في مناسبات: عذرًا يا سيدي يا رسول الله

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا ... المزيد

 28-09-2023
 
 636
07-03-2023 655 مشاهدة
140ـ كلمات في مناسبات: إجابة الدعاء معلقة بالاستجابة لله تعالى

عِنْدَمَا تَنْزِلُ المِحَنُ، وَتَشْتَدُّ الخُطُوبُ، وَتَتَوَالَى الكُرُوبُ، وَتَعْظُمُ الرَّزَايَا، وَتَتَابَعُ الشَّدَائِدُ، لَنْ يَكُونَ أَمَامَ المُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلى اللهِ تعالى وَيَلُوذَ بِجَانِبِهِ، وَيَضْرَعَ إِلَيْهِ ... المزيد

 07-03-2023
 
 655
28-09-2022 627 مشاهدة
1- المحبة محبتان

مَعَ بِدَايَةِ شَهْر رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أُهَنِّئُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى حَظَّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، ... المزيد

 28-09-2022
 
 627
09-07-2022 523 مشاهدة
138ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1443 هـ شعيرة الأضحية

هَذَا اليَوْمُ هُوَ خِتَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-07-2022
 
 523
08-07-2022 455 مشاهدة
137ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم الغفران

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ تعالى فِيهِ الدِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الغُفْرَانِ، وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، ... المزيد

 08-07-2022
 
 455
02-05-2022 541 مشاهدة
136ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الفطر 1443هـ

اليَوْمَ هُوَ يَوْمُ الجَائِزَةِ، سَبَقَ فِيهِ أَقْوَامٌ فَفَازُوا، وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا، اليَوْمَ فَازَ المُحْسِنُونَ، وَخَسِرَ المُسِيئُونَ، وَغَدًا تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، وَيَحْصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا، إِنْ ... المزيد

 02-05-2022
 
 541

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411972566
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :